قراءة تفصيلية في نتائج الانتخابات المحلية في الضفة الغربية
تتناول الورقة نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية الفلسطينية في الضفة الغربية التي تمت في السادس والعشرين من آذار 2022، وتسعى لتقديم قراءة تفصيلية لتلك النتائج، حيث تفترض أنّ هذه الانتخابات تكتسب أبعاداً سياسية في الحالة الفلسطينية، وسيكون لها تداعيات على مستقبل الأوضاع السياسية في الضفة الغربية بشكل خاص.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٠٥/٠٤/٢٠٢٢
تمهيد
أجريت المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية الفلسطينية في موعدها المقرر في السادس والعشرين من آذار 2022، وتم إعلان النتائج الرسمية لها صبيحة اليوم التالي من قبل لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، حيث حملت تلك النتائج مجموعة مؤشرات أساسية منها:
- أن نسبة الاقتراع النهائية بلغت 53.69% من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم 715,413 مقارنة بـ 66.14% في المرحلة الأولى من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم 405,687.
- أن نسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم المستقلة في المرحلة الثانية، بلغت 64.4% من العدد الكلي للمقاعد المتنافس عليها والبالغة 632 مقعداً، مقارنة بالمرحلة الأولى حيث أن نسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم المستقلة بلغت 70.86% من العدد الكلي للمقاعد المتنافس عليها والبالغة 1,503 مقاعد.
- حازت القوائم الحزبية في المرحلة الثانية على 35.6%، بينما حازت في المرحلة الأولى على 29.14%.
أهم ما في المؤشرات الأساسية هو تراجع نسبة التصويت مقارنة بالمرحلة الأولى خلافاً لتوقعات لجنة الانتخابات المركزية، وارتفاع نسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم الحزبية قليلاً مقارنة بالمرحلة الأولى، لكن المؤشرات الأهم تكمن في التفاصيل التي لم ترد في تقرير لجنة الانتخابات المركزية.
الانتخابات في حسابات فتح وحماس
تُشكل نتائج الانتخابات لحركتي فتح وحماس، الفرصة لقياس القوة التنظيمية والجماهيرية من جانب، وتجديد الشرعية الانتخابية والسياسية من جانب آخر، خاصة بعد إلغاء الانتخابات العامة وعدم وجود أي بوادر مستقبلية لإجرائها.
أما على المستوى الخارجي فإن نتائج الانتخابات تحمل رسائل سياسية لكل الأطراف ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية (إسرائيل، الأردن، مصر، دول الإقليم، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية)، ورغم اختلاف أهداف تلك الرسائل ما بين الحركتين، إلا أن الغاية واحدة وهي رسالة (من هو الطرف الأقوى والأجدر بتمثيل الشعب الفلسطيني).
بالنسبة لحركة فتح بشكل خاص تأتي الانتخابات المحلية في ظل أزمات داخلية كثيرة تواجهها، خاصة ما يتعلق منها بمستقبل الوضع الفلسطيني بشكل عام، ومستقبل الحركة بشكل خاص، وسعي كل طرف من الفرقاء داخلها لتعزيز مكانته التنظيمية والجماهيرية والسياسية من بوابة الانتخابات المحلية في المدن ومراكز المحافظات.
أما حركة حماس، فهي تدرك أولاً تأثيرات الخلافات الداخلية في فتح وتعمل على استغلالها في تعزيز حضورها السياسي في الضفة الغربية، وتمتين جبهتها الداخلية بعد سنوات من حظر نشاطها في الضفة الغربية إثر أحداث غزة في العام 2007، ولذلك ناورت الحركة بين موقفها العلني المقاطع للانتخابات (كتعبير عن رفضها تأجيل الانتخابات العامة)، ومشاركتها الواضحة من خلال تواجد رموزها والشخصيات المحسوبة لها وقياداتها التاريخية، في القوائم مستقلة أو بالائتلاف مع الجبهة الشعبية أو بتقديم الدعم غير المُعلن لقوائم مُعينة، في الوقت الذي تمنع فيه إجراء الانتخابات البلدية في قطاع غزة.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، يبدو أنّ حركة فتح، لم تستخلص العبر من نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية، فهي لم تستطع تسجيل قائمة رسمية واحدة باسمها في العديد من الهيئات المحلية، لا سيما الكبيرة منها، ولم تستطع تجاوز خلافاتها الداخلية، بل العكس تماماً هو ما حصل، حيث تعمقت هذه الخلافات التي عبرت عن ذاتها من خلال تشكيل عدة قوائم "غير رسمية" للحركة، ومتنافسة في الهيئة المحلية الواحدة (في العيزرية/القدس 4 قوائم؛ في بيت جالا وبيت ساحور قائمتان؛ في الظاهرية 3 قوائم؛ في دورا قائمتان؛ في يطا قائمتان) وبالتالي ظهرت كحركة غير متماسكة تحت وطأة الخلافات الداخلية.
مؤشرات تفصيلية
أهم المؤشرات التفصيلية في نتائج الانتخابات المحلية في مرحلتها الثانية برزت في المدن ومراكز المحافظات، وهي ذات الكثافة السكانية الأعلى من ناحية، ومركز النشاط الحزبي والسياسي من ناحية ثانية، خاصة في المدن الثلاث الكبرى في الضفة الغربية (الخليل، رام الله والبيرة، نابلس)، حيث خاضت حركة فتح الانتخابات بقائمة رسمية حملت اسم (البناء والتحرير) في خمس مدن هي الخليل وجنين وطولكرم وقلقيلية وبيت ساحور، ولم تتمكن من ذلك في بقية المدن التي خاضتها بقوائم متعددة وغير رسمية، بينما شاركت حركة حماس بقوائم مستقلة وضمن تحالفات متعددة في الخليل ونابلس ورام الله والبيرة وجنين وطولكرم وقلقيلية.
من قوائم حركة فتح الرسمية فاز 47 مرشحاً، مقابل فوز 118 مرشحاً من القوائم المستقلة، ففي مدينة الخليل، وهي أكبر مدن الضفة الغربية، فازت قائمة (الوفاء للخليل) المُستقلة بثمانية مقاعد من أصل 15 مقعداً، مقابل ستة مقاعد لقائمة حركة فتح الرسمية (البناء والتحرير)، وفي مدينة طولكرم فازت كتلة (كرميون) بثمانية مقاعد مقابل سبعة مقاعد لقائمة حركة فتح الرسمية، وفي مدينة بيت ساحور لم تفز قائمة فتح الرسمية إلا بثلاثة مقاعد من أصل 13 مقعداً، وهي نفس النتيجة التي تكررت في مدينة حلحول في الخليل، في حين لم تحقق قوائم فتح الرسمية فوزاً إلا في مدينتي جنين وقلقيلية، حيث فازت بثمانية مقاعد من أصل 15 مقعداً في جنين، وسبعة مقاعد من أصل 15 مقعداً في قلقيلية مقابل خمسة مقاعد لكتلة (الأمل) المكونة من تحالف حماس والجبهة الشعبية، وثلاثة مقاعد للكتلة المستقلة.
وفي المدن التي لم تتمكن حركة فتح من تسجيل قوائم رسمية باسمها، فازت كتلة (نابلس تختار) المقربة من فتح في مدينة نابلس بثمانية مقاعد من أصل 15 مقعداً مقابل سبعة مقاعد لكتلة (العزم) التي تضم تحالف حماس والمستقلين، وفازت كتلة (أبناء البلد) المقربة من فتح في مدينة رام الله بتسعة مقاعد من أصل 15 مقعداً، في حين فازت قائمة (البيرة تجمعنا) المكونة من تحالف حماس والمستقلين في مدينة البيرة بثمانية مقاعد من 15 عشر مقعداً.
قراءة في المؤشرات
من خلال النتائج السابقة وأبرز مؤشراتها يمكن الخروج بقراءة أولية تتلخص في مجموعة من النقاط:
أولاً: مؤشر ارتفاع نسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم الحزبية مقارنة بالمرحلة الأولى هو مؤشر ارتفاع قليل، ويعني أن حركة فتح دفعت بكل قوتها في تلك القوائم، الرسمية منها وغير الرسمية، حيث أنّ القوائم الحزبية في غالبيتها قوائم تابعة لفتح أو مقربة منها، بينما القوائم الحزبية الأخرى هي قوائم يسارية قليلة وفي مناطق ذات أهمية متدنية نسبياً، ورغم ذلك لم ترتفع نسبة المقاعد للقوائم الحزبية إلا 6%، وبقيت قليلة مقارنة بنسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم المستقلة التي ضمت حماس وتحالفاتها في جزء منها.
ثانياً: مؤشر نتائج القوائم الرسمية لحركة فتح (البناء والتحرير) في المدن مؤشر دال في بُعدين: بعد الخلافات الداخلية في فتح، وبعد القدرة على المنافسة، فكتلة فتح الرسمية لم تفز بالأغلبية المطلقة (النصف+ واحد) إلا في مدينة جنين، وفازت بالترتيب الأول بين الكتل الثلاثة في مدينة قلقيلية لكنها لم تحقق أغلبية مطلقة، وخسرت أمام كتلة مستقلة تضم شخصيات من حماس في مدينتي طولكرم والخليل، علماً أن مدينة الخليل ومحافظتها تمثل النسبة الأكبر من حيث المساحة وعدد المواطنين في الضفة الغربية.
ثالثاً: مؤشر نتائج القوائم غير الرسمية لحركة فتح في المدن مؤشر دال أيضاً في البعدين السابقين، فكتلة فتح غير الرسمية فازت بالأغلبية المطلقة في مدينة نابلس، ثاني أكبر المدن الفلسطينية، كما فازت بالأغلبية المطلقة في مدينة رام الله (العاصمة المؤقتة ومركز السلطة)، لكنها خسرت في مدينة البيرة، علماً أن مدينتي رام الله والبيرة تعتبران مدينة واحدة فعلياً، وهما مركز لمحافظة واحدة هي محافظة رام الله والبيرة.
في هذا السياق تبدو قوائم فتح غير الرسمية أكثر قدرة على المنافسة وتحقيق نتائج عالية من قوائم فتح الرسمية، ما يشير إلى اتجاهات المواطنين السلبية تجاه فتح الرسمية بحكم ارتباطها بالسلطة من جانب، ودور العوامل الاجتماعية والعائلية الفاعلة في القوائم غير المرتبطة بحركة فتح رسمياً من جانب آخر، لكن مشكلة القوائم غير الرسمية تكمن في كونها غير خاضعة للقرارات التنظيمية الرسمية لفتح رغم التزامها بخطها السياسي.
وعليه برزت الخلافات الداخلية في فتح وعدم قدرة قيادتها على تشكيل قوائم رسمية موحدة في نابلس ورام الله والبيرة رغم الخطر الذي تشكله القوائم المستقلة، كمؤشر على عمق تلك الخلافات وحدتها، ودلالة هذا المؤشر ستكون في غاية الأهمية عند تفكير قيادة فتح والسلطة في خيار إجراء الانتخابات العامة مستقبلاً.
رابعاً: قامت حركة فتح، بتصوير النتائج بوصفها (فوزاً ساحقاً) لقوائم الحركة وشركائها كما جاء في بيانها الرسمي، واعتمدت في ذلك على صيغ عامة بعيدة عن المؤشرات الدالة التي تمت الإشارة إليها سابقاً، مع تركيزها على قضيتين، هما: قضية (النهج الذي تمارسه الحركة في نطاقها الداخلي وفي منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها، وهي تمارسه بكل حرية وشفافية في المجتمع الفلسطيني في إطار السلطة الوطنية منذ العام 1996)، وقضية (أسفها الشديد من قرار حركة "حماس" بمنع إجراء الانتخابات في قطاع غزة وحرمان أهلنا هناك من ممارسة حقهم الذي يكفله القانون) كما جاء في بيان فتح الرسمي.
خامساً: القضيتان المشار إليهما في بيان حركة فتح الرسمي تشكلّان أساس القراءة السياسية لنتائج المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، حيث تحملان العديد من الرسائل والاحتمالات، خاصة في ظل قرار إلغاء الانتخابات العامة، واستبعاد القيام بإجرائها في المستقبل القريب، وأهم هذه الرسائل ما هو موجّه منها للخارج (المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي)، بهدف محاولة التبيان للعالم أنّ ما حصل في الانتخابات المحلية هو ممارسة شعبية كاملة جددت شرعية السلطة بحكم فوز قوائم حزبها الحاكم (حركة فتح)، وأنّ ما يمنع التقدم نحو الانتخابات العامة هو حركة حماس بموقفها الرافض لإجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة.
سادساً: مؤشر تقدم القوائم المستقلة التي تضم شخصيات من حماس يعطي دفعة قوية لمقولة أن شعبية السلطة الوطنية الفلسطينية تتراجع، مع ذلك تبقى مُشاركة شخصيات من حماس لا تتناسب وقياس قوتها ووزنها الانتخابي، خاصة أن الانتخابات لم تشمل قطاع غزة. وبالتالي فإن النتائج المحلية تنعكس بالضرورة على الانتخابات العامة.
خاتمة
تلك كانت قراءة أولية لنتائج الانتخابات المحلية الفلسطينية، وهي قراءة تستدعي المزيد من البحث في دلالاتها السياسية المستقبلية في ضوء مواقف الأطراف ذات الصلة من تلك النتائج، حيث أنّ الكثير من تلك الدلالات متربط بما سيجري على الأرض من مواقف وردود أفعال: فلسطينياً وإسرائيلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات