رؤية جديدة للسلام: دعوة لتحوّل استراتيجي في قمة الدوحة

نحن العرب قادرون اليوم على جعل أزمة الاعتداء على قطر الشقيقة فرصة مهمة ونقطة تغيير إيجابية لفهم صيرورة التاريخ ومستقبل المنطقة، ولتجاوز وعي القرن التاسع عشر إلى القرن الواحد والعشرين، ولنصبح منطقيين أكثر وقادرين على أن نتشارك مع العالم نجاحاتنا بدلا من أن نبقى مجرد ساحة لتنافس القوى العالمية وصراعاتها.

الكاتب حسن إسميك
  • تاريخ النشر – ١٤‏/٠٩‏/٢٠٢٥

تنعقد قمة الدوحة لزعماء العالم الإسلامي في لحظة دقيقة وحاسمة، حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة وتتسارع وتيرة التوترات الإقليمية، لا سيما بعد الضربة الإسرائيلية المباشرة التي استهدفت الدوحة. وإذا اقتصرت مخرجات القمة على بيانات الشجب والاستنكار، فإنها لن تمثل سوى تكرار لمواقف تقليدية عجزت عن تحقيق أي تأثير حقيقي، لا لصالح قطر التي تعرضت لعدوان مباشر، ولا لفلسطين التي ما زال شعبها يدفع ثمن الصراع.

من هنا، تنبع الأهمية الجوهرية لهذه القمة في أن تتحوّل إلى فرصة استراتيجية لاعتماد مقاربة جديدة تتجاوز ردود الفعل الاعتيادية، وتنسجم مع تعقيدات الواقع الراهن وتحديات العصر. لقد حان الوقت للانتقال من الجمود إلى الفعل، ومن الانتظار إلى المبادرة، بما يفتح آفاقاً حقيقية للسلام والكرامة في هذه المنطقة المثقلة بالجراح.

ولتحقيق هذا التحول النوعي، لا بدّ من تبني مبادئ جديدة تنطلق من روح التضامن والتكافل العربي والإسلامي، وتستند إلى رؤية واقعية تسعى لتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية. ويمكن اقتراح عدد من المحاور التي تُشكّل خارطة طريق عملية للقمة:

بدايةً وقبل كل شيء، يجب على القمة أن تُصدر إدانة واضحة وصريحة للعدوان الإسرائيلي على قطر، مع تقديم واجب العزاء الرسمي لأمير البلاد وحكومتها وشعبها. هذا الموقف الموحد يشكّل رسالة تضامن إسلامية قوية تُعبّر عن وحدة الصف ورفض المساس بأي دولة شقيقة.

المحور الأول: التفاوض المباشر بشأن مستقبل المنطقة

ينبغي لقادة العالم الإسلامي اعتماد مسار تفاوضي مباشر وشفاف مع إسرائيل، سواء تحت مظلة جامعة الدول العربية أو عبر مجموعة من الدول الإسلامية ذات التأثير. يهدف هذا الحوار إلى وضع مستقبل الشعب الفلسطيني، في غزة والضفة الغربية، على رأس الأولويات، وكذلك مساءلة إسرائيل عن رؤيتها لمستقبلها الإقليمي. هذا المسار يمكن أن يبدّد الجمود السياسي، ويؤسس لحلول قابلة للتطبيق، تُخرج القضية الفلسطينية من دائرة الشعارات إلى دائرة الفعل. هذه الخطوة لا تعني استسلاماً، بل تمثل مبادرة شجاعة نحو تحقيق الأمن والكرامة للفلسطينيين.

المحور الثاني: إطلاق حوار ديني موسّع وعميق

من الضروري تدشين حوار شامل بين الأديان، يضم قيادات إسلامية ويهودية ومسيحية، يعالج الجذور العقائدية للنزاع، ويفكك التوظيف السياسي للدين في تغذية الصراعات. رغم الاستخدام الديني للنزاع، فإن النصوص السماوية تتقاطع في أكثر من 80% من معانيها، ويمكن الاستناد إليها لبناء أرضية مشتركة للتفاهم والتعايش. هذا الحوار قد يشكّل خطوة محورية نحو إرساء سلام مجتمعي وثقافي يسبق التسويات السياسية.

المحور الثالث: فصل الدين عن السياسة والحكم

من الضروري أن تتضمن مخرجات القمة دعوة جلية إلى تحييد الدين عن دوائر الحكم والسياسة. لقد أصبح الدين في كثير من السياقات أداة للاستغلال السياسي، مما عرضه للنقد والاستهداف الدولي. الغرب يهاجم "الإسلام السياسي"، بينما ترى فيه الصين وروسيا تهديداً أمنياً. ولذلك، فإن تعزيز صورة الإسلام وحمايته يقتضيان فصله عن النزاعات السياسية، بما يصون رسالته الأخلاقية ويجنّب المسلمين ويلات الصراع.

المحور الرابع: إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية

السلام المستدام يتطلب معالجة الأبعاد الاقتصادية للنزاع. لا بد من إطلاق خطة شاملة لإعادة إعمار غزة، تتضمن إنشاء صندوق استثماري إسلامي-دولي، يموّل مشاريع البنية التحتية، ويدعم سوق العمل، ويعزز القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والزراعة. تمكين الفلسطينيين اقتصادياً هو السبيل الأجدى لبناء مجتمع قادر على الصمود.

المحور الخامس: خروج حماس ودور الجزائر

يُقترح أن تتضمّن مخرجات القمة دعوة صريحة لحركة حماس للخروج الكامل من قطاع غزة، مع الإشادة بمبادرة الجزائر واستعدادها لاستضافة الحركة. هذا الخروج، بضمانات دولية ورعاية دولة عربية شقيقة، يُعد خطوة ضرورية لفكّ حالة الجمود التي تُفاقم معاناة سكان غزة، وتمنع أي تقدم نحو استقرار فعلي. إن إنهاء المواجهة يتيح فرصة جديدة لبناء مستقبل أكثر أمناً وعدلاً.

عواقب الاستمرار في الجمود: خطر وجودي

رفض هذا المسار سيُكرّس الاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى القضاء على حماس بالقوة، ما سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، ويمهّد الطريق لتوسّع النزاع إلى مناطق أخرى. والضربة التي تعرّضت لها قطر تؤكد أن إسرائيل لم تعد ترى أي خطوط حمراء. في الوقت ذاته، تستغل إسرائيل الانشغال الإقليمي لمواصلة مصادرة الأراضي في الضفة الغربية، وربما تجاوز خطوط 1967، مما يهدد الوجود الفلسطيني برمّته.

زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى تل أبيب قبل القمة، تحمل رسالة أمريكية واضحة مفادها استمرار دعم إسرائيل. ولهذا، ينبغي على زعماء العالم الإسلامي أن يتصرفوا بواقعية، ويتجاوزوا خطابات العقود الماضية التي لم تُثمر. وحده النهج الاستباقي قادر على رسم مسار جديد للسلام، وحماية كرامة الفلسطينيين، وإعادة تشكيل مستقبل المنطقة بعيداً عن دوامة العنف والهدر المتواصل للدماء والموارد.

أخيراً، نحن العرب قادرون اليوم على جعل أزمة الاعتداء على قطر الشقيقة فرصة مهمة ونقطة تغيير إيجابية لفهم صيرورة التاريخ ومستقبل المنطقة، ولتجاوز وعي القرن التاسع عشر إلى القرن الواحد والعشرين، ولنصبح منطقيين أكثر وقادرين على أن نتشارك مع العالم نجاحاتنا بدلا من أن نبقى مجرد ساحة لتنافس القوى العالمية وصراعاتها.

حسن إسميك

رئيس مجلس أمناء STRATEGIECS