قراءة نقدية لكتاب "حتمية الحرب: هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثوسيديدس؟"

الكاتب: جراهام أليسون Graham Allison | الاسم الأصلي للكتاب: Destined for War: Can America and China Escape Thucydides's Trap | الناشر: هوتون ميفلين هاركورت، نيويورك، 2017

الكاتب محمد ثابت حسنين
  • تاريخ النشر – ٢٨‏/١٠‏/٢٠٢٢

مقدمة

في كتابه الكلاسيكي "الرجل والدولة والحرب" يقدّم منظّر العلاقات الدولية الأمريكي كينيث والتز، ثلاث صور لشرح أسباب الحرب: أولاها صورة الصراع الناتج عن جهات فاعلة سيئة، أي قادة لديهم ميل غير عادي نحو العدوان؛ وثانيها تلك الناشئة من قبل الدول السيئة، وعادة ما تكون غير ديمقراطية؛ وثالثها الصورة المرتبطة بهيكل النظام الدولي، وهي التفسير الذي يفضله معظم الأكاديميين الواقعيين.

في حالة الصين، تلقي الصورة الأولى باللوم على الرئيس وزعيم الحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ وتوطيده للسلطة، بينما تتمسك مدرسة فكرية أقل خطورة بالصورة الثانية حيث تكون السلطوية بالضرورة عدوانية حتى لو لم يتم تركيزها بيد فرد واحد، في حين أنّ الصورة الثالثة هي العدسة التي من خلالها يفسر (فخ ثوسيديدس) علاقات القوة العظمى.

تميل الصور الأولى والثانية إلى أن تكون أقل مصداقية لأولئك الذين لديهم فهم شامل للتاريخ، حيث يمكن أن تكون الديمقراطيات محاربة، وعادة ما يكون قادتها مقيدين بالسياسات المحلية والنظام الدولي وبشعورهم في الحفاظ على الذات، وفي حين تحظى فكرة "أنّ الصين الحديثة هي دولة عدوانية" برواج بين السياسيين، إلّا أنّ الحال ليس كذلك بين الأكاديميين وأولئك الذين يتخذون منظورًا أكثر استنارة تاريخيًا.

فتاريخياً، أظهرت الديمقراطيات سلوكًا مهيمنًا، فقد أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة إمبراطوريتين عالميتين، كذلك تُبين النماذج التاريخية أن السلطوية يُمكن أن تتعايش دون إثارة صراعات كبيرة، كما يتضح من نظام فيينا "الوفاق الأوروبي"، وهو الاسم الذي أطلق على الترتيب وتمكنت من خلاله خمس قوى معظمها غير ديمقراطية في القارة من تسوية النزاعات سلمياً لمعظم القرن التاسع عشر.

وبالتالي، بالنسبة لأولئك الذين يرون بأن الولايات المتحدة يجب أن تتعامل مع الصين كخصم، فإنهم ينطلقون في تفسيرهم الهيكلي للنظام الدولي من منظور تفسير الحرب لكينيث والتز، وأحد الأمثلة على ذلك؛ ما كتبه أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، جون ميرشايمر في عام 2006: "إذا واصلت الصين نموها الاقتصادي المثير للدهشة على مدى العقود القليلة المقبلة، فمن المرجح أن تنخرط الولايات المتحدة الأمريكية والصين في منافسة أمنية شديدة، مع إمكانية كبيرة للحرب".

لم يستند تقييم ميرشايمر إلى السياسة الداخلية أو الثقافة لأي من القوتين، بل انطلق من فكرة أنّ الدول لا يمكنها الوثوق ببعضها البعض، وأنّ القوى العظمى ستتنافس دائمًا على النفوذ.

وفي الآونة الأخيرة، اعترض أستاذ العلاقات الدولية بكلية جون كينيدي ستيفن والت على أولئك الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين من المرجح أن تتعايشا بسلام إذا غيرت أمريكا موقفها، ففي اقتباس لكتاباته يذكر أنه "نظرًا لأنّ كل منهما هو أكبر تهديد محتمل للآخر، فسيتطلعان حتمًا إلى بعضهما البعض بحذر شديد، وسيبذلان جهوداً كبيرة لتقليل حتمية الآخر على تهديد مصالحهما الأساسية، والبحث باستمرار عن طرق للحصول على ميزة، فقط لضمان عدم حصول الجانب الآخر على ميزة عليهم".

حتمية "فخ ثوسيديدس"

كتاب "حتمية الحرب: هل تستطيع أمريكا والصين الهروب من فخ ثوسيديدس؟" للمفكر السياسي الأمريكي جراهام أليسون، الذي نُشر في عام 2017 وحصل على لقب كتاب العام من قبل نيويورك تايمز وفايننشال تايمز وتايمز أوف لندن، هو العمل الأكثر تأثيرًا في الدفع بمفهوم (فخ ثوسيديدس) صوب جعله وسيلة لفهم السياسة الدولية الحالية، وقد نال الكتاب الثناء من قبل شخصيات بارزة؛ أمثال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق ديفيد بتريوس، ووزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر، والسيناتور السابق سام نان، ووزيري الدفاع الأمريكيين الأسبقين آش كارتر وويليام كوهين، كما ألهم الكتاب مشروع هارفارد الذي أنشأه أليسون ذاته، وهو جهد بحثي مستمر للتوسع وتسهيل المناقشة حول نتائج كتابه المذكور، كما تم الاستشهاد بالكتاب من قبل العديد من الباحثين بما يقرب من 800 مرة حتى كتابة هذه السطور، وربما لم يكن لأي كتاب متخصص بالعلاقات دولية في العقد الماضي نفس الحتمية من التأثير.

بالنسبة لأليسون، فإنّ السؤال المحدد حول النظام العالمي لهذا الجيل هو ما إذا كان بإمكان الصين والولايات المتحدة الأمريكية الهروب من (فخ ثيوسيديدس)، وهو يخلص إلى استنتاج مفاده أنه:

إذا كانت هوليوود تنتج فيلمًا عن الصين والولايات المتحدة الأمريكية على طريق الحرب، فلن يجد الممثلون المركزيون نموذجاً أمريكيًا أفضل من دونالد ترامب لتقريب ذلك المشهد، حيث إنّ إصراره على "إلقاء اللوم على الصين أولاً" ينذر بنهاية ضخمة، فهل ستسير واشنطن وبكين على خطى بريطانيا وألمانيا المأساوية قبل قرن من الزمان؟ أم أنهم سيجدون طريقة لتجنب الحرب بنفس الفعالية التي مارستها الولايات المتحدة في صياغة استراتيجية الحرب الباردة لمواجهة التحدي الذي يمثله الاتحاد السوفيتي؟

ويوضح أليسون أيضًا عجز "التاريخ العلمي" بافتراضاته الواقعية السياسية عندما يقترح أنّ "الحرب ليست حتمية" (على الأقل في أربعة أمثلة من 16)، حيث تكمن مشكلة الرؤية والمنهجية في أن مفهوم (فخ ثوسيديدس) تمت صياغته حصريًا بمصطلحات عسكرية استراتيجية غربية تُظهر القليل من الحساسية لكيفية تأطير الصين والصينيين للسؤال أو القضية المطروحة، ولا تراعي سياقات الخصوصية الصينية، وما إذا كان هناك في الواقع أي دليل على رؤية الصين للمستقبل ضمن هذه المصطلحات.

فالنقد الأول لافتراضات الواقعية السياسية يتمثل في أنّ "التاريخ العلمي" هو أسلوب تاريخي غربي مهيمن يفترض الموضوعية في تأطير السؤال، دون الرجوع إلى إطارات أخرى للتاريخ الثقافي وخصوصية السياقات واختلافها، وما يسميه شي جين بينغ "حلم الصين" الذي يعبر في أعماقه عن تطلعات مئات الملايين من الصينيين، الذين يرغبون ليس فقط في أن يكونوا أغنياء فحسب، بل أقوياء أيضًا. حيث يكمن جوهر العقيدة الحضارية في الصين في الاعتقاد - أو التصور - بأنّ الصين هي مركز الكون.

فخ-ثيوسin-1.jpg

ومن هذا المنطلق، فإن الصين كقوة صاعدة تهدد حقاً بإزاحة الولايات المتحدة الأمريكية من المواقع التي أصبح الكثير يعتقد أنها مواقعها الطبيعية. وباختصار، هذا تنافس (ثوسيديدسي) كلاسيكي، مع كل ما يعنيه ذلك، وما يتضمنه من خطر حقيقي لاحتمالات اندلاع حرب كارثية لا تريدها أي دولة.

ولكي نستطيع أن نفهم هذا الكتاب؛ يجب أولاً تحليل مفهوم (فخ ثوسيديدس) بوصفه مصطلحاً أصيلاً في حقل العلاقات الدولية الحديثة، فقد شرح المؤرخ الإغريقي الشهير (ثوسيديدس) الحرب البيلوبونيزية التي أنهت دولة اليونان القديمة الفتية، وصاغ فرضية مفادها أنّ صعود أثينا والخوف الذي غرسه ذلك في إسبرطة هو ما جعل الحرب بينهما حتمية. وللإجابة على تساؤل كيف يؤثر (فخ ثوسيديدس) في العلاقات الدولية؟ فإنّ أساس الإجابة يتمثل في تهديد قوة صاعدة بإزاحة قوة حاكمة مهيمنة وراسخة، وكثيراً ما يعقب ذلك صراعات عنيفة ذات عواقب وخيمة، حتى وإن لم تكن حتمية.

هذه هي الفكرة المحورية في كتاب جراهام أليسون، ولكي يصل المؤلف لإثبات ذلك قام بدراسة قضايا القوى الصاعدة التي تحدت القوة المهيمنة خلال القرون الخمسة الماضية، وقام بفحص 16 حالة من هذا القبيل، حيث وجد أنّ 12 حالة منها انتهت بصراع مفتوح، والعدد الكبير من الحالات التي أدت إلى الحرب قادت أليسون إلى فرضية شبه تاريخية مفادها أنّ القوة الصاعدة التي تهدد بإزاحة قوة حاكمة راسخة يمكن أن تؤدي إلى حرب أو صراعات أخرى.

واليوم، وفقًا لأليسون، تتواجه الصين بوصفها "العملاق الاقتصادي" الذي لا يمكن إيقافه، مع الولايات المتحدة "المتعجرفة" على مسرح العلاقات الدولية، حيث تعهد كل من شي جين بينغ ودونالد ترامب بجعل بلديهما "عظيمة مرة أخرى"، ولربما نرى الحالة السابعة عشرة في تحدي القوى الصاعدة للقوى المهيمنة تلوح في الأفق في فترة حُكم الرئيس الأمريكي الحال جو بايدن.

لماذا الحرب ليست حتمية

يتكون كتاب جراهام أليسون من أربعة أجزاء، هي: صعود الصين، ودروس من التاريخ، وعاصفة تجمُع، ولماذا الحرب ليست حتمية، وفيما يلي قراءة لتلك الأجزاء:

الجزء الأول: صعود الصين

على الرغم من أنّ الصحافة تعتقد أنّ الاقتصاد الصيني يتباطئ، إلا أنّ أليسون يرى خلاف ذلك، فبين عامي 2011 و2013 استخدمت الصين وأنتجت إسمنت أكثر مما استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين بأكمله، ما يُشير لحجم وسرعة ونطاق نهضة الصين في جيل واحد فقط، وهذا الجيل كان كافياً لصعودها كقوة مرشحة لإنهاء هيمنة الولايات المتحدة في عدة أجزاء من العالم. وهنا يشرح أليسون استراتيجية القوة الناعمة التي تستخدمها الصين لصالحها، وتشمل على سياسات التجارة والاستثمار والمساعدات الخارجية، وسياسات تغير المناخ، حيث لا يمكن إنكار أنّ نفوذ الصين آخذ في الازدياد، حتى بين حلفاء الولايات المتحدة القدامى، خاصة في آسيا.

ويرى الكاتب في ختام الجزء الأول أنه بالنسبة لصعود الصين، فالحقيقة هي أنّ الشبكة الاقتصادية الصينية تنتشر في جميع أنحاء العالم، مما يغير ميزان القوى الدولي بطريقة تجعل حلفاء الولايات المتحدة القدامى في آسيا يميلون نحو الصين، وقد استشهد أليسون في رؤية رئيس الوزراء السنغفوري الأسبق لي كوان يو بأن الصين "تمتص دول جنوب شرق آسيا في نظامها الاقتصادي بسبب سوقها الواسعة وقوتها الشرائية المتزايدة، حيث ستنغمس اليابان وكوريا الجنوبية في ذلك النظام الذي يمتص البلدان دون الحاجة إلى استخدام القوة، وحيث سيكون من الصعب للغاية محاربة النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين".

الجزء الثاني: دروس من التاريخ

يقدم الجزء الثاني استعراضاً تاريخياً لخمسة قرون من التحديات الأوروبية، فخلال تلك الفترة تم تسجيل 16 حالة صراع بين القوى الصاعدة مع القوى المهيمنة. والتي استخدمها المؤلف كقاعدة يُقاس عليها العلاقة  الراهنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ويخلص إلى استنتاج مفاده أنّ "أيا من تلك النزاعات لم يكن أمراً لا مفر منه"، وأشار إلى أنّ القوى الصاعدة اعتقدت أنها كانت تؤسس فقط "مكانها الصحيح في النسق الهرمي للنظام العالمي".

 الجزء الثالث: عاصفة التجمُع

يمضي المؤلف في هذا الجزء في قياس أوجه الشبه بين الثقل الصيني الحالي وما كانت تقوم به الولايات المتحدة قبل مائة عام في كوبا والفلبين وألاسكا وكندا. وإذا كان ما يريده الرئيس شي جين بينغ هو "جعل الصين عظيمة مرة أخرى"، فهل ذلك ممكنًا دون قتال كما يعتقد الكثيرون؟ في وقت تُعزز فيه الصين وتدرب قواتها لتكون جاهزة لأي طوارئ محتملة، أو على حد تعبير الرئيس شي، فإنّ حلم الصين هو "القتال والفوز". وفي سياق متصل وبينما تسعى بكين لتحقيق أهدافها، فإن اختلافات "ثقافية عميقة" تظهر بين الدولتين، وتلعب دوراً في تغذية تنافسها مع الولايات المتحدة، بل وتجعله أكثر صعوبة، بحتمية يُقرب الدولتين من "فخ ثوسيديدس".

بيلوسي-in-2.jpg

الجزء الرابع: لماذا الحرب ليست حتمية

في الجزء الرابع والأخير، يحلل المؤلف الحالات التاريخية الأربع التي نجحت فيها القوى الصاعدة والحاكمة في توجيه سفنها عبر مسارات زلقة دون الجنوح للحرب، وبناء على النمو الاقتصادي المذهل للصين، والمساعي السياسية، والتقدم الجيوستراتيجي على مدى السنوات العشرين الماضية، فيرى أليسون أنه من الحكمة عدم التقليل من شأن الصين، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وعوضاً عن ذلك يجد أنه من الأفضل تكثيف "التشابكات الاقتصادية" مع الصينيين بدلاً من البحث عن طريقة "لإذلالهم"؛ وبذلك سيستفيد كل طرف معني على المدى الطويل. ويختتم أليسون هذا الجزء باقتراح أن تحاول الولايات المتحدة استيعاب الصين، والتفاوض من أجل سلام طويل الأمد، وإعادة تعريف العلاقة بين قوتين عظيمتين.

قراءة في "حتمية الحرب" بين القوتين

إنّ التقييم النقدي لعمل مؤلف يتمتع بسمعة ممتازة مثل جراهام أليسون هو مهمة صعبة ولكنها ضرورية، وعلى الرغم من أنّ كتاب (حتمية للحرب) هو عدسة قيمة يمكن من خلالها لرؤساء الدولة والضباط العسكريين والدبلوماسيين والاستراتيجيين والعلماء رؤية العلاقة الحالية والمتغيرة بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنّ بعض حجج المؤلف فيما يتعلق بالسياسة والاستراتيجية التي يجب أن تتبعها الولايات المتحدة تبدو غير مناسبة، فعلى سبيل المثال، يؤكد المؤلف أنّ "التاريخ يظهر أنّ القوى الحاكمة الكبرى يمكنها إدارة العلاقات مع المنافسين، حتى تلك التي تشكل مصدر تهديد لمكانتها، دون اللجوء إلى الحرب، وقد سجل التاريخ العديد من النجاحات، ويمكن أن يقدم دروساً كثيرة لرجال الدولة اليوم".

ومع ذلك، فإنّ التحدي هنا هو التمييز بين الدروس التاريخية لمنع الحرب، والتي تختلف اختلافاً واسعاً لدرجة التناقض في بعض الحالات، وقد تفيد حالتان في توضيح هذه الفكرة: ففي الحالة الحادية عشرة التي يوردها المؤلف، والتي تتمثل في الردّ البريطاني على القوة الأمريكية الصاعدة في أوائل القرن العشرين، يشير أليسون إلى أنّ بريطانيا العظمى اختارت استراتيجية "جعل الضرورة فضيلة، والاستسلام للأمريكيين في كل نزاع بأكبر حتمية من التنازل المسموح به"، وفي الحالة الخامسة عشرة التي تتناول تحدي الاتحاد السوفيتي الصاعد الولايات المتحدة لعدة عقود، ولكن مع حالة من "اللا حرب". ويصف المؤلف هذا النهج بأنه "أعظم قفزة في الخيال الاستراتيجي في تاريخ الدبلوماسية الأمريكية"، و"استراتيجية شاملة لشكل من أشكال القتال لم يسبق له مثيل"، وعززت حربًا باردة "بكل الوسائل التي تفتقر إلى القنابل والرصاص"؛ لكن بالرغم من أن نتائج تلك المنافسات لم تؤدي إلى الحرب، إلا أنه ومن الناحية العملية قادت كل من "الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي؛ هجمات ضد بعضها البعض على العديد من الجبهات باستثناء الهجمات العسكرية المباشرة، فيما عرف بالحروب بالوكالة أو دعم الأطراف الصديقة". وعليه يقدم المثالان المذكوران أعلاه نهجين مختلفين تاريخياً لا يمكن إنكارهما: أماكن التسوية المجدية أو الحرب الباردة، وبالتالي، فإنّ نصيحة "تطبيق التاريخ"، وإن كانت حكيمة، فإنها لا تزال تثير تساؤلات حول التاريخ وكيف سيتم تطبيقه على العلاقات الفريدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، مع ضرورة الإشارة إلى الاختلافات الجذرية في البعد الثقافي.

الحرب الباردة

بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من القضايا الأخرى التي تتطلب التدقيق: أولاً؛ يحمل المؤلف نظرة متفائلة إلى حد ما تجاه الاقتصاد الصيني، وهو تفاؤل لا يحظى بالإجماع بين العلماء والمحللين الذين يتتبعون حالة ذلك الاقتصاد، وثانيًا؛ تتحدى الطبيعة غير المسبوقة للأسلحة النووية دروس حالات ما قبل عام 1945 كتجارب للتنبؤ بمستقبل الصراع بين الولايات المتحدة والصين، ولكن في الوقت نفسه، ينبغي للعلماء والاستراتيجيين عدم التشكيك بالملاحظات التاريخية المستمدة من حقبة ما قبل الأسلحة النووية.

فخ-ثيوس-in-2.jpg

أخيرًا؛ يقدم الكتاب مجموعة بيانات صغيرة جدًا ومحدودة "16 حالة فقط"، تتكون في الغالب من حالات أوروبية، لدعم الادعاءات القائمة على الإحصائيات وشرح السجل الصيني المقيد بشكل خاص من حيث التدخلات العسكرية، لذلك يبرز سؤال: كيف نفهم الاستراتيجية العسكرية الصينية دون النظر إلى المتغيرات المحلية والمعيارية؟  

 

 

*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.

محمد ثابت حسنين

باحث في العلاقات الدولية