تصورات المشهد السياسي الإيراني القادم في ضوء الانتخابات الرئاسية
تكتسب الانتخابات الرئاسية في إيران أهمية خاصة بالنظر إلى القضايا الداخلية والخارجية المحيطة بالسياسة الإيرانية وفي مقدمتها التساؤل حول خليفة المرشد الإيراني علي خامنئي، والرؤية المفصلية لشكل النظام السياسي، والتطورات الإقليمية والدولية وتداعياتها على السياسة الأمنية والدبلوماسية في إيران.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ٢٤/٠٦/٢٠٢٤
تأتي الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر إجراؤها في 28 يونيو 2024، بوصفها "حدثاً استثنائياً" بعد الوفاة المفاجئة للرئيس إبراهيم رئيسي وعدد من المسؤولين الإيرانيين في تحطم الطائرة الرئاسية في 19 مايو 2024، وقد اتضحت معالم السباق الرئاسي بعد إعلان مجلس صيانة الدستور في 6 يونيو، عن قبوله أهلية 6 مرشحين من بين 80 كانوا قد أعلنوا نيتهم خوض الانتخابات. وفي الواقع تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة بالنظر إلى القضايا الداخلية والخارجية المحيطة بالسياسة الإيرانية وفي مقدمتها سؤال حول الشخصية التالية للمرشد الإيراني علي خامنئي، والرؤية المفصلية لشكل النظام السياسي الإيراني بعد مرور 80 عاماً على "الثورة"، والتطورات الإقليمية والدولية وتداعياتها على السياسة الأمنية والدبلوماسية الإيرانية.
قراءة في قرار مجلس صيانة الدستور
وافق مجلس صيانة الدستور على 6 مرشحين، خمسة منهم ينتمون إلى التيار المحافظ (سعيد جليلي، وعلي رضا زاكاني، وأمير قاضي زادة، ومصطفى بور محمدي، ومحمد باقر قاليباف)، ومرشح واحد عن التيار الإصلاحي وهو مسعود بزشكيان، والذي ترشح عن التيار بالتزكية. فيما استبعد المجلس شخصيات بارزة من بينهم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، والرئيس الأسبق لمجلس الشورى علي لاريجاني.
وفي الواقع، تكشف توجهات مجلس صيانة الدستور، في اختيار المرشحين للانتخابات القادمة، أو أدواره في الانتخابات السابقة، عن تنامي دوره التاريخي في تعزيز التيار المحافظ، والتضييق على الإصلاحيين، إذ أشارت العديد من التقارير والتحليلات إلى تزايد تأثيره في المشهد الانتخابي، من خلال اتباع سياسة استبعاد المرشحين المنافسين لخيارات المرشد، وزيادة فُرص حلفائه في الوصول إلى الرئاسة، ففي الانتخابات البرلمانية في فبراير 2020، استبعد المجلس عدد من مرشحي التيار الإصلاحي، وممن يوجهون خطاباً ناقداً داخل التيار المحافظ نفسه، وفي الانتخابات الرئاسية عام 2021، وافق المجلس على 7 طلبات من أصل 500 طلب ترشيح، مع استبعاد شخصيات بارزة من بينهم نجاد، ولاريجاني وإسحاق جهانغيري نائب الرئيس روحاني.
بناءً على ذلك، يُمكن قراءة قرارات المجلس، بوصفها تعبيراً عن التوجهات الجديدة للمرشد، والتي باتت تتسم بقدر محدود من قبول الاختلاف، سواءً تجاه القضايا المحلية أو السياسة الخارجية، فبعد أن شكل نجاد خياراً مفضلاً للمرشد في انتخابات العام 2009، إلا أن سقف خطابه الناقد، أصبح ينظر له بوصفه "خارج التيار الحاكم"، والأمر ذاته ينطبق على لاريجاني، والذي اعتبر لسنوات من الشخصيات المقربة من المرشد، وترأس البرلمان لثلاث دورات.
المشهد السياسي الإيراني قبيل الانتخابات
تكشف قرارات المجلس عن اعتبارات سياسية لدى المرشد علي خامنئي ومنظومة الحكم في إيران، جعلت من هذه الانتخابات حدثاً هاماً، في مقدمتها؛ ضرورة الحد من الخلافات بين التيارات السياسية، وتحقيق الوحدة والتجانس داخل تلك المنظومة وفي مؤسسات الدولة، في انتظار لحظة "خلافة المرشد"، خاصة في ظل تراجع صحة المرشد علي خامنئي وتقدمه في العمر، وهو ما يتطلب الحفاظ على سلامة النظام الإيراني بعيداً عن الصراعات بين التيارات السياسية الإصلاحية والمحافظة، والحد من تأثير الظروف الإقليمية وتحديداً مع التصعيد الذي يشهده الإقليم منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، والذي تشارك فيه إيران بكثافة عبر وكلائها، وذلك ما تؤكده دعوة المرشد علي خامنئي بأن على الرئيس القادم أن يكون "مُؤمناً بأسس ومبادئ الثورة"، و"يستكمل ما بدأه الرئيس رئيسي"، ودعوة المستشار العسكري للمرشد الأعلى للإيرانيين بانتخاب رئيس "لا يتحدث خلافاً للمرشد"، بل "رئيساً يعتبر نفسه الشخص الثاني".
كما ترتبط الانتخابات بمستقبل وشكل السياسات المحلية والخارجية الإيرانية، خاصة في ضوء مجموعة من العوامل، من بينها الأزمة الاقتصادية الإيرانية، والمرتبطة بمحادثات الملف النووي مع الولايات المتحدة، وتوجهات المرشحين بين ضرورة استكمال مواءمة الهياكل الاقتصادية مع العقوبات الأمريكية، كما كان نهج رئيسي، أو العودة إلى المحادثات مع واشنطن لتخفيف الضغوط الاقتصادية كما يفضل الإصلاحيون، بالإضافة إلى ممارسات إيران الإقليمية، وخططها المستمرة لحجز مساحة نفوذ خاصة بها في المنطقة، وبالرغم من أن هذه الخطط تتم بإشراف مباشر من المرشد وتنفيذ من الحرس الثوري، إلا أن العديد من الرؤساء السابقين أو وزراء الخارجية عبروا عن رفضهم لهذا الاتجاه، وبالرغم من أن منصب الرئيس قد لا يكون واضعاً للسياسات إلا أنه المخول بتنفيذها، ما يعني قدرته على وضع عراقيل وقيود عدة أثناء ذلك التنفيذ.
هل تغير الانتخابات المعادلة السياسية القائمة؟
استطاع الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي أن يُحقق الانسجام والاستقرار داخل منظومة الحكم في إيران، وقد شكلت وفاته المفاجئة في لحظة جيوسياسية إقليمية فارقة حدثاً هاماً خاصة ما ينطوي عليها من تجدد الخلافات داخل النخب الإيرانية لا سيما بين الدولة والإصلاحيين، وبين المحافظين أنفسهم، وبناء على ذلك فإن تصورات المرشد للانتخابات المقررة بعد أيام تواجه مجموعة من التحديات ومنها:
أولاً: فوز المرشح الإصلاحي
إن فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية يعتبر تحدٍ لمخططات المرشد، ولسير النظام السياسي بشكل عام، خاصة مع سيطرة المحافظين على البرلمان ومجلس صيانة الدستور، وبالرغم من أن الأفضلية للمحافظين الذين يشكلون خمسة من المرشحين، إلا أن ذلك لا يضعف من سيناريو فوز المرشح الإصلاحي، خاصة إذا ما جاءت نسب المشاركة مرتفعة وأثبت التيار الإصلاحي قدرته على تعبئة وحشد الشارع، أو بالتوجه إلى جولة انتخابات ثانية تزيد من فرص بزشكيان بالفوز، إذ تُشير نتائج استطلاع للرأي نشرته صحيفة وطن إمبروز، أن بزشكيان حصل على 29% من الأصوات المستطلعة مقابل 25.2% لقاليباف و24.1% لجليلي. من جهة أخرى يحظى الإصلاحيون بالتوافق حول مرشحهم، وضمان عدم انقسام أصواتهم، فقد دعم المرشح الحالي كل من الرئيس السابق محمد خاتمي وإسحق جهانغيري نائب الرئيس السابق حسن روحاني، بالإضافة إلى الهيئات الإصلاحية مثل المجلس التنسيقي الأعلى للقوى الإصلاحية، فيما التيار المحافظ لا يزال يسعى لتحقيق إجماع حول مرشح واحد، ما قد يؤثر في فرص فوز أي من قطبي المحافظين الأوفر حظاً وهما (قاليباف وجليلي)، وكان قاليباف قد دعا إلى انسحاب المرشحين المحافظين لصالح دعم مرشح واحد. وأخيراً فإن المتابع لنمط السلوك الانتخابي الرئاسي يلحظ أن هناك تداول للسلطة ما بين المحافظين والإصلاحيين، إذ خلف المحافظ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، يليه المحافظ محمود أحمدي نجاد، ومن ثم الإصلاحي حسن روحاني، وبعده المحافظ إبراهيم رئيسي.
ثانياً: انخفاض نسب المشاركة
في الواقع يصبّ انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات لصالح التيار المحافظ، ما يعني عزوف الإصلاحيين عن المشاركة والتصويت، مع ذلك يحتاج النظام في إيران إلى نسب مشاركة مرتفعة لإظهار الدعم الشعبي، ومن أجل أن يمنح الرئيس القادم شرعية تمثيلية، وسط احتمالات أن يشهد على خلافة المرشد، أو بأن يكون هو نفسه المرشد القادم، علماً أن الانتخابات الرئاسية عام 2021، سجلت أقل نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الرئاسية بعد أن بلغت 48.8%. وتشير استطلاعات الرأي أن الانتخابات ستواجه حالة عزوف كبيرة، فوفق ما أظهره استطلاع رأي أجرته مؤسسة "كُمان" المقيمة في هولندا، ونشرت نتائجه بتاريخ 23 يونيو، بأن أكثر من 65% من الإيرانيين لن يشاركوا في الانتخابات، بالإضافة إلى نتائج استطلاع أجراه مركز "إيسبا" في إيران، بعد المناظرة الرئاسية التي جرت في 17 يونيو، بأن أكثر من 73% من الإيرانيين لم يشاهدوا المناظرة.
ثالثاً: تفاقم الخلافات داخل المحافظين
ركزت استراتيجية المرشد في تحقيق الانسجام داخل منظومة الحكم من خلال سيطرة المحافظين على مفاصل الدولة، وذلك باستبعاد القوى المختلفة بالفكر والأيديولوجية عن تولي المناصب الرفيعة، إلا أن الخلافات داخل التيار المحافظ نفسه واردة للغاية، ليس لأسباب فكرية أو لتصورات قومية، بل بحثاً عن مصالح شخصية ومكاسب فردية، حيث يُدرك العديد منهم أن وفاة رئيسي أعادت الجدل حول الشخصية التي ستخلف المرشد، ما يعني تصاعد المنافسة داخل أقطاب التيار لتقديم بدائل سريعة ومقبولة. من جهة أخرى قد تكشف الانتخابات عن خلافات أوسع داخل التيار المحافظ، وتحديداُ بين قطبيه المتنافسين (قاليباف وجليلي)، حيث الأول يحظى بمكانة عالية داخل القوى المحافظة والبرلمانيين، فيما الثاني يمتلك قاعدة تصويت شعبية تفوق الأول. من جهة أخرى؛ يخشى المرشد من وصول شخصية محافظة لديها معرفة بالنظام الإيراني وتحظى بقاعدة ولائية داخل النخبة، خوفاً من أن يحاول إضعاف سيطرة المرشد على مفاصل الحُكم، وقد حدث ذلك في فترتي رفسجاني ونجاد، اللذان أظهرا قدرة على إيجاد مساحات تحرك منفصلة عن توجهات المرشد بالرغم من كونهما محافظين، ومن هذا المنطلق يُمكن تفسير عن تفضيل خامنئي لأي من المرشحين البارزين داخل التيار المحافظ، واكتفائه بالمشاهدة، بخلاف الدعم الحقيقي الذي قدمه لرئيسي أثناء ترشحه للانتخابات.
رابعا: حدوث اضطرابات لاحقة للانتخابات
إن احتمال لجوء التيار الإصلاحي إلى الشارع من جديد للاعتراض على نتائج الانتخابات أو اتهام الدولة بتزويرها أمر وارد، وبشكل مماثل لتظاهرات العام 2009، والتي جاءت اعتراضاً على نتائج الانتخابات إثر إعلان فوز أحمدي نجاد على حساب المرشح الإصلاحي حسين موسوي، والمعروفة باسم "التحرك الأخضر"، والتي استمرت لشهور. لا سيما وأن مسببات الاحتجاجات الفكرية أو الاقتصادية أو المناهضة للنظام لا تزال قائمة منذ احتجاجات العام 2022 إثر وفاة مهسا أميني بتهمة انتهاك قواعد اللباس الإيرانية للنساء.
خامساً: عدم القدرة على سد فجوة رئيسي
كان إبراهيم رئيسي بمثابة الشخصية المفضلة للمرشد، من حيث تقديمه الولاء الكامل للمرشد، وتدرجه في مناصب مختلفة داخل الدولة، بالإضافة لكونه رجل دين بارز. ما شكل لديه خبرة واسعة النطاق في إدارة الشؤون المحلية والخارجية، إلا أن أي من المرشحين الحاليين لا يمتلك ذلك النطاق الواسع من الخبرة متعددة النطاقات، فهم إما من الحرس الثوري وقدامى المحاربين (سعيد جليلي، ومحمد باقر قاليباف)، أو الجهاز المدني الخدمي والبرلماني (علي رضا زاكاني، وأمير حسين زاده) أو أجهزة إنفاذ القانون والقضاء (بور محمدي)، أو أقرب إلى التكنوقراط مثل وزير الصحة في عهد الرئيس محمد خاتمي، المرشح مسعود بيزشكيان. وقد ظهر افتقار المرشحين لحملات انتخابية متكاملة أو مناقشات سياسية واقتصادية عميقة خلال المناظرة التي نظمت في 17 يونيو، حيث لم تحصل على نسب مشاركة أو تداول كبير لتقارب آراء المرشحين وعدم تضمنها على نقاشات وجدالات عميقة.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات