زيارة الملك إلى واشنطن: خطوة أولى في سباق رفض التهجير
يمتلك الأردن تجربة سابقة في التعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال إدارته الأولى، والتي أظهرت توجهاً لديه لتصفية القضية الفلسطينية، بمعزل عن النظر في ثوابت القضية الفلسطينية ومبادئ السياسة الخارجية الأمريكية تجاهها، وبالنظر إلى الواقع المُتغير الصعب الذي يمر به قطاع غزة، والشرق الأوسط وبشكل أعم في المجتمع الدولي، فإن الموقف الأردني ينطلق من حسابات تبدو أكثر دقة هذه المرة مُقارنة بما كانت عليه في أعقاب إدارة ترامب الأولى، لا سيما أن التهديد اليوم يشمل كافة الأراضي الفلسطينية، وغير مُقتصر على قطاع غزة.
الكاتب حازم سالم الضمور
- تاريخ النشر – ١٣/٠٢/٢٠٢٥

عقد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين لقاءً مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض في واشنطن، في 11 فبراير 2024، في إطار زيارة عمل أجراها إلى الولايات المتحدة منذ 9 فبراير، التقى خلالها بمستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، بالإضافة إلى أعضاء من لجان في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين. وتأتي هذه الزيارة في سياق الجهود الدبلوماسية الأردنية لرفض موقف الرئيس الأمريكي تجاه اليوم التالي من الحرب في قطاع غزة والقضية الفلسطينية، والوقوف على مدى جدية دعواته لتهجير أهالي القطاع، وارتباط ذلك بالتنسيق الأردني-العربي تجاه مستقبل القطاع، إذ تعتبر الزيارة الأولى لزعيم عربي، وتأتي بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو معه في 4 فبراير.
الخطاب الأمريكي - الإسرائيلي بشأن التهجير
ظهرت دعوات ومخططات تهجير أهالي قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، وجاءت في الأساس من أطراف اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، باعتبار التهجير حلاً جذرياً لتحقيق الأمن في إسرائيل، وفُرصة لإعادة الاستيطان الإسرائيلي في القطاع، مع ذلك لم يُنقل ذلك الخطاب بشكل رسمي ومعتمد للمستويين السياسي أو العسكري، ولم يُحدد بشكل أكثر صراحة في الخطط الإسرائيلية لليوم التالي من الحرب، بالرغم من أن الحملة العسكرية استهدفت مباشرة المرافق الصحية والتعليمية وعملت على تدمير مقومات الحياة في قطاع غزة، كانت تُقرأ بأنها جزء من خطة لجعل الحياة في القطاع مُستحيلة وخلق جغرافية غير قابلة للعيش. مع ذلك بقي التهجير خياراً مُستبعداً حتى أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إحياءه، بل واعتماده كخطة أمريكية، كشف عنها مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير 2025 وثُم تنصيبه في 20 يناير، والتي ترتكز على نقل جزء كبير من أهالي القطاع إلى مصر والأردن وإندونيسيا وألبانيا ودول أخرى، وأكد على ذلك خلال لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 فبراير.
مع ذلك؛ يُمكن ملاحظة التغيرات المُستمرة في خطاب الرئيس دونالد ترامب تجاه دوافع التهجير، فقد جاء الطرح الأول للتهجير لأغراض إعادة الإعمار، ما فُهم منه حينذاك أنه إجراء مؤقت، لكن في لقائه مع قناة فوكس نيوز الأمريكية في 9 فبراير، ذكر أنه لن يسمح للمهجرين بالعودة، وأنه يتحدث عن بناء مكان دائم لهم خارج القطاع، ثُم انتقل الحديث لتملّك الولايات المتحدة للقطاع نظير مبلغ مالي، قبل التحول نحو فرض السلطة على قطاع غزة بموجب السلطة الأمريكية دون توضيح لشكل وشرعية تلك السلطة. يُظهر عدم الاتساق ذلك أن التهجير لدى الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية لا تزال فكرة غير ناضجة الأدوات والمعالم.
مع ذلك؛ ينطلق الرئيس الأمريكي من خطابه ذلك، بالاستناد إلى ورقة إعادة الإعمار، التي لطالما عُدت واحدة من أكثر الملفات تعقيداً في اليوم التالي من الحرب، وتحديداً تجاه عدم صلاحية القطاع لبقاء سكانه، إذ يُعاني القطاع من دمار هائل في البنى التحتية والخدمات والمساكن، حيث تُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90% من منازل القطاع قد دمرت، وأن الحرب قد خلفت أكثر من 50 مليون طن من الركام/ قد يستغرق رفعها 21 عاماً، وأن إعادة البناء للمنازل المُدمرة قد يستمر حتى 2040، فضلاً عن الانهيار الذي طال كافة الأنشطة الاقتصادية، وبحسب منظمة العمل الدولية فقد ارتفع معدل البطالة إلى 80% ويعيش ما يقرب من 100% من السكان الآن في فقر. إضافة إلى رغبة واشنطن بتفريغ القطاع من أجل القضاء على شبكة الأنفاق التابعة للفصائل وحركة حماس تحت الأرض بشكل كامل.
حساسية الموقف الأردني
يمتلك الأردن تجربة سابقة في التعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال إدارته الأولى (2016-2020)، والتي أظهرت توجهاً لديه لتصفية القضية الفلسطينية، بمعزل عن النظر في ثوابت تلك القضية ومبادئ السياسة الخارجية الأمريكية تجاهها، ومطالب ودعوات الدول العربية، لا سيما دول الجوار (الأردن ومصر). فقد طرح ترامب حينذاك خطته لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والتي أطلق عليها مُسمى " السلام من أجل الازدهار" وعُرفت إعلامياً بـ "صفقة القرن"، إذ جاء اقتراحه للخطة بعد نحو أسبوع واحد من فوزه في الانتخابات عام 2016. ولاحقاً اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017، متجاوزاً بذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) في نوفمبر 1947، والذي نص على تدويل القدس لحماية المصالح الدينية بالمدينة، ثم قام في مايو 2018 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثم قرر بعدها في أغسطس وقف المساعدات الاقتصادية المخصصة للضفة الغربية وقطاع غزّة والتي تقدر بأكثر من 200 مليون دولار ونقلها إلى أماكن أخرى، ثم في سبتمبر 2018 أعلنت إدارته إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وفي مارس 2019 اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المُحتلة منذ 1967، وفي العام نفسه؛ دعم ترامب خطة إسرائيلية لضم منطقة غور الأردن، ما دفع جلالة الملك للتحذير خلاله مقابلة مع صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية، من "صدام كبير" إذا ما ضمت إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية.
في الواقع؛ لم تنجح "صفقة القرن"، وكذلك خطط إسرائيل لضم غور الأردن، وكان للملك والدبلوماسية الأردنية دور في الحيلولة دون تحقيق أي منهما، لا سيما من خلال العمل مُتعدد الأطراف مع الدول العربية والإسلامية والدول الأوروبية، وبعد أحداث السابع من أكتوبر والحرب في غزة حذّر الأردن من محاولات إسرائيل استغلال العمليات العسكرية والدعم الأمريكي لتغيير الوقائع على الأرض، وقد اعتبر التهجير من الضفة الغربية بمثابة "إعلان حرب"، وقد سبق كل ذلك؛ بأن نظم في 11 يونيو 2024 مؤتمرًا دوليًّا وأُمميًّا للاستجابة الإنسانية في قطاع غزّة، وبمشاركة مصر والأمم المتحدة، وبحضور ممثلي 75 دولة إلى جانب منظمات إنسانية وإغاثية دولية، وبحسب الحاضرين فإن مخرجات ذلك المؤتمر تُشكل البنية الأساسية في التخطيط المستقبلي لإعادة إعمار القطاع.
مع ذلك؛ يبدو المشهد الراهن أكثر تعقيداً، فمن الناحية العملية لا يبدو أن الرئيس الأمريكي أو إسرائيل لديهم خطة واضحة لعملية التهجير، إلا أن النظر لجدية هذه الدعوات تنطلق من تعقيدات الواقع في قطاع غزة والشرق الأوسط والمجتمع الدولي.
فمن جهة يدخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة لإعادة ترتيب القوى والتوازنات فيه، خاصة في ظل تداعيات الحرب في قطاع غزة، والتحولات في سوريا والتي سيكون لاحتمالية الفوضى فيها نتائج كارثية على المنطقة، وكذلك الاستقطاب بين دول المنطقة حول الموقف من إعادة الإعمار. أما دولياً؛ فقد شكل الموقف الصيني والروسي انكفاءً عن التدخل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بما لا يتجاوز المواقف الداعية لوقف الحرب، بينما تنشغل الدول الأوروبية في الحرب الروسية-الأوكرانية، والمخاوف لديها من الضغوط الأمريكية عليها بشأن قبول تسوية للحرب في أوكرانيا قد لا تأخذ بعين الاعتبار حسابات الدول الأوروبية، مع ذلك فإن الكتلة الأطلسية تبدو مُتضررة هي الأخرى من توجهات الرئيس ترامب على المستوى الجغرافي، خاصة بعد دعواته ضم كندا وجرينلاند التابعة للدنمارك إلى الأراضي الأمريكية، وهذا يعني أن رفضها لدعوات التهجير في قطاع غزة بموجب السلطة الأمريكية كما ذكر ترامب، جزء لا يتجزأ من رفضها ضم كندا وجرينلاند، بالإضافة إلى رغبة أوروبا في لعب دور أمني ولوجستي في قطاع غزة مستقبلاً.
قراءة في تصريحات جلالة الملك
بالنظر إلى الواقع المُتغير والصعب الذي يمر به قطاع غزة والشرق الأوسط، وبشكل أعم في المجتمع الدولي، فإن الموقف الأردني ينطلق من حسابات تبدو أكثر دقة وتعقيداً وتشابكاً هذه المرة مُقارنة بما كانت عليه في أعقاب إدارة ترامب الأولى، لا سيما أن التهديد اليوم يشمل كافة الأراضي الفلسطينية، وغير مُقتصر على قطاع غزة، في ظل وجود خطة إسرائيلية تسعى لضم المستوطنات في المناطق المصنفة (ج) إلى سيادتها، وتُجري فيها عملية عسكرية واسعة منذ 21 يناير 2025، والتي أجبرت حوالي 20 ألف فلسطيني على مغادرة منازلهم، وتشير التقديرات أن حوالي 90% من سكان مخيم جنين قد غادروه.
من جهة أخرى؛ تتطلب الظروف الراهنة عملاً مُتعدد الأطراف لا سيما من قبل الدول العربية والإسلامية لمساندة الموقف الأردني، وقد جاءت زيارة جلالة الملك إلى واشنطن لاستكشاف موقف ترامب عن كثب، والوقوف على جدية دعواته للتهجير، خاصة أنها جاءت بعد أيام من زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وفي حين أن ترامب كان من المفترض أن يُناقش ملفات أوسع كما جرت العادة في لقاءات الملك مع الرؤساء الأمريكيين، خاصة الملف السوري الذي يلعب فيه الأردن دوراً محورياً، إلا أن المؤتمر الصحفي كشف عن محورية اليوم التالي في قطاع غزة في حديث القائدين.
في غضون ذلك؛ جاءت ردود جلالة الملك وأقواله دبلوماسية؛ منعاً للصدام في غير وقته، بالنظر إلى الحالة العامة للشرق الأوسط، وضرورة العمل العربي المشترك، ولتجنب تعرض الأردن لضغوط اقتصادية أو سياسية مُماثلة لما تعرضت له أثناء طرح صفقة القرن، لا سيما أن أولى الأوامر التنفيذية للرئيس ترامب كانت التعليق المؤقت للمساعدات الخارجية الأمريكية لكافة الدول باستثناء إسرائيل ومصر.
ولذلك حملت تصريحات جلالة الملك وتعليقاته مضامين عدة على النحو التالي:
أولاً: خطاب موجه للمؤسسات الأمريكية
حافظ جلالة الملك أثناء حديثه مع الرئيس ترامب على الخطاب الدبلوماسي تجاه الولايات المتحدة، وهذا الخطاب جاء موجهاً إلى المؤسسات الأمريكية، التي لديها علاقات راسخة مع الأردن، وبما يُجنب القضية الفلسطينية والموقف الأردني خطاب الرئيس ترامب الارتجالي، ولذلك أكد جلالة الملك على الدور المحوري للولايات المتحدة في المنطقة، وأعاد التأكيد عليه في تغريده نشرها بعد انتهاء اللقاء.
ثانياً: خروج لحالات إنسانية استثنائية
ذكر جلالة الملك أن الأردن جاهز لاستقبال حوالي 2000 طفل من قطاع غزة ممن يُعانون من أمراض مُزمنة، وهي رسالة واضحة أن الأردن مستعد لاستقبال فئات محددة من أهالي القطاع وفق حالات مُعينة وسببية، وهذا الاستقبال ظرفي وطارئ، بالنظر إلى افتقار غزة لقطاع صحي قادر على مُعالجة هؤلاء، وينتهي بمجرد إعادة إعمار غزة وتأهيل القطاع الطبي فيها.
ثالثاً: تقديم خطة عربية بديلة
تجنب جلالة الملك الخوض في ردود جدلية تجاه أفكار ترامب التي لم تنقل إلى الجانب العملي والموضوعي، بأن فضّل تقديم بديل عملي بالإشارة إلى "خطة بديلة" سوف تقدمها مصر، إذ أعلنت وزارة الخارجية المصرية بعد اللقاء أن مصر تعتزم تقديم تصور متكامل لإعادة إعمار غزة، كما أكد جلالة الملك والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اتصال هاتفي في 12 فبراير 2025، على "وحدة الموقفين المصري والأردني" لا سيما تجاه بدء عملية إعادة الإعمار، وبذلك تقدم الدولتين حلاً يُنهي الحُجج التي يستند إليها خطاب ترامب بعدم أهلية القطاع للسكن، وأن الرد العربي على خطة ترامب سيكون بخطة موازية لإعادة الأعمار وبما يراعي الشؤون الإنسانية، وبقاء المواطنين الفلسطينيين في غزة.
رابعاً: التأكيد على العمل متعدد الأطراف
سعى جلالة الملك خلال اللقاء مع الرئيس ترامب إلى عدم الحديث باعتبارات أردنية مُنفردة فحسب، بالنظر لخطورة القضية المطروحة وتداعياتها على المنطقة، بقدر ما أكد على العمل العربي المشترك، ولذلك ذكر جلالته أنّ "العرب سيأتون إلى أمريكا برد على خطة ترامب بشأن غزة"، وهو ما يتوقع أن يصدر من قبل خطة تعمل عليها مصر، والتي يحتمل أن تلقى إجماعاً عربياً في القمة العربية الطارئة التي ستعقد في 27 فبراير الجاري في القاهر، فيما تم تأجيل القمة العربية الدورية التي كان مقرراً أن تعقد في بغداد.
خامساً: مصلحة الفلسطينيين والعرب بعين الاعتبار
أكد جلالته على ضرورة ملائمة الخطط لجميع الأطراف، بالقول: "يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن هناك خطة من مصر والدول العربية. لقد دعانا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإجراء مناقشات في الرياض. الهدف هو كيفية جعل هذا الجهد ناجحا بطريقة تصب في مصلحة الجميع. من الواضح أن علينا أن ننظر في مصلحة الولايات المتحدة، وشعوب المنطقة، وخاصة شعبي الأردني"، ما يعني أن الحلول يجب أن تُناسب الجميع بمن فيهم أهالي قطاع غزة والأردن ومصر وباقي الدول العربية، وليس بما يخدم مصالح وأطماع اليمين المتطرف في إسرائيل، أو الأفكار الآنية للرئيس دونالد ترامب.
سادساً: المصلحة الأردنية أولاً
في الرد على سؤال حول ما إذا كان الأردن سيوفر قطعة أرض يمكن أن يعيش فيها الفلسطينيون، قال جلالة الملك: "علي أن أعمل ما فيه مصلحة بلدي"، وفي الواقع لدى الأردن تجربة طويلة في إقامة لاجئين على أراضيه، والتي كان آخرها مخيم الزعتري للاجئين السوريين الذي أقيم على قطعة أرض فوق حوض عمان الزرقاء المائي، لكن مع ذلك هناك إدراك لتداعيات ذلك وما يترتب عنه، لا سيما على مُستوى البنى التحتية والخدمات والموارد، إلى جانب مخاوف تكرار سيناريو التهجير في الضفة الغربية الذي يعني محاولة تمرير أهداف التوطين وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
سابعاً: عدم التنازل عن الثوابت الأردنية
أكد جلالته على رفض المملكة الأردنية لمحاولات حل القضية الفلسطينية من خلال تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه؛ إذ أضاف في منشور على منصة "إكس" عقب اللقاء: "أعدت التأكيد على موقف الأردن الثابت ضد التهجير للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وهذا هو الموقف العربي الموحد"، وأضاف أنّ "السلام العادل على أساس حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهذا يتطلب الدور القيادي للولايات المتحدة"، في إشارة منه إلى أنّ "حل الدولتين" هو الطرح المقبول عربيًا.
ثامناً: البحث عن السلام العادل والمستدام
أكد جلالة الملك على "وجود سبيل لإحلال السلام والرخاء في المنطقة"، وذلك عملياً لن يتحقق دون التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، ويدحض فكرة التهجير التي سيترتب عنها تداعيات وارتدادات ستمتد على اتساع الشرق الأوسط، وقد أشار جلالة الملك أن "أولوية الجميع إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، والتعامل مع الوضع الإنساني الصعب في القطاع" ولا يبدو أن هُناك سبيل آخر لتحقيق سلام فعلي.
البدائل الأردنية لمواجهة التهجير
لا يبدو أن مخططات التهجير التي يتم تداولها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية قابلة للانتقال إلى خطة عملية بإطار زمني مُحدد، وجاءت الردود والتعقيبات الملكية مدركة لهذه الحقائق، وحافظت على توازن يمنع وضع خطاب التهجير في الوقت الراهن بمرتبة موضوعية، وهو ما يمكن اعتباره خطوة أولى من خطوات عربية وإسلامية مُشتركة ستعمل على تقديم بديل أكثر موضوعية وقابلية للتطبيق، يستند على إعادة إعمار قطاع غزة، وتحقيق السلام الذي ينسجم مع تطلعات الجميع.
وقد جاءت نتائج الزيارة بشكل سريع في تغير اللهجة الأمريكية تجاه التهجير، فأولاً وجه ترامب رسالة إلى الشعب الأردني، يمتدح فيها جلالة الملك والأردنيين، وأوضحت لاحقاً المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أن واشنطن تنتظر المقترح العربي للسلام، وأن ترامب ملتزم برؤية السلام في الشرق الأوسط.
وفي الواقع؛ يعتبر الموقف الأردني الحالي خطوة في سياق مستمر من العمل لرفض التهجير، ويُمكن هُنا اقتراح مجموعة من البدائل على النحو التالي:
1- تدعيم وترسيخ الموقف العربي الشامل، الذي يرفض عمليات التهجير، والعمل على منع الانقسامات العربية حول القضايا الأخرى من التأثير على الموقف الموحد ضد التهجير والداعم لعملية إعادة الإعمار.
2- مراجعة اتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل، قانونياً ودولياً وإدراج البنود التي يمكن من خلالها تقديم دليل أنها ضد عملية التهجير.
3- التوضيح الحقيقي وبلغة الأرقام والتوقعات لحالة عدم الاستقرار في المنطقة، وزيادة حالات عدم اليقين وخصوصاً تجاه إسرائيل.
4- إن التهجير القسري قد يؤدي إلى مفاقمة صراعات ونزاعات جديدة في المنطقة، وقد تخلق أزمات غير مُتوقعة.

حازم سالم الضمور
مدير عام المعهد/ باحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية