ماذا يعكس تطور قدرات المجموعات المسلحة الفلسطينية؟

يتناول التقدير تطورات القدرات العسكرية للمجموعات المسلحة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما يُشير إلى تنامي البنى التحتية العسكرية لتلك الجماعات، الذي قد يكون مرتبطاً بمحاولات أطراف من خارج الضفة تسعى لتحقيق معادلة ردع جديدة ضد إسرائيل.

الكاتب ستراتيجيكس
  • تاريخ النشر – ٠٥‏/٠٧‏/٢٠٢٣

أظهرت المجموعات المسلحة الفلسطينية إمكانيات متطورة خلال اشتباكاتها الأخيرة مع القوات الإسرائيلية، سواء في وسائل تصديها للاقتحامات والعمليات الإسرائيلية، أو في طرق تنفيذها لعمليات إطلاق النار ضد المستوطنين، أو محاولاتها إطلاق صواريخ تجاه الأراضي الإسرائيلية.

وقد أصبح تطور البنى التحتية العسكرية للمجموعات المسلحة الفلسطينية وتحديداً في منطقة جنين، مصدر قلق في إسرائيل، خاصة بعدما سعت تلك المجموعات لإدخال معادلة جديدة للردع باستخدامها العبوات الناسفة شديدة الانفجار ضد الآليات العسكرية الإسرائيلية للمرة الأولى في 19 يونيو، ما صعد من الدعوات في الداخل الإسرائيلي لشن هجوم موسع لتقويض العنف المتصاعد بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في مدينة جنين ومخيمها، وللحد من عمليات إطلاق النار التي تستهدف المستوطنين والتي تنطلق العديد منها من مدينة جنين.

ولذلك؛ أعلنت إسرائيل في 3 يوليو عن اجتياح موسع لمدينة ومخيم جنين، بمشاركة قرابة الألف جندي، إضافة إلى عدد من الآليات والجرافات، واستخدمت خلالها الضربات الجوية عبر المسيرات. وذلك من أجل تقويض البنية التحتية والأسلحة الخاصة بالمجموعات المسلحة الفلسطينية واستغرقت العمليات يومين قبل أن تعلن إسرائيل انتهاءها رسمياً في 5 يوليو.

وفي الواقع؛ يدلل تطور إمكانيات المجموعات المسلحة الفلسطينية ورد الفعل العسكري الإسرائيلي الذي ظهر في حجم الاجتياح الأخير، أن جهات أكبر قد اخترقت المشهد في الضفة الغربية وأصبح لديها تأثير في مجريات التصعيد والتهدئة هناك، وتقدم دعماً لوجستياً وتقنياً وتدريبياً للمجموعات المسلحة الصغيرة، بحيث لم تعد تلك المجموعات حركات شبابية مستقلة كما كانت لحظة ظهورها بقدر ما أصبحت تُعبر عن محصلة النفوذ الذي تمارسه كل من حركة "حماس" وإيران عليها، والذي بدا واضحاً في أداء وسلوك تلك المجموعات، وهو ما تحاول هذه الورقة أن تقدم بعض المؤشرات عليه.

محاولات ترسيخ بنية تحتية عسكرية في الضفة الغربية

إن التطور الذي أظهرته المجموعات المسلحة الفلسطينية لم يكن وليد اللحظة، وإنما سبقته مجموعة من المؤشرات التي تُشير إلى تلقيها دعماً تقنياً وتدريباً انعكس في وسائل تصديها للمداهمات والعمليات العسكرية المتواصلة في الضفة الغربية منذ حوالي العام، وهو ما يُمكن ملاحظته فيما يلي: 

أولاً: أظهرت المجموعات المسلحة الفلسطينية تطوراً ملحوظاً في صناعة واستخدام العبوات الناسفة شديدة الانفجار، فقد استهدفت بها الآليات العسكرية الإسرائيلية، خلال العمليات الإسرائيلية في 19 يونيو و3 يوليو، وقد أدى ذلك الاستخدام إلى إلحاق الضرر بعدد من الآليات المصفحة.

ثانياً: استخدمت المجموعات المسلحة في جنين كثافة نارية، أخرت من عمليات الاقتحام الإسرائيلية لمدينة جنين ومخيمها خلال الاجتياح الأخير، وأدت سابقاً إلى تضرر طائرة مروحية من طراز أباتشي وهبوطها اضطرارياً بعد تعرضها لنيران أسلحة رشاشة في 19 يونيو.

ثالثاً: اتبعت المجموعات المسلحة تكتيكات جديدة في مواجهة الاقتحام الإسرائيلي الأخير لجنين، حيث صرح المستشار العسكري محمد ثلجي لفريق ستراتيجيكس، أن هذه التكتيكات تمثلت بإفراغ المدينة ومخيمها من تواجد عناصر هذه المجموعات وكذلك أسلحتهم، حيث لم تجد القوات الإسرائيلية المقاتلين ولا أسلحتهم باستثناء بعض مخازن الأسلحة أو بعض القذائف كبيرة الحجم التي لم تستطيع القوات الإسرائيلية حملها. بالإضافة إلى وجود مستوى عالٍ من التنسيق بين عناصر هذه المجموعات، سواء في الهجوم أو أثناء التنقل من مكان لآخر، أو خلال استدراج القوات الإسرائيلية للكمائن، وأيضاً تجهيزها لخطط بديلة في حال واجهت انقطاع في الاتصالات، وكذلك ما يخص أماكن التواجد واللقاء عند الحاجة. وأخيراً يبدو أن تلك المجموعات أعدت خططها العسكرية وفق معلومات استخباراتية دقيقة حصلت عليها من الداخل الإسرائيلي، وهو ما شكل عنصر مفاجأة للجانب الإسرائيلي حيث استطاعت تلك المجموعات الاستعداد وتهيئة ميدان المواجهة ونصب الكمائن ما أدى إلى إيقاع خسائر لدى الجانب الإسرائيلي. 

رابعاً: هناك وتيرة متسارعة في محاولات تأسيس بنية تحتية لصناعة وإطلاق الصواريخ من الضفة الغربية تجاه إسرائيل، ففي 9 مايو أحبطت إسرائيل محاولة خلية تابعة لحركة "الجهاد الإسلامي" تأسيس بنية تحتية لصناعة الصواريخ في الضفة الغربية من أجل استهداف الأراضي الإسرائيلية، كما اعتقلت خلية أخرى في رام الله كانت تخطط لإطلاق طائرات مسيرة مسلحة تجاه إسرائيل. وقد جاءت أولى محاولات المجموعات المسلحة لإطلاق الصواريخ تجاه الأراضي الإسرائيلية يوم 24 مايو عندما أطلقت صاروخاً صوب مستوطنة شاكيد، لكنه فشل في التحليق وانفجر بعد حوالي 3 أمتار من موقع الإطلاق في قرية (نزلة عيسى) قرب جنين، فيما جاءت المحاولة الثانية لإطلاق صاروخ من مدينة جنين صوب مستوطنة "رام أون" في 26 يونيو.

خامساً: بدأت تجربة العبوات الناسفة تتجاوز حدود جنين إلى غيرها من مناطق الضفة الغربية، فوفقاً لمصادر محلية فلسطينية، قُتل شابين وأصيب ثالث أثناء محاولتهم إعداد عبوة ناسفة، انفجرت عن طريق الخطأ في مخيم بلاطة شرق نابلس.

سادساً: كشفت عملية إطلاق النار قرب مستوطنة "عيلي" في 20 يونيو، والتي أدت إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 4 آخرون عن تحول نوعي في مثل تلك العمليات، من التنفيذ الفردي والعفوي في أغلبها نحو التخطيط المُسبق لها، حيث نفذت العملية باستخدام كثافة نارية واستهدفت موقعين مختلفين ووزعت مهامها على ثلاث أفراد.

سابعاً: تُدلل عملية الدهس والطعن في تل أبيب بتاريخ 4 يوليو، والتي أعلنت حركة "حماس" مسؤوليتها عنها في إطار الرد على الاجتياح الإسرائيلي لمدينة جنين ومخيمها، على الاختراق للعمق الإسرائيلي سواء عبر عناصر تتبع لحماس وتنشط داخل الأراضي الإسرائيلية، أو عبر قنوات تستطيع من خلالها الحركة تجنيد مهاجمين مفترضين داخل المدن الإسرائيلية.

ثامناً: تُشير تلك التطورات أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الدائمة والمتواصلة، لم تُسفر عن تقويض قدرات المجموعات المسلحة، وصاعدت من شعور المستوطنين في الضفة الغربية بعدم الأمان خاصة مع العدد المرتفع في قتلى المستوطنين والجنود والذي بلغ 29 قتيلاً منذ مطلع العام 2023 مُقارنة بـ26 العام الماضي.

دور متصاعد لحركة "حماس" في الضفة الغربية

ازدادت وتيرة الاهتمام الحركي والإعلامي لدى حركة "حماس" في الأحداث التي تشهدها الضفة الغربية، وأصبح هناك ارتباط مباشر ما بين حلقة العنف في الضفة ودور "حماس" فيها، خاصة وأنها تواجه قيوداً في التصعيد مع إسرائيل انطلاقاً من قطاع غزة، لا سيما ضمن تفاهماتها الضمنية مع إسرائيل لتهدئة جبهة القطاع والضغوطات المصرية لتحقيق ذلك. وبالتالي فإن الوجود العسكري لحماس في الضفة الغربية أصبح ملموساً ومعلناً ولم يعد سرياً.

فمن جهة؛ تخلت الحركة عن صمتها تجاه العمليات المسؤولة عنها في الضفة الغربية، إذ تبنت أحد منفذي عملية إطلاق النار قرب مستوطنة "عيلي"، وسابقاً أعلنت مسؤوليتها عن "عملية ديزنغوف" في تل أبيب بتاريخ 9 مارس 2023، ودورها في "عملية الأغوار" التي أدت إلى مقتل 3 مجندات إسرائيليات في 7 أبريل 2023، إلى جانب تبنيها عمليات أخرى مماثلة.

ومن جهة أخرى؛ لم تعد الحركة تتحرج في الإعلان عن وجودها عبر بث مقاطع فيديو لعناصرها في الضفة الغربية، فقد أظهر أحدها قيام عناصر من كتائب عز الدين القسام بتصنيع أعداد كبيرة من العبوات الناسفة في مخيم جنين، وأعلنت عن تمكنها من إيقاع القوة الإسرائيلية في كمين أثناء اقتحامها لجنين في 19 يونيو، وهي ليست المرة الأولى، ففي 2022 نشرت كتائب القسام مقطعاً يظهر تواجد عدد من مقاتليها في جبال جنين.

ستراتيجيكس-تطور-قدرات-المجموعات-المسلحة-الفلسطينية-in-1-1.jpg

اختراق إيراني متنامي للضفة الغربية

يمكن ملاحظة التشابه المتزايد في أنماط التكتيكات والوسائل الدفاعية والهجومية لدى المجموعات المسلحة في فلسطين كما هي عند "حزب الله" اللبناني والجماعات المدعومة من إيران؛ وقد حذر محللين وخبراء أمن إسرائيليين من أن تتحول الضفة الغربية إلى جيب مقاوم كما في جنوب لبنان، خاصة بعد أن ربط الإعلام الإسرائيلي ما بين تطور المجموعات المسلحة في استخدام العبوات الناسفة التي يتم تفجيرها عن بعد في الضفة الغربية، والاستخدام الواسع لها من قبل "حزب الله" في جنوب لبنان.

وفي الواقع؛ يتوفر لدى "حزب الله" الإمكانيات لنقل تقنياته في صناعة العبوات الناسفة إلى المجموعات المسلحة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث تحدثت مصادر إسرائيلية في مارس الماضي عن تسلل ناشط من الحزب إلى الأراضي الإسرائيلية، وزرعه لعبوة ناسفة "مصنوعة بطريقة مهنية عالية" قرب مفرق مجدو.

كما أن التصعيد الذي شهده قطاع غزة وتشهده الضفة الغربية يرتبط بشكل مباشر وغير مباشر في الاستراتيجية الإيرانية المُسماة "وحدة الساحات"، والتي انتقلت من إطارها النظري إلى التنفيذي مع تصاعد التوتر الإيراني الإسرائيلي، واتهام طهران لتل أبيب بتنفيذ مجموعة من الهجمات داخل أراضيها.

وأخيراً؛ فإن تطور إمكانيات وقدرات المجموعات المسلحة، يتم بصورة متسارعة وسط مؤشرات لزيادة فعالية حركة "حماس" ودور "حزب الله" اللبناني في دعم المجموعات الفلسطينية، بالرغم من أن تلك التطورات لا تزال بعيدة عن خلق ميزان ردع في مواجهة القدرات الإسرائيلية، لكن من جهة أخرى يصعب على إسرائيل تقويضها عبر عملياتها العسكرية المستمرة في الضفة الغربية ومدينة جنين تحديداً.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات