خارطة الإرهاب العالمي 2021

دأب معهد الاقتصاد والسلام في سيدني (IEP)، في إصداره السنوي للسنة التاسعة على التوالي، تقديم التقرير الخاص الذي يرصد فيه قراءة مُكثفة لتطورات ظاهرة الإرهاب العالمي، وذلك اعتمادا على نتائج مُؤشّر الإرهاب العالمي (GTI) للعام 2022. تُقدّم هذه الورقة رصدًا لأبرز الاتجاهات العالمية والإقليمية للتهديدات الإرهابية وتصاعدها من خلال تحليل آثار وتداعيات حالة الإرهاب حول العالم، حسب ما جاء به التقرير.

الكاتب د. سعود الَشَرفات
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٢٩‏/٠٣‏/٢٠٢٢

مُقدمة

يرصد هذا التقرير الخاص تطورات حالة الإرهاب في مختلف دول ومناطق العالم، ويتتبّع في قراءة مُكثّفة تحليلًا لانتشار هذه الظاهرة العالمية، اعتمادًا على نتائج مؤشر الإرهاب العالمي 2022 (GTI)، Global Terrorism Index الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP) في سيدني، والذي نشر للسنة التاسعة على التوالي في مارس 2022.

وأظهرت النتائج في هذا السياق، اتجاهاً فرعياً لافتًا للانتباه يتمثّل في انخفاض الوفيات المرتبطة بالإرهاب على مستوى العالم إلى 7142 حالة وفاة في عام 2021، بانخفاض بنسبة 1.1% عن عام 2020، وذلك بسبب انخفاض خطورة العمليات الإرهابية من 1.6 حالة وفاة لكل عملية إلى 1.4، ومن بين 163 دولة شملها “مؤشر الإرهاب العالمي”، تم رصد 105 دول لم تُسجّل أية وفيات أو عمليات إرهابية في عام 2021.

ومن ناحية أخرى، شهد العام 2021 زيادة في العمليات الإرهابية بنسبة 17%، لتصل إلى ما يُقارب 5226 عملية. وقد ترجع أسباب ذلك في الغالب إلى فورة العمليات الإرهابية جنوب آسيا –خاصة ميانمار- وأفريقيا الساحل وجنوب الصحراء الكبرى، وهو تحول كبير عن الصراع في العراق سوريا.

وكما جاءت أفغانستان، العراق، الصومال، بوركينافاسو، سوريا، نيجيريا، مالي، النيجر، ميانمار، وباكستان، على الترتيب على قائمة الدول العشر الأولى الأكثر تأثراً بظاهرة الإرهاب العالمي.

وفي سياق مُتّصل، أظهرت البيانات خلو أربع دول عربية فقط من الإرهاب في عام 2021  وهي: الإمارات، قطر، عُمان، والكويت، وجميعها من دول الخليج العربي. فيما جاء ترتيب بقية الدول العربية على مؤشر الإرهاب العالمي على النحو التالي:

‎⁨استراتيجيكس-جدول-جديد-01⁩.jpg

وكذلك؛ لوحظ بأن روسيا جاءت بالترتيب الرابع والأربعين، وأوكرانيا بالمرتبة الثانية والستين، فيما جاءت الولايات المتحدة بالمرتبة الثامنة والعشرين. إلا أن هذا المؤشر من المرجّح أن يتأثر بالأزمة الأوكرانية، ما قد تختلف تقديراته على خارطة الإرهاب العالمي حتى نهاية العام الحالي.

ومن جانب أخر، واصلت الحوادث المرتبطة بالإرهاب في الغرب نمطاً يميل نحو الانخفاض منذ عام 2018 بانخفاض قدره 68%. والمرتبط بجائحة كوفيد-19، والقيود المستمرة فيما يتعلق بالسفر والتجمعات.  فعلى الرغم من التوقعات الأولية بأن الجائحة ستؤدي إلى تفاقم تأثير الإرهاب في مناطق معينة، يبدو أنها لم يكن لها تأثير يذكر على الإرهاب في عامي 2020 و 2021.

وتؤكد أيضاً مؤشرات الإرهاب في بيانتها بأن الصراع المسلح هو المحرك الرئيسي للإرهاب، حيث كانت الدول العشرة الأكثر تأثراً بالإرهاب في عام 2021 متورطة في نزاع مسلح من العام الذي سبقه. ومنها أربعة دول وهي: أفغانستان ونيجيريا والصومال وسوريا، شهدت صراعات أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص في السنة. ويظهر هنا أنّ العلاقة بين الصراع المسلح والإرهاب تحمل دلالات ترتبط بحدّة تزايد الصراع كلما تزايد العنف ضد كل من الشرطة والجيش، وكذلك العنف ضد المدنيين الذي ينظر إليه على أنه مرتبط بالعدو. وفي مؤشرات ارتفاع حدة العنف العام الماضي، ارتبط ذلك أيضا في وجود تجمعات أكبر للأسلحة، وانعدام سيطرة الدولة على حدودها الجغرافية. وتشير البيانات أيضًا أنّه ومنذ عام 2007، وقعت حوالي 92% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب في المناطق التي تشهد صراعات. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، وقعت كذلك 95% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب في البلدان المتأثرة بالنزاعات، وقد ارتفعت إلى 97.6 % في عام 2021.

الاتجاهات المتصلة بالإرهاب.  Trends related to terrorism

شهد العام 2021 عدداً من الاتجاهات الجديدة التي تكشف الأوجه المتعددة لظاهرة الإرهاب العالمي إلى جانب الكثير من التفاصيل الدقيقة في مؤشرات الإرهاب، ولتجنب الخوض في هذه التفاصيل؛ تمّ تسليط الضوء على الاتجاهات العامة للظاهرة باعتبارها مرشداً للخبراء ومراكز البحث والدراسات، وصناع القرار، وفيما يلي عرضاً لأبرز هذه الاتجاهات مرتبة حسب أهميتها وتعبيرها في تطور هذه الظاهرة:  

  • انتقال ساحة العمليات الإرهابية إلى أفريقيا الساحل والصحراء.
  • انخفاض عدد العمليات الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
  • عودة طالبان لحكم أفغانستان.
  • زيادة انتشار الإرهاب السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية.

انتقال ساحة عمليات الإرهاب إلى أفريقيا الساحل والصحراء  

يُمكن القول إنه ومع هزيمة داعش في العراق وانحسار الصراع في سوريا، حوّل تنظيم داعش والجماعات التابعة ‏له عملياته إلى أفريقيا منطقة جنوب الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل على وجه الخصوص.‏ وعليه، مثلت الوفيات في منطقة الساحل 35% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب العالمي في عام 2021، مقارنة بنسبة 1% فقط في عام 2007، حيث تشير البيانات إلى أنّ أكثر عشرة دول تأثراً بالإرهاب، تقع من بينها خمسة في أفريقيا وهي: الصومال، بوركينافاسو، نيجيريا، مالي، النيجر، فيما جاءت الكاميرون في المرتبة 11، وكلها –باستثناء الصومال - تقع في منطقة الساحل.

‏وتؤكد القوات الكاميرونية والنيجيرية والتشادية التي تُكافح الإرهاب في حوض بحيرة تشاد، والهجمات المتصلة بها على المواقع العسكرية، بأنّها تزايدت بشكل لافت منذ إعلان وفاة زعيم بوكو حرام أبو بكر شيكاو. وقال مسؤولون عسكريون من الدول الثلاث إنّ تنظيم داعش ‏يُغير تماماً تكتيكات الإرهاب في محاولات لكسب تعاطف المدنيين في حوض بحيرة تشاد، ويبرز كجماعة إرهابية تتولى قيادة بوكو حرام، التي أضعفها مقتل زعيمها شيكاو.  

in-3.jpgهجوم-إرهابي-في-نيجيريا.jpg

 وفي النيجر أيضاً، أعلن التنظيم مسؤوليته عن 23 هجوماً أسفر عن مقتل ما نسبته 15.2 شخصا في المتوسط في كل هجوم. وتعد الزيادة في النشاطات الإرهابية في النيجر جزءاً من زيادة أكبر في جميع أنحاء منطقة الساحل، مع طفرات مماثلة شوهدت في مالي وبوركينا فاسو خلال السنوات القليلة الماضية.

ويذكر أيضاً أنّ القوات المسلحة في بوركينا فاسو، وفي معرض حربها ضد الهجمات الإرهابية قد أعلنت ‏أن العمليات المشتركة مع الجيش النيجري قتلت ما لا يقل عن ‏‏100 متمرد متطرف خلال عام 2021، وألقت القبض أيضاً على 20 مشتبها به، وصادرت منهم معدات هامة أواخر عام 2021. في حين، أنّ عمليات الجيش ضد المتمردين المتطرفين جاءت وسط الاحتجاجات المناهضة للحكومة في بوركينا فاسو التي تظاهرت فيها الحشود بسبب ‏عجز الحكومة عن وقف هجمات الجماعات المتحالفة مع تنظيم القاعدة، وجماعة داعش ‏في جميع أنحاء الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، حيث أدى ‏تصاعد الهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو 2021، إلى مقتل الآلاف وتشريد أكثر من مليون ‏شخص. إضافة إلى أعمال عنف ضد قوات الأمن في البلاد تسبّبت في قتل أكثر من 50 فرداً من رجال الدرك في منطقة الساحل.

وأما في الكونغو الديمقراطية وأوغندا‎،‎ فقد ذكرت وسائل إعلام محلية في ديسمبر2021‏ أن ما أطلق عليهم "مسلحين إسلاميين" ينتمون ‏إلى "قوات الحلفاء الديمقراطية" (‎the Allied Democratic Forces‏) وهي قوات ‏مرتبطة بتنظيم داعش، قد قاموا بقتل 16 شخصا في بلدتين ريفيتين في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية، إلى جانب قتل مئات المدنيين في شرق الكونغو منذ عام 2019 في اتهامات وجّهت لها، بالإضافة إلى ‏سلسلة من التفجيرات الأخيرة التي تمّ تنفيذها في أوغندا.

وعلى صعيد مُتّصل، في غرب أفريقيا تعرضت جمهورية توغو في نوفمبر 2021، ‏لأول هجوم إرهابي من قبل جماعة تابعة لتنظيم القاعدة على ‏أراضيها. ووفقاً لبيان قوات الأمن في البلاد، وقع الهجوم في كبيندجال، في بلدة سانلواغا، على طول ‏الحدود الشمالية لتوغو مع بوركينا فاسو. وقد تم صد الهجوم، الذي بدأ من جانب بوركينا فاسو ‏من الحدود، دون وقوع خسائر في الأرواح من الجانبين. وتعهدت على إثرها السلطات التوغولية بمواصلة وضع استراتيجية لمنع الهجمات الإرهابية، وكذلك الاستثمار في مشاريع إنمائية في ‏المنطقة الحدودية، مما سيقلل من تجنيد الأفراد.

ومما يجدر ذكره، وفي ظل تصاعد ظاهرة الإرهاب فإنّ منطقة الساحل أصبحت أكثر عنفاً على نحو متزايد خلال السنوات الـ 15 الماضية، كما أنّ معظم العمليات الإرهابية تقع في المناطق الحدودية حيث تكون الأنشطة الحكومية هناك في حدها الأدنى. هذا إلى جانب ارتفاع الوفيات بأكثر من %1000 بين عامي 2007 و2021. ما يُشير إلى ارتباط إيجابي قوي بين النشاط الإجرامي والإرهاب في منطقة الساحل.

ومن ناحية أخرى، لا تظهر هناك أي علامات على تراجع ظاهرة الإرهاب في المنطقة، بل إنّ مؤشّراتها في ازدياد، وفيما يبدو، فالدوافع الأساسية لهذه الزيادة معقدة ومنهجية، بما في ذلك سوء استخدام المياه، ونقص الغذاء، وسوء التغذية، والنمو السكاني القوي، والحكومات الضعيفة، المترافق مع إهمال المجتمع الدولي لمشاكل المنطقة بشكلٍ عام.

انخفاض عدد وفيات الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

انخفضت أعداد "الوفيات" الناتجة عن الإرهاب في المنطقة بنسبة 39% خلال السنوات الثلاث الماضية. لكن العدد الكلي "للعمليات" الإرهابية لم ينخفض بنفس النسبة خاصة في العراق وسوريا.

ومن المؤكد بأن تنظيم داعش لم يعد بنفس قوته التي كانت عام 2014، إلا أنّه لا يزال يشن بعض ‏العمليات الإرهابية الخاطفة بين الحين والآخر، خاصة في العراق الذي جاء في المرتبة الثانية على مؤشر الإرهاب العالمي. هذا وبعد سنوات عديدة من التحسن، سجل العراق عدداً من الوفيات في عام 2021 أكثر من العام الذي سبقه، بزيادة قدرها 15% إلى 524 حالة وفاة بسبب الإرهاب. حيث زادت الهجمات بمقدار الثلث، مدفوعة بزيادة نشاط تنظيم داعش.

 ووسط هذه الأجواء السياسية غير المريحة للعراق؛ أعلن البنتاغون في ديسمبر 2021، "أن الجيش الأمريكي أنهى مهمته القتالية في العراق، وانتقل بدلاً من ذلك إلى دور تدريبي واستشاري فقط “. وبموجب شروط اتفاق يوليو 2021، أنهت الولايات المتحدة المهمة ضد تنظيم داعش، إلا أنّه لا يزال حوالي 2500 جندي أمريكي في العراق. في مهمات تتعلّق في تقديم النصح والمساعدة لقوات الأمن العراقية، وهو ترتيب تمّ الانتهاء منه بعد اختتام المحادثات الفنية بين واشنطن وبغداد التي جرت في ديسمبر 2021.

ومن جانب أخر، وفي سوريا لا تبدو أنّ الأوضاع تختلف عن الوضع في العراق، إلا بالتفاصيل الدقيقة، لا سيما أنّ عمليات داعش برزت في مناطق البادية السورية الحدودية مع العراق والأردن، ومنطقة مثلث التنف. ولذلك بقيت سوريا تحتل المرتبة الخامسة على مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2021م.

وعلى العكس من تنظيم داعش؛ يُلاحظ أنّ “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، تحاول بشتّى السبل الممكنة تلميع صورتها واستلهام تجربة طالبان أفغانستان بالظهور كتنظيم سياسي مدني يسعى إلى المشاركة السياسية وخدمة المجتمع المحلي، وقد برز ذلك من خلال تكرار ظهور أبو محمد الجولاني ونشاطاته، في زيادة حضوره الإعلامي، والمشاركة في الفعاليات المدنية، وزيارة وجهاء العشائر والمرضى، وتعزيز تواجده في نشاطات "حكومة الإنقاذ"، والتي تُعدّ مجرد واجهة مدنية لهيئة تحرير الشام.

عودة طالبان لحكم أفغانستان

تُشير بيانات الأرقام الظاهرة وعلى الرغم، من تحسن وضع أفغانستان على "مؤشر السلم العالمي“، لعام 2022 بمقدار 6 درجات؛ إلا أنّها جاءت بالمرتبة 153 على مستوى العالم من أصل 163 دولة، حيث بقيت أفغانستان هي البلد الأكثر تأثراً بالإرهاب للسنة الثالثة على التوالي للعام2021 تلتها العراق والصومال. وتُظهر الأرقام أن نسبة الوفيات قد زادت بسبب الإرهاب بنسبة 14% بـ 1426 حالة وفاة. ويذكر أن زيادتها كانت بسبب تصاعد العمليات الإرهابية، وكان الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في أفغانستان منذ عام 2007 قد وقع في أغسطس 2021؛ أثناء انسحاب  القوات الأمريكية من البلاد، عندما فجر انتحاري من تنظيم خراسان (داعش) تفجيرين انتحاريين في مطار كابول الدولي، ما أسفر عن مقتل 170 شخصاً، وإصابة أكثر من 200 آخرين.

لقد أكملت القوات الأمريكية والدولية في أغسطس 2021، انسحاباً متسرعاً من أفغانستان، ما عجّل من سيطرة طالبان على البلاد، وأثار شبح تحولها مرة أخرى إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية والمتطرفة المماثلة.

ومن حيث المبدأ؛ فقد أشار العديد من الخبراء بعدم رغبة طالبان بتحويل أفغانستان إلى ملاذ ‏‏آمن للتنظيمات الجهادية كما كان الحال سابقاً. على سبيل المثال؛ استبعد دانيال بايمان، الخبير الأمريكي في ‏‏شؤون الشرق الأوسط والإرهاب في مقال نشره في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، أن تعود ‏‏أفغانستان ملاذاً للتنظيمات الجهادية العالمية. وذلك لأسباب عديدة أهمها: أن تنظيم القاعدة فقد الكثير من ‏‏قوته السابقة، وتنظيم “داعش” عدو لطالبان. وعلاوة على ذلك فإن طالبان ‏‏تعلمت من دروس الماضي وهي تتصرف الآن بشكل مختلف.‏

in-2.jعودة-طالبانpg.jpg

وبدوره استبعد كريستيان فاغنر، خبير شؤون جنوب آسيا في “المعهد الألماني للسياسة الدولية ‏‏والأمن” في برلين، أن تعود أفغانستان ملاذا للتنظيمات الجهادية حيث قال "أن طالبان لا ‏‏يريدون أن تكون أفغانستان دولة منبوذة، وإنما يريدون اعتراف المجتمع الدولي بهم".‏

وفي الجانب العسكري والأمني؛ فقد أعرب مسؤولون بوزارة ‏الدفاع الأمريكية عن قلقهم إزاء إمكانية أن تصبح هذه الجماعات مصدراً للعمليات الإرهابية وتهديداً ‏دولياً في وقت ما في المستقبل. وفي حال تحقق هذا السيناريو أعلاه سيُبقي عمليات طالبان في مواجهة خطر منافسة تنظيم “داعش- خراسان" وتدخلات إيران من جانب أخر. كما أنّه وبالإضافة إلى احتواء أو مواجهة تنظيم "داعش- خراسان"، والتي تجاوز عدد عملياته (77) ‏عملية إرهابية خلال أربعة أشهر بحسب إحصاءات رسمية، وتحديد معالم سياسة طالبان في التعامل ‏مع تنظيم "القاعدة"، وما يُدعى "الحركة الإسلامية لأوزباكستان"، "وكتيبة الإمام البخاري"، وما يُسمى "الحزب ‏الإسلامي التركستاني". تواجه طالبان تحديّاً مُهماً يتمثل في ضبط الحدود مع إيران، حيث تستطيع ‏طهران من خلال توظيف علاقاتها المتميزة بقيادات في تنظيم “داعش” إلى زعزعة ‏الأمن في العمق الأفغاني وجعل استقرار حكم طالبان مهمة شبه مستحيلة، هذا عدا عن قدرة ‏طهران على جمع وتأمين نقل وعبور عناصر إرهابية (غير منضبطة تنظيمياً) من سوريا إلى ‏قلب العاصمة كابول، وكذلك تأمين نقل إرهابيين متواجدين في مناطق تسودها الفوضى ‏والصراعات المسلحة مثل اليمن وليبيا، وكما تخشى الحركة من أن يتم تفسير تبنيها سياسة ‏الانفتاح لكسب ودّ الرأي العام المحلي والدولي تراجعاً عن مبادئ الحركة الإسلامية، الأمر الذي ‏قد يضر بصورتها عند أتباعها، ما يدفعهم للانشقاق عنها والالتحاق بالتنظيمات الإسلامية ‏المتواجدة على الساحة الأفغانية.

 زيادة انتشار الإرهاب السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا

تُظهر القراءات بشكل عام أنّ الولايات المتحدة سجّلت تحسنا كبيرا في تأثير ظاهرة الإرهاب العالمي في عام 2021، مسجلة أدنى درجة لها في "مؤشر الإرهاب العالمي GTI" منذ عام 2015، حيث احتلت المرتبة 28 عالميا. وفي عمليات الإرهاب فيها كان هناك سبع هجمات أسفرت عن ثلاثة قتلى في الولايات المتحدة. في حين أنّ الهجمات الإرهابية في الغرب انخفضت منذ عام 2018 بنسبة 68%. مسجلةً 59 هجوما فقط في عام 2021.

لقد تجاوز الإرهاب السياسي (الذي يمثله اليمين المتطرف واليسار المتطرف) الآن ما يُسمى الإرهاب الديني في الغرب، مع انخفاض الهجمات ذات الدوافع الدينية بنسبة 82% في عام 2021. حيث كان هناك 40 هجوما بدوافع سياسية، مقارنة بثلاثة هجمات فقط ذات دوافع دينية.

وقد ازداد الإرهاب السياسي بإطراد على مدى العقد الماضي، حيث نُسبت 73% من الهجمات في الغرب إلى جماعات وأفراد ذوي دوافع سياسية. وإن غالبية الزيادة في الإرهاب ذات الدوافع السياسية في الغرب هي نتيجة لتصاعد الإرهاب اليساري المتطرف. ويذكر أنّه في عام 2011، كانت الجماعات والأفراد اليساريون المتطرفون مسؤولين عن هجومين بينما أعلنت الجماعات اليمينية المتطرفة مسؤوليتها عن خمس هجمات. ومع ذلك، ففي عام 2021، زادت هجمات اليسار المتطرف بشكل كبير حيث وصلت إلى 38 هجوما، بينما أعلنت الجماعات اليمينية المتطرفة مسؤوليتها عن هجومين فقط. ومن بين الهجمات ذات الدوافع السياسية في عام 2021، لم ينسب أي منها إلى أي جماعة إرهابية رسمية من اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف.

وكما تشير البيانات أيضًا فقد رافق التحسن على مستوى الإرهاب العالمي، اتجاهاً في زيادة خطر الإرهاب السياسي الذي يمثله إرهاب اليمين المتطرف. وأبرز مثال على ذلك كان في 6 يناير 2021، حيث انتهكت مجموعة كبيرة من الأفراد وهددّت أمن الكابيتول الأمريكي أثناء انعقاد الكونغرس. واندلعت فيه عمليات عُنف أصابت العشرات من ضباط شرطة مقاطعة كولومبيا وشرطة الكابيتول الأمريكية أسفرت عن قتل أحد أفرادها، في حين لقي أربعة مدنيين حتفهم أيضا. وعليه، في ضوء هذا الحادث والتهديد العنيف لعمل الكونغرس الأمريكي، يدور نقاش بين صانعو السياسات للإجابة على سؤال حول ما إذا كان يمكن تصنيف المشاركين وأفعالهم على أنّهم إرهابيون محليون وإرهاب محلي، وعلى التوالي أيضًا ما يتعلّق بتصنيف الجماعات اليمينية المتطرفة المحلية هناك، مثل:Boogaloo Bois  وProud Boys  الذين يزعم تورطهم في الهجوم، كمنظمات إرهابية".

in-1.صورة-الكابيتولjpg.jpg

ويُشار إلى أنّ "خدمة أبحاث الكونغرس"، كانت قد نشرت تقريرًا مهمًا في أغسطس 2020، أوضّحت فيه أن المسائل التي تتعلّق بزيادة عمليات إطلاق النار الجماعي والحوادث، والتي تتصف بطبيعة عنصرية، تتطلبان لمواجهتهما أهمية النظر في مقترحات تتعلق بثلاث نقاط أساسية:

1. تصنيف الإرهاب المحلي على أنه جريمة فدرالية منفصلة.

2. منح وكالات إنفاذ القانون سلطة مماثلة لتلك التي تتمتع بها في حالات الإرهاب الخارجي.

3. تعديل الأولويات الحكومية المرتبطة بإنفاذ القانون من أجل زيادة التركيز على الإرهاب المحلي.

وهكذا، فإنّ الطبيعة المتغيرة للإرهاب السياسي أدّت إلى تغييرات لافتة في "بنية" و “سلوك" الإدارة الأمريكية تجاه الإرهاب، وخاصة في مواجهة الإرهاب الداخلي وخطر جماعات اليمين المتطرف. وكان من أهمها قيام وزارة العدل بإنشاء "وحدة لمكافحة الإرهاب الداخلي"، حيث أكّد رئيس دائرة الأمن القومي في الوزارة، ماثيو ج. أولسن، ‏في شهادة أمام اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ في يناير 2022،‏ أن وزارة العدل تقوم بإنشاء "وحدة لمكافحة الإرهاب الداخلي" في وقت ازداد فيه خطر ‏التطرف العنيف، وزاد عدد تحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي‏ بمقدار الضعف منذ ربيع 2020. ‏ وأضاف أولسن أن شعبة الأمن القومي لديها فريق لمكافحة الإرهاب، ولكن سيتم الآن تكريس مجموعة من المحامين للتهديد ‏المحلي وضمان التعامل مع القضايا بشكل صحيح وفعال عبر الوكالة وإنفاذ القانون الاتحادي. وتتماشى هذه الخطوة مع تعهد ‏النائب العام، ميريك ب. غارلاند بإعطاء الأولوية لمكافحة التطرف الداخلي‎.‎

وقد كانت إدارة ‏بايدن قد كشفت 2021، عن استراتيجية وطنية للتصدي للتطرف الداخلي، دعت فيها إلى منع تجنيد الجماعات المتطرفة، وتعزيز تبادل ‏المعلومات عبر أجهزة إنفاذ القانون الأمريكية، إلا أنّ الكونغرس لم يتّخذ حتى الأن أي مبادرة لسنّ قوانين تتعلق بالإرهاب المحلي والتي جاءت بمقترحات تقرير خدمة أبحاث الكونغرس.

 

 

*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.

د. سعود الَشَرفات

باحث متخصص في قضايا العولمة والإرهاب العالمي