ماذا بعد قرار حل الكنيست؟
تتناول الورقة قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت حل الكنيست الإسرائيلي والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، بعد فشله في تمرير قانون (تمديد الإجراءات القضائية في الضفة الغربية)، ومستقبل ذلك القانون في ضوء ذلك، وطبيعة السياق الاستباقي لذلك القرار، وأهدافه الرئيسية، بالإضافة إلى خيارات اللحظة الأخيرة الممكنة لمستقبل الائتلاف الحكومي في إسرائيل.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٢٧/٠٦/٢٠٢٢
مقدمة
نشر فريق تحليل السياسات في مركز ستراتيجكس للدراسات والأبحاث في الثامن من يونيو 2022 ورقة تقدير موقف بعنوان "حكومة التوازنات المستحيلة: سيناريوهات وسياسات" تناول فيها سياسات الحكومة الإسرائيلية في حالتي: الفشل في تمرير مشاريع قرارات حجب الثقة أو حل الكنيست الإسرائيلي من جهة، أو النجاح في تمرير تلك المشاريع من جهة أخرى.
ومن أبرز ما ورد فيها أن الحكومة في حالة بقائها فإنها ستكون في "حالة شلل"، بسبب عدم قدرتها على تمرير تشريعات جديدة حسب قانون الكنيست، وهو الأمر الذي سيفجر الأزمة من جديد عند تقديم أول مشروع قانون من قبلها، وقد يؤدي لاحقاً إلى حل الكنيست نتيجة الخلافات المتصاعدة داخل الائتلاف الحكومي، وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة يائير لبيد.
أبرزت الورقة أيضاً هشاشة الائتلاف الحكومي والمهمة الصعبة التي تواجه رئيسه بينت في إدارة التوازنات المستحيلة التي تحمل مخاطر انهيارها في أي لحظة، وبشكل غير متوقع أحياناً، وهي في كل الأحوال توازنات تميل لصالح قوى اليمين في قضايا "تقليص الصراع" واستمرار الاستيطان والاعتداءات على المسجد الأقصى، مقابل بعض التحسينات في ظروف المعيشة اليومية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وأكثر منها بقليل للمجتمع الفلسطيني في داخل إسرائيل، وكل ذلك لن يشكّل علامة فارقة في مسار التسوية السياسية الغائب منذ سنوات.
قرار حل الكنيست
امتداداً للسياق السابق الذي تناولته ورقة "حكومة التوازنات المستحيلة" جاء قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت، مساء العشرين من يونيو 2022، بحل الكنيست والتوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، بعد فشله في تمرير قانون (تمديد الإجراءات القضائية في الضفة الغربية) المعروف بقانون (يهودا والسامرة) في الأوساط الإسرائيلية بعد تصويت عدد من أعضاء الائتلاف الحكومي ضد تمرير القانون، بينهم عضو الكنيست عن حزب ميرتس غيداء زعبي، وعضو الكنيست عن القائمة العربية الموحدة مازن غنايم، وعضو الكنيست المنشقة عن الائتلاف عيديت سيلمان، بالإضافة إلى الفشل في تمرير التصويت على تعيين وزير الأديان الجديد "متان كهانا" من حزب "يمينا" الذي يتزعمه بينت.
فشل بينت في تمرير القانون السابق له دلالته، نظراً لأهمية القانون للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية، باعتبار بينت وحزبه "يمينا" من أحزاب المستوطنين، فالقانون الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية على الضفة الغربية منذ العام 1967 ينص على تطبيق القانون المدني الإسرائيلي على المستوطنين، وتطبيق القانون العسكري الإسرائيلي على الفلسطينيين، ويتم تمديده من خلال تشريع في الكنيست كل خمس سنوات، وتم التصويت على إسقاطه ب 58 صوت مقابل 52 صوت في الكنيست بعد تعهد المعارضة بالتصويت ضد أي قانون يطرحه الائتلاف الحكومي.
نجاح المعارضة بزعامة بنيامين نتنياهو في إسقاط القانون أوصل الائتلاف الحكومي إلى ذروة أزمته، ودفع بينت إلى اتخاذ قرار طرح مشروع حل الكنيست كخطوة استباقية، فرغم أن المعارضة فعلياً هي التي أجبرت بينت على اتخاذ ذلك القرار، إلا أنّ مشروع حل الكنيست يبدو كآخر طوق نجاة لائتلاف بينت، حتى لو كان ذلك الطوق مؤقتاً.
ومن المتوقع أن يتم طرح مشروع حل الكنيست خلال أيام، وفور إقراره تتحول الحكومة الإسرائيلية إلى حكومة انتقالية برئاسة يائير لبيد، في حين ينتقل بينت إلى منصب رئيس الحكومة البديل ويبقى مسؤولاً عن الملف الإيراني، حتى نهاية شهر أكتوبر 2022، وهو موعد الانتخابات الجديدة التي ستكون الخامسة خلال أقل من أربع سنوات، ولتغدو حكومة بينت أقصر حكومة في تاريخ إسرائيل منذ قيامها.
خطوة استباقية
خطوة بينت في طرح مشروع حل الكنيست جاء في سياق استباقي، ومن أجل تحقيق هدفين رئيسيين لرئيس الحكومة وحزبه، هما:
أولاً: قطع الطريق على المعارضة ونتنياهو لتقديم مشاريع حجب ثقة عن الائتلاف الحكومي، قد تمكّن نتنياهو من تشكيل حكومة يمينية جديدة، خاصة بعد تزايد الانشقاقات في حزب "يمينا" والخوف من خروج بعض الأحزاب من الائتلاف، وهو الأمر الذي ازداد خطره بعد تهديد عضو الكنيست (نير أورباخ) بالانسحاب من الائتلاف، وسعيه لتأجيل التصويت على حل الكنيست لمحاولة استنفاد الاتصالات مع الليكود بهدف تشكيل حكومة بديلة بدون انتخابات كما نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" في الثاني والعشرين من يونيو 2022.
ثانياً: الحرص على تمرير قانون (تمديد الإجراءات القضائية في الضفة الغربية)، حيث أشار بينت في مؤتمره الصحفي المشترك مع لبيد، والذي أعلن فيه قراره بتقديم مشروع حل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة، إلى أنه اتخذ ذلك القرار "بعد اجتماعه مع أوساط أمنية وقانونية، والذين بدورهم أوضحوا له أنّ دولة إسرائيل ستدخل في حالة من الفوضى الشاملة إذا لم يتم تمديد أنظمة الطوارئ في الضفة الغربية حتى نهاية الشهر الجاري"، والحل هو، كما أوضحت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية غالي بهاراف – ميارا، خلال اجتماعها مع بينت، أنه "إذا تم حل الكنيست بحلول نهاية الشهر الجاري، بالتزامن مع انتهاء صلاحية أنظمة الطوارئ، فإنه سيتم تمديدها تلقائيًا".
ويرتبط الهدف الثاني، بالضرورة، بالتزام بينت وحزبه تجاه المستوطنين بشكل خاص، والناخبين اليمينيين في إسرائيل بشكل عام، فبينت هو المدير العام السابق لمجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وحزب يمينا الذي يتزعمه هو واحد من أحزاب المستوطنين اليهود الرئيسية.
وبالتالي تشكّل خطوته في الذهاب إلى حل الكنيست والانتخابات المبكرة تحت ذريعة الحرص على تمرير قانون (تمديد الإجراءات القضائية في الضفة الغربية) فرصة لتجديد ثقة المستوطنين وعموم الناخبين اليمينيين به وبحزبه في الانتخابات القادمة، حيث أنّ عدم تمرير القانون، وهو الأمر الذي لن يتم، يعني تجريد ما يقارب نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية -باستثناء القدس- من الحقوق التي يتمتع بها بقية الإسرائيليين، ومن ضمنها حقوق التصويت.
خيارات اللحظة الأخيرة
خيار حل الكنيست والتوجه للانتخابات المبكرة هو الخيار الأكثر حضوراً حتى اللحظة، وفي حالة تحققه وقيام حكومة انتقالية برئاسة وزير الخارجية يائير لبيد، فلن تكون أكثر قدرة من سابقتها على إنتاج سياسات جديدة فيما يتعلق بقضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلا ضمن هامش بسيط، وذلك بحكم طبيعة الفترة الانتقالية للحكومة التي تشكّل فرصة بالنسبة ليائير لبيد لتعزيز قوته الحزبية وزيادة فرصه في الانتخابات القادمة، حيث سيبقى محكوماً لنفس المحددات النابعة من طبيعة الائتلاف الحاكم كما هو حاصل في حالة رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينت، رغم تصريحات لبيد الأخيرة التي قال فيها إنه لن ينتظر حتى إجراء انتخابات جديدة كي يبدأ في معالجة التحديات التي تواجهها إسرائيل، مشيراً إلى سعيه "لمعالجة ارتفاع تكاليف المعيشة، وخوض الحملة ضد إيران وحماس وحزب الله، ومجابهة القوى التي تهدد بتحويل إسرائيل إلى دولة غير ديمقراطية".
وتبقى خيارات اللحظة الأخيرة تستوعب سيناريوهين يجنبان الكنيست قرار الحل بالرغم من استبعادهما، وهما:
أولاً: سيناريو انسحاب عضو الكنيست "نير أورباخ" من الائتلاف، ونجاح مساعيه لتأجيل التصويت على حل الكنيست واتفاقه مع حزب الليكود لتشكيل حكومة بديلة بزعامة نتنياهو بدون انتخابات، خاصة في حالة انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف الذي يترأسه وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان (7 مقاعد في الكنيست) من الائتلاف، أو انسحاب حزب "أمل جديد" اليميني الذي يترأسه وزير العدل الإسرائيلي المنشق عن حزب الليكود جدعون ساعر (6 مقاعد في الكنيست)، أو انسحاب الحزبين معاً من الائتلاف والانضمام إلى ائتلاف يميني جديد بزعامة نتنياهو.
ثانياً: سيناريو تشكيل "حكومة وحدة وطنية" من معظم الأحزاب الإسرائيلية، خاصة أحزاب اليمين والوسط، ووجود هذا السيناريو يعني توجه إسرائيل نحو الحرب، لأنّ تشكيل هكذا حكومة يكون أثناء الأزمات الوجودية التي تواجه إسرائيل، كما حدث عشية حرب حزيران 1967 عندما تشكّلت حكومة "وحدة وطنية" بمشاركة كافة الأحزاب الإسرائيلية على مختلف توجهاتها لمواجهة احتمالات الحرب مع الدول العربية.
خيار الحرب هنا هو الذي سيحدد شكل الحكومة الإسرائيلية القادمة وليس العكس، حيث لا تستطيع حكومة إسرائيلية انتقالية تقود ائتلافاً هشاً الذهاب لذلك الخيار لوحدها، وحتى اللحظة لا يوجد ما يشير إلى وصول المنطقة لذلك الخيار.
ماذا بعد؟
جاءت كل التطورات الأخيرة في الساحة السياسة الإسرائيلية قبل أسابيع قليلة من الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل والمنطقة، وهي الزيارة التي تعوّل عليها الحكومة الإسرائيلية من أجل المساعدة في تعزيز العلاقات الأمنية الإقليمية ضد إيران بشكل خاص، في ضوء مقترح إسرائيلي يتضمن مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية عن إنشاء أطر للاتصال بين إسرائيل ودول عربية من أجل "تحقيق تأثير كبير على إيران وأمور أخرى" كما أشار وقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي.
لكنّ أزمة الائتلاف الحكومي في إسرائيل ستلقي بظلالها على تلك الزيارة، ومن المستبعد تحقيق نتائج "استثنائية" في الملفات الكبرى الشائكة في المنطقة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى ملفات التسوية السياسية مع السلطة الفلسطينية، أو العلاقات الثنائية ما بين إسرائيل من جهة، والأردن ومصر من جهة أخرى، حيث لم يتم تحقيق أي تقدم يذكر في سياق تلك الملفات والعلاقات خلال السنوات الماضية حتى في ظل حكومة إسرائيلية يمينية مستقرة نسبياً برئاسة نتنياهو، وحكم جمهوري يميني برئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي قد لا يتحقق أي إنجاز في ظل حكومة انتقالية إسرائيلية مأزومة، وإدارة أمريكية ديمقراطية توصف لدى الكثيرين بغير الراغبة بالمبادرة.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات