صندوق النقد الدولي: ما الذي ينتظرنا في عام 2021؟
عملت المؤسسات الدولية المعنية بالشأن الاقتصادي والمجال المالي على رصد وتفسير الآثار السلبية التي لحقت بالاقتصاد العالمي من جراء تفشي جائحة كوفيد -19. تقدم الأسطر التالية لمحة عن توقعات صندوق النقد الدولي لسير الاقتصاد العالمي في عام 2021.
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ١٤/٠٢/٢٠٢١
يتركز الاهتمام في الآونة الأخيرة على متابعة آخر التصريحات والإصدارات التي تقوم على إعدادها المنظمات والائتلافات الدولية وحتى مراكز الأبحاث المهتمة بالشأن الاقتصادي، وهذا أمر من الطبيعي أن يحدث نظراً للوقائع التي فرضتها جائحة كوفيد-19 على جميع المستويات الاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية، المنطلقة في مجموعها من عدم الاستقرار الاقتصادي، وما يتضمنه مسارُ المؤشرات والبيانات الاقتصادية من ضبابية بشكل عام.
وعليه، فإن التصريحات والتقارير الصادرة عن الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي في مستواه العالمي، تكتسب أهمية كبيرة في إطار الظروف الحالية للمساعدة على الفهم الإحصائي والنظري للواقع الاقتصادي، وذلك بهدف استخلاص بعض الحلول الممكنة لتسريع الخروج من الأزمة وعدم تعمقها. وسنقوم في هذه المادة على ذكر أبرز ما جاء في أحدث التقارير الصادرة عن مؤسسة صندوق النقد الدولي، والتي تكتسب أهمية كبيرة ليس لدقتها وموثوقيتها فحسب وإنما أيضاً للدور الذي يضطلع به الصندوق على المستوى العالمي من ناحية التمويل ومراقبة أداء السياسات المالية المختلفة المطبّقة في الدول من حول العالم.
بماذا تخبرنا التقارير؟
في تقريره حول مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في 25 يناير 2021، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن هذا الاقتصاد انكمش في عام 2020 بنسبة -3.5٪، وأنه لن يتمكن من سد هذه الفجوات السالبة التي حدثت إلا بعد نهاية عام 2022، وذلك إذا ما استمرت سياسات الإنقاذ والتحفيز القائمة في العديد من الدول وبقيت على حالها أو تم البناء عليها، والتي هي أفضل في الدول المتقدمة منها في الدول النامية؛ ما يجعل فرص التعافي في هذه الأخيرة أكثر عسراً. ويبين التقرير بشكل عام بأن التعافي الاقتصادي ما بعد كورونا سيكون متبايناً كمّاً ونوعاً بين الدول المتقدمة والنامية نظراً لتوقيت وحجم استجابة كل دولة لآثار الجائحة، ولأرضية المؤشرات الاقتصادية التي احتضنت هذه الاستجابة.
ويلفت التقرير المذكور النظر إلى أن الطفرات التي حدثت - وتحدث - على فيروس كوفيد-19 ستؤدي إلى تباطؤ النمو في أوائل عام 2021 بالأخص إذا ما استمرت أرقام الإصابات والوفيات في الصعود؛ ما يستلزم عودة حالات الإغلاق سواء بشكل كلي أو جزئي، لكن هذا لا ينفي الآثار الإيجابية للأخبار المتداولة عن فعالية اللقاحات ضد الفيروس.
ويوصي التقرير الدول باستمرار دعم القطاع الصحي وتخصيص الأموال لشراء اللقاحات وضمان توزيعها بالتوازي مع عدم التخلي عن سياسة دعم المؤسسات الاقتصادية والأفراد من خلال ضبط السياسة المالية والإبقاء على ما أمكن من تسهيلات تضمن عدم حدوث موجات من الإفلاس، بالإضافة إلى دعواته بإعادة تأهيل العمالة التي جرى تسريحها خلال الجائحة وإعادتها تدريجياً إلى القطاعات الأكثر تضرراً بعد عملية الفتح التدريجي.
أما بالنسبة للبلدان الأكثر فقراً والأخرى التي ضربتها الجائحة وهي محمَّلة بنسب ثقيلة من المديونية، فيدعو الصندوق إلى ضرورة مساعدتها من قبل المجتمع الدولي من خلال تقديم المنح والمساعدات المالية والقروض الميسرة مع عدم استبعاد عمليات إعادة جدولة الديون.
وتَرافق إصدار التقرير المذكور مع إصدار صندوق النقد لتقريرين آخريْن هما "مستجدات الاستقرار المالي العالمي" و"مستجدات الراصد المالي" حيث أشار الأول إلى أن سياسات الدعم المالي التي انتهجتها العديد من البلدان المتقدمة والنامية عملت على تخفيف الضغوط على السيولة إلا أنها لا تضمن التخفيف من الضغوط (وإزالة المخاوف) على الملاءة المالية والقدرة على السداد بالنسبة للشرائح والقطاعات التي تضررت بشكل كبير من الجائحة. وبعبارة أخرى، سيكون من شأن استمرار فترة "السياسات التيسيرية" الذي سيفرضه تأخر التعافي من الأزمة الصحية وامتدادها الاقتصادي والاجتماعي، أن يتسبب بضعف السياسة المالية، وبالتالي خلق ارتداد سلبي على الاقتصاد الكلي.
والمطّلع على التقرير الأول (مستجدات الاستقرار المالي)، يمكنه ملاحظة التحذير المبطّن الذي يحمله عند الحديث عن انتعاش الأسواق المالية في الربع الأخير من عام 2020، بحيث إن ذلك لم يترافق مع عودة العملية الإنتاجية في مختلف المجالات إلى مستوى ما قبل الجائحة؛ ما يعني انفصال الأسواق المالية عن مجريات الاقتصاد على أرض الواقع، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى أزمة إذا ما قرر المستثمرون إجراء إعادة تقييم لتوقعات النمو المرتبطة بدرجة كبيرة بالسياسات الرسمية للتحفيز الاقتصادي، مما سيدفع إلى خطر التصحيح السعري للأصول في الأسواق، خطوة كهذه من شأنها أن تضرب الاقتصاد المحلي المعني والدولي لترَافُقِها مع المديونيات العالية للمؤسسات والأفراد.
واختُتم التقرير بالإشارة إلى أن سياسات التحفيز تواجه تناقضاً بين الاستمرار في تقديم الدعم وصولاً إلى تحقيق شكل من أشكال النمو المستدام، وبين معالجة أوجه الضعف في الواقع المالي والناجمة عن ازدياد مديونية القطاع الخاص وارتفاع المخاطر بسبب مخاوف التعثر عن السداد إلى جانب المبالغة المفرطة في تقييم العديد من الأصول المختلفة في الأسواق المالية.
وبالانتقال إلى التقرير الثاني (مستجدات الراصد المالي)، فبالإضافة إلى توكيده لأبرز ما ذُكر أعلاه، فقد جرى فيه فرز الدول إلى مجموعات، ومن المتوقع أن يقل عجز المالية العامة في ثلاثة أرباع اقتصادات الدول المتقدمة، وذلك بسبب انتهاء مُدَد الدعم الرسمي المقدَّم بالتوازي مع تشديد السياسات التحفيزية؛ حيث ستنخفض إعانات البطالة وقيمة الدعم المالي المباشر للأفراد في مقابل ارتفاع الإيرادات الضريبية، أما بالنسبة للديْن العام لهذه الدول فسيرتفع بشكل محدود في عام 2021 إلى أن يستقر على المدى المتوسط، لكن هذا لا يعني أن نسب هذا الديْن ازدادت بشكل كبير مقارنة بالحال ما قبل الجائحة.
والأمر ذاته ينطبق - بهذا القدر أو ذاك - على الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل، حيث من المفترض أن ينخفض الإنفاق الجاري المرتبط بظروف الجائحة بشكل تدريجي، وفيما يتعلق بالديْن العام يتوقع التقرير أن نِسبه ستستمر في الصعود بقيادة الصين التي سيبلغ ديْنها العام الإجمالي 69٪ من الناتج المحلي، و83٪ في الهند، و92٪ في البرازيل، وهذه كلها نسب أعلى من المعدل الطبيعي لهذه المجموعة من الدول، ما يستدعي "الحاجة إلى إطار موثوق للمالية العامة على المدى المتوسط من أجل تعزيز الثقة"، بحيث يكون هذا الإطار مرتكزاً على الإيرادات العامة والتغيرات في المالية العامة، بحسب التقرير.
أما بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، فيذكر التقرير أن هناك مخاوفَ مرتفعة متعلقة بملف الديْن العام على المدى القريب، وذلك بسبب محدودية الإيرادات التي يمكن تحصيلها، ولتعاظم الصعوبات التي تعترض الطريق للوصول إلى السوق الخارجية، وهذا الوضع يستدعي إعادة النظر في مديونية هذه الدول بالتعاون مع الأطراف المعنية بهدف اتخاذ إجراءات من قبيل التعليق المؤقت للسداد أو إعادة الجدولة أو كليهما معاً.
إن هذا الإيجاز للتوقعات المتضمَّنة في تقارير مؤسسة صندوق النقد الدولي، لا يجب الاكتفاء به في استشراف المرحلة المقبلة، بل يجب التوسع والبحث في تقارير مؤسسات دولية أخرى مثل البنك الدولي، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، إلى جانب مقررات المؤتمرات الاقتصادية مثل، دافوس، وشنغهاي، وآسيان، وغيرها، وإجراء المقارنة بين استنتاجات وتوصيات هذه التقارير للحكم على الطبيعة التي ستسير وفقها الأحداث في المدى القريب والمتوسط.
وأخيراً، فلا بد من الإشارة إلى أن التوقعات التي صدرت في هذا العام مستندة بدرجة كبيرة على تعافٍ اقتصادي ينتج عن تراجع مأمول للأزمة الصحية بعد دخول اللقاحات إلى المشهد، لكن هذا المتغير بحد ذاته من غير المؤكد حدوثه، وبالتالي سيتأثر البناء الاستشرافي الذي يقوم عليه مبدأ التوقع بالأساس، ناهيك عن أن هذه التقارير تستبعد - عادة - حدوث عمل عسكري مفاجئ في إقليم معين من العالم وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي بشكل عام.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات