عملية "الجدار الحديدي": تشابه الإجراءات وتقاطع الأهداف بين القطاع والضفة
تأتي عملية "الجدار الحديدي" كحلقة متقدمة من الحرب في قطاع غزة، وجزء من الوعود السابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بإعادة رسم ملامح الشرق الأوسط، وذلك يتضح من خلال سلسلة الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى إعادة هندسة الجغرافيا الفلسطينية والسورية، والمكانية والبشرية، وتغيير التخطيط العمراني في الضفة الغربية لصالح مشاريع الاستيطان، في خطوة تعتبر مُقدمة للضم وفرض السيادة.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ٠٦/٠٣/٢٠٢٥

تتصاعد وتيرة العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "الجدار الحديدي"، وبدأها في مدينة جنين ومُخيمها في 21 يناير 2025، إذ دفع الجيش سرية دبابات تابعة للواء المدرعات 188 إلى شمال الضفة الغربية؛ للمرة الأولى منذ العام 2002، وتتمركز القوات الإسرائيلية في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، بما في ذلك مدينة جنين ومخيمها، بعد أن كانت في السابق تنفذ توغلات محدودة وتنسحب من المناطق الحضرية. وتتعمق العملية في وقت يشهد فيه اتفاق وقف إطلاق النار تحديات في الانتقال إلى المرحلة الثانية، وسط توقعات باستئناف الحرب، وفي ظل انتشار إسرائيلي في مناطق من الجنوب السوري، ومحاولات إسرائيل أي تموضع أو تواجد لقوات الإدارة الانتقالية في الجنوب.
التشابه في الإجراءات الإسرائيلية بين الضفة الغربية وقطاع غزة
تتكثف العمليات العسكرية في الضفة الغربية، وتحديداً في مدينة جنين ومُخيمها، وبالرغم من أن هذه ليست الأولى من نوعها في شمال الضفة، إلا أنها تأخذ أبعاداً غير مسبوقة، فقد بدأت ملامح إعلان وزير الدفاع يسرائيل كاتس عقب إطلاق العملية بأن "الجيش يُطبّق الدروس المستفادة من العمليات في قطاع غزة" بالظهور والوضوح، حيث التشابه ما بين التكتيكات والاستراتيجيات كبير إلى حد ما، فمن جهة تُشير التقديرات الرسمية أن مُستوى الدمار والتهجير في مدينة جنين ومخيمها غير مسبوق، فقد نزح حوالي 90% من سكان مُخيم جنين، وقد أشار كاتس أن الجيش الإسرائيلي أخلى أربعين ألف فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، فيما حذرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" من استنساخ إسرائيل لانتهاكات قطاع غزة في الضفة الغربية، وإشارتها لقيام الجيش الإسرائيلي بهدم أعداد كبيرة من المنازل والبنى التحتية الحيوية كشبكات الصرف الصحي وأنابيب المياه في جنين.
ومن جهة أخرى؛ يُمكن تحليل المشهد في الضفة الغربية وقطاع غزة، من حيث مُحاولات إسرائيل هندسة التخطيط العُمراني في المنطقتين، من خلال الاستهدافات المُتكررة للمُخيمات، ومن بينها مخيم جنين، ومخيم بين حانون وجباليا، وذلك في ضوء الاعتقاد الإسرائيلي بأن المُخيمات تُشكل الخزان البشري للفصائل المُسلحة والمجموعات المسلحة الميدانية. كما أعلن الجيش الإسرائيلي عن مُخططات لشق طُرق واستحداث مسارات عسكرية في جنين وطولكرم، على غرار "محور نتساريم" الذي أنشأه الجيش وسط قطاع غزة، وذلك لتحسين القدرة العملياتية للقوات في الميدان، وضمان وصول المركبات العسكرية داخل المخيمات في شمال الضفة الغربية، وإتاحة الوصول السريع الى أي نقطة فيها.
ولعل الأكثر الخطورة؛ تشابه الحالتين في اعتبار أن الأراضي الفلسطينية لا سُلطة لها، وتُدار وفق التوجهات الإسرائيلية، فقد أشرفت إسرائيل بشكل مُباشر وغير مباشر في السابق على عمليات توزيع المساعدات في قطاع غزة، أما في الضفة فقد قامت الشرطة الإسرائيلية لأول مرة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية بفرض مخالفات سير على المواطنين الفلسطينيين داخل مدينة جنين، والمصنفة كمنطقة (أ) حسب اتفاقيات أوسلو.
التقاطع في الأهداف الإسرائيلية بين الضفة الغربية وقطاع غزة
تستمر العملية العسكرية الإسرائيلية وسط مجموعة من المتغيرات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، وتحديداً في التوافق ما بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية بشأن خطط تهجير أهالي قطاع غزة، باعتباره غير صالح للسكن، ومن جهة تأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعضاء إدارته ضم إسرائيلي للمناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية إلى سيادتها.
في هذا السياق، تتقاطع الأهداف في محاولات إسرائيل خلق واقع ديمغرافي وميداني وجغرافي جديد في الأراضي الفلسطينية، إذ يبقى قطاع غزة دون إدارة ومنظومة حُكم، وهي مسألة مرتبطة بشكل أساس بإعادة الإعمار، فيما تواجه السلطة الفلسطينية تحديات مصيرية في فرض سلطتها على الضفة الغربية، وقد أشارت صحيفة "واشنطن بوست" منتصف فبراير 2025، أن الإدارة الأمريكية قد جمدت التمويل المقدم لأجهزة الأمن الفلسطينية، ضمن عمليات تجميد واسعة للمساعدات الأمريكية إلى الخارج، وهذا يفرض على السلطة الفلسطينية ضغوطاً مضافة إلى الإجراءات الإسرائيلية التي تستهدف تقويض قدرتها على العمل في مناطقها.
كما تتقاطع الأهداف في محاولات إسرائيل إعادة رسم المشهد الاجتماعي للقطاع، فقد أشارت القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية حول تحضير القيادة السياسية الاسرائيلية لليوم الذي يلي العملية العسكرية في الضفة الغربية، ووجود خطة مدنية سيتم تنفيذها بعد تلك العملية، حيث سيتم إعادة رسم خريطة شمال الضفة وتغيير التخطيط المدني والتشديد على مخيمات اللاجئين ووضع مناهج دراسية خالية من "معاداة السامية"، وهو ما تؤكده سلسلة التشريعات والقرارات الإسرائيلية المتعلقة بالضفة في العامين المنصرمين، والتي كان آخرها مصادقة الكنيست الإسرائيلي في التاسع والعشرين من يناير 2025 على مشروع قانون يسمح للمستوطنين اليهود بشراء الأراضي في الضفة الغربية مباشرة دون الرجوع الى الجيش، وإقرار اللجنة الوزارية للتشريع في التاسع من فبراير 2025 قانوناً يعتمد تسمية "يهودا والسامرة" بدلاً من الضفة الغربية، بالإضافة الى مناقشة الكنيست تعديلاً قانونياً يشترط استفتاءً شعبياً أو موافقة ثمانين عضواً في الكنيست قبل أي انسحاب من الضفة.
الإجراءات الإسرائيلية ومحاولات خلط الأوراق
تُعقّد الإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة المساعي العربية المُشتركة لرفض التهجير في قطاع غزة، وفي مقدمتها المواقف الأردنية والمصرية، والتوافق العربي في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في 2 مارس 2025، حول المبادرة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة، إذ تزامن ذلك مع عودة إسرائيل التلويح باستئناف الحرب في القطاع، فقد منحت الحكومة الإسرائيلية حركة حماس مُهلة 10 أيام للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، قبل عودة الحرب مُجدداً. واتخاذها في مطلع مارس 2025 لقرار بوقف دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة حتى إشعار آخر بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وهو ما يعني استمرار حالة الحرب، وبالتالي استمرار مخططات التهجير لمواطني قطاع غزة.
وهذا يضع المحاولات العربية في حرج، بل ويعقّد تحركات الدول العربية على جبهتين في الأراضي الفلسطينية، لا سيما مع ظهور مخاطر جدية ببدء الإجراءات الإسرائيلية لتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية، بالتزامن مع محاولاتها التأثير في العملية السياسية الجارية في سوريا، وفرض "عُمق آمن" يمتد على طول الجنوب السوري وصولاً إلى العاصمة دمشق، من خلال وضع نفسها كحامي للطائفة الدرزية، ومحاولاتها منع أي تواجد لقوات الإدارة الانتقالية في الجنوب. وقد نقلت قناة (كان) الإسرائيلية في 2 مارس 2025 عن توجيه الحكومة الإسرائيلية للجيش الإسرائيلي بالاستعداد للدفاع عن مدينة جرمانا الدرزية بريف دمشق، وكل ذلك يعني أنّ سياسات الحكومة الإسرائيلية لا تقتصر على الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنّ تلك السياسات تحظى بدعم أمريكي، وتشكّل خطراً اقليمياً شاملاً، وتهديداً لمختلف الدول العربية.
وأخيراً؛ تأتي عملية "الجدار الحديدي" كحلقة متقدمة من الحرب في قطاع غزة، وجزء من الوعود السابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بإعادة رسم ملامح الشرق الأوسط، وذلك يتضح من خلال سلسلة الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى إعادة هندسة الجغرافيا الفلسطينية والسورية، والمكانية والبشرية، وتغيير التخطيط العمراني في الضفة الغربية لصالح مشاريع الاستيطان، في خطوة تعتبر مُقدمة للضم وفرض السيادة، وتكمن خطورة العملية الجارية على وجه التحديد في استهداف مخيمات اللاجئين وانهاء وجودها في الضفة بالعمليات العسكرية المتواصلة، في وقت تستهدف في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وحظر نشاطاتها، بما يخلق "بيئة طاردة" تعمل على دفع أكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين للهجرة الطوعية إن تعذّرت المشاريع الإسرائيلية في التهجير القسري بسبب المواقف الفلسطينية والعربية الرافضة بقوة لتلك المشاريع.

ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات