النظام الإقليمي بعد الاتفاق النووي المُتوقع "خطوة للأمام أم للخلف"

تقدم الورقة تحليلاً افتراضياً، بشأن التغيرات الجوهرية المحتملة في الشرق الأوسط جراء نجاح مسار مفاوضات فيينا، وانعكاساتها على شكل التفاعلات والتحالفات وتوازنات القوى في المنطقة، إنطلاقاً من التساؤل الرئيسي: هل يُدخل الاتفاق النووي المنطقة بمرحلة من التهدئة والاستقرار أم إنه سيقودها لمرحلة جديدة وأكثر خطورة من الاضطراب والتوتر وعدم الاستقرار وربما المواجهة المسلحة؟

الكاتب د. شحاتة العربي
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٢٠‏/٠٤‏/٢٠٢٢

يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن اقتراب التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، بعد جولة طويلة ومعقدة من المفاوضات في فيينا، وترجح عدة تقارير، تحقيق واشنطن وطهران تفاهمات، تم التوصل إليها في مسار موازي للمفاوضات، ومن خلال وساطة أطراف إقليمية. في تكرار للسيناريو الذي جرى قبل التوقيع على الاتفاق النووي في عهد الرئيس باراك أوباما في عام 2015؛ حيث تفاجأ العالم بتوصل الجانبين، الأمريكي والإيراني، إلى اتفاق من خلال مفاوضات سرية استمرت لشهور في سلطنة عمان وتحت رعايتها.

وينطلق هذا التحليل من افتراض أساسي هو أن نجاح المفاوضات النووية في فيينا أو فشلها سيمثل نقطة تحول جذرية في منطقة الشرق الأوسط وتفاعلاتها وتحالفاتها وتوازنات القوى فيها. وهو ما يقود إلى تساؤل أساسي حول جوانب تأثير الاتفاق النووي الذي تتحدث الأطراف المعنية أنه أصبح قريباً، وهل سيأخذ المنطقة لمرحلة من التهدئة والاستقرار أم إنه سيقودها لمرحلة جديدة وأكثر خطورة من الاضطراب والتوتر وعدم الاستقرار وربما المواجهة المسلحة؟

وفي الإجابة على هذا السؤال يمكن الإشارة إلى تيارين أو اتجاهين، يذهب أولهم إلى أن التوصل لاتفاق نووي بين إيران والولايات المتحدة، في  ظل المعطيات الإقليمية والدولية الحالية، سوف يقود المنطقة إلى الاستقرار، في حين يذهب الاتجاه الآخر إلى العكس.

اتجاه نحو الاستقرار والتهدئة

يستند هذا الاتجاه على أربعة اعتبارات رئيسية هي:

أولاً: النزوع إلى الواقعية السياسية في المنطقة

بمعنى أن التوصل إلى اتفاق نووي ورفع العقوبات عن إيران، ومراجعة الولايات المتحدة الأمريكية سياساتها في الشرق الأوسط، لمصلحة التركيز على منطقة المحيط الهادئ في مواجهة الصين، سوف ينتج عنه نزوعاً إلى الواقعية السياسية من قبل الأطراف الإقليمية، التي تدفعها للتعامل مع معطيات الواقع ومحاولة التكيف معها ومن ثم مراجعة سياساتها تجاه الأزمات الإقليمية لجهة التخلي عن التنافس؛ والتوجه نحو التهدئة ومحاولة إيجاد تسويات وحلول وسط سلمية لهذه الأزمات.

وفي هذا السياق يمكن ملاحظة المؤشرات الدالة على هذا النزوع للواقعية السياسية، بالنظر إلى الأجواء التصالحية التي سادت الإقليم منذ العام الماضي، وانخراط كل من المملكة العربية السعودية وإيران بأربع جولات من المحادثات، ودخول اتفاق الهدنة لوقف الحرب في اليمن لمدة شهرين، وانحسار التوتر السابق بين دول الخليج ولبنان.

ثانياً: سياسة إيرانية مختلفة

يفضي توصل إيران لاتفاق حول برنامجها النووي، لرفع العقوبات عنها، ما قد يدفعها إلى مراجعة سياستها الخارجية وأدواتها تجاه المنطقة، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى عاملين؛ الأول أن طهران قد لا ترى حاجة في زيادة تمددها الإقليمي بلا طائل أو عائد على مصالحها الوطنية، بقدر ما تحتاج العودة للداخل وترميم اقتصادها المُنهك، والثاني أن الاتفاق النووي يقتضي من طهران إثبات حسن النية، وبشكل خاص تجاه دول المنطقة التي لا تزال تتحفظ على أي اتفاق نووي قادم.

in-1النظام-الإقليمي-بعد-الاتفاق-النووي-المُتوقع-خطوة-للأمام-أم-للخلف‎‎.jpg

ووفق هذا المعنى، نجد أن إيران معنية في إيجاد تسويات للملفات الشائكة في المنطقة، ومراجعة سياستها الخارجية باتجاه البحث عن المنافع الاقتصادية بعد رفع العقوبات عنها، ولربما يدفعها هذا للتقارب مع بعض الدول العربية التي جمعتها علاقات خصومة معها لسنوات.

ثالثاً: دور روسيا في التقريب بين الحلفاء

الاعتبار الثالث الذي يتخذه البعض مبرراً للحديث عن تهدئة إقليمية محتملة ناتجة عن التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، هو الدور الذي يمكن أن تلعبه روسيا في إحداث بعض التقارب بين إيران ودول الخليج العربي أو على الأقل السعي لمنع التوتر بينهم على أساس أنهم يشتركون في كونهم حلفاء لها في المنطقة.

وفي ظل التوتر الروسي-الغربي غير المسبوق منذ نهاية الحرب الباردة؛ بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وما نتج عن ذلك من استقطاب عالمي حاد، فإن روسيا ستعطي اهتماماً كبيراً لتعزيز علاقاتها مع حلفائها في منطقة الخليج العربي، خاصة أن الأخيرة لم تنحاز إلى الولايات المتحدة في الأزمة الأوكرانية وتمسكت بتفاهماتها حول إنتاج النفط مع روسيا ضمن صيغة "أوبك+" على الرغم من مطالب الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للتخلي عن هذه التفاهمات.

رابعاً: الاعتبارات التجارية

التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، سيجعل طهران حريصة بشكل أكبر على استعادة علاقاتها التجارية والاقتصادية ضمن سياقها العربي والإقليمي في ظل ما يعانيه اقتصادها من مصاعب كبيرة بفعل العقوبات التي فُرضت عليها خلال السنوات الماضية.

وفي الوقت نفسه، فإن الاتفاق النووي المرتقب، إلى جانب تقويم السلوك الإيراني في الإقليم، ودعم آفاق نجاح محادثاتها مع المملكة العربية السعودية، يُشكل فُرصة لإيران على المستوى التجاري، خاصة وأن التحالفات في المنطقة، تتجه للارتكاز على المصالح الاقتصادية والاعتماد المتبادل لمختلف الأطراف.

 مرحلة جديدة من التوتر وعدم الاستقرار

على الجانب الآخر، هناك الكثير من الاعتبارات والعوامل التي ربما تجعل من التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والقوى الدولية، سبباً لانزلاق المنطقة برمتها إلى مرحلة من عدم الاستقرار التي لا يمكن توقع مآلاتها، ولعل من أهم هذه الاعتبارات:

أولاً: تجربة اتفاق عام 2015

لم تؤدي تجربة الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم الإعلان عنه في يوليو 2015، إلى استقرار إقليمي بأي معيار من معايير الاستقرار، ولكن ما جرى هو العكس؛ حيث دخلت المنطقة في حالة من الاستقطاب وصراع المحاور، بين إيران وحلفائها من جانب، وبعض الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر من جانب آخر.

فضلاً عما سبق، فإن الاتفاق النووي لعام 2015، قد دفع إلى تصعيد المواجهة غير المباشرة بين إيران وإسرائيل في المنطقة، وهو ما يتضح من تكثيف إسرائيل لضرباتها ضد الوجود الإيراني في سوريا، وكذلك اتهام طهران لتل أبيب، بالوقوف خلف عدد من الهجمات التي استهدفت المنشآت النووية في إيران.

وإذا كان الاتفاق النووي عام 2015 قد أدى إلى مرحلة من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة على الرغم من وجود الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، المحسوب على التيار المعتدل أو الإصلاحي في السلطة، بينما يُحكم المحافظون سيطرتهم اليوم على معظم المؤسسات الإيرانية لا سيما الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي، المُقرب من الحرس الثوري، وبذلك لربما تتجه سيطرة المتشددين في مجال السياسة الخارجية لزيادة حدة التوترات الإقليمية.

ثانياً: تعزيز إيران تدخلاتها الخارجية في المنطقة

من شأن الاتفاق النووي، أن يزيد من شعبية الرئيس إبراهيم رئيسي، ويدعم مركز الحرس الثوري في السياسة الخارجية، نظراً لطبيعة المرحلة السابقة للاتفاق، وما تخللها من خطاب ثوري وأيديولوجي، سيُقدم إلى الداخل الإيراني والحلفاء الخارجيين، باعتباره نصراً قومياً. وقد يترجم هذا "النصر" على توجهات طهران الإقليمية، أو قد ينعكس على سلوك الجماعات المُسلحة المدعومة من قبلها، فمن وجهة نظرهم حقق نهج "المقاومة القصوى" نجاحات لإيران.

ومن جهة أخرى، قد تتوفر التدفقات المالية التي تحتاجها طهران لتمويل سياستها الخارجية، وزيادة ودعم حلفائها ووكلائها، بعد رفع العقوبات الدولية، والإفراج عن الأرصدة المالية المجمدة في الخارج، واستئناف صادراتها من النفط والغاز. وفيما يتعلق بقضية صادرات النفط تحديداً، نقلت وكالة إيرنا الرسمية للأنباء في إبريل 2022 عن الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية محسن خجسته مهر، قوله إن "انتاج النفط وصل الى أرقام ما قبل العقوبات، على الرغم من الضغوط الاقتصادية"، وأضاف "نحن الآن في وضع يسمح لنا بمضاعفة صادراتنا"، مشيرا إلى أنه "على صعيد أمن الطاقة، فإن إيران قادرة على تحقيق الاستقرار على الساحة الدولية".

كما ستعمل طهران على استغلال حاجة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إلى الطاقة في ضوء التاثيرات السلبية الناتجة عن الأزمة الأوكرانية على سوق الطاقة العالمي، من أجل العودة السريعة إلى سوق النفط وإنتاج أقصى ما تستطيع، لتعويض الخسائر التي تتعرض لها جراء العقوبات.

ثالثاً: طبيعة الرؤية الإيرانية للاتفاق النووي

لا ترى إيران في الاتفاق النووي، وثيقة تضمن امتثالها لتدابير مُشتركة للرقابة وتقديم الضمانات بشأن برنامجها النووي فحسب، بل باعتباره اعترافاً دولياً وأمريكياً، بالدور الإقليمي "المُهيمن" لها، كخطوة تُشجع إيران على اتخاذ خطوات وسياسات تستأنف سلوكها الإقليمي.

وقد تشكل هذا الانطباع في السنوات التالية للاتفاق النووي عام 2015، لدى كل من الولايات المتحدة ودول المنطقة، حيث انعكس الاتفاق حينذاك على التوزان الإقليمي، ونظر له معارضيه، بأنه صفقة أمريكية إيرانية، تفوضها للإبقاء على نشاطها وسلوكها الإقليمي. ومن المُرجح أن امتثال الطرفان في الاتفاق السابق أو الجديد، دون تحديد مجموعة من الالتزامات الإقليمية الخاصة، سيعزز من هذه الانطباعات.

رابعاً: عدم ثقة إيران في الولايات المتحدة الأمريكية

نتيجة لإقدام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018، فإن اكثر ما شددت عليه طهران في مفاوضات فيينا، كان الحصول على ضمانات لجعل الاتفاق أكثر ديمومة بين الدولتين، وبينما لم تحصل إيران على مبتغاها، فإن عدم الثقة ستبقى قائمة حتى انكشافها في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، حال حدوث تغيير على الإدارة الأمريكية الديمقراطية.

وحيث تتوقع طهران أن نجاح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، بأي وقت، يعني إقدامهم على الانسحاب من الاتفاق النووي، فهذا يدفعها لعدم وضع كافة أوراقها على طاولة المفاوضات، وأهمها في الوقت الحالي؛ هو تعزيز مكانتها وموقع شركائها على مستوى الإقليم، استعداداً لجولة مقبلة ومتوقعة من المواجهة في حال تغيرت الإدارة في البيت الأبيض.

أي إن إيران، وبتأثير من تجرية الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي السابق، ربما تنظر إلى أي اتفاق نووي جديد على إنه اتفاق مؤقت، ما سيحد من استعدادها لمراجعته، فضلاً عن تغيير سياساتها التدخلية في المنطقة.

خامساً: عدم التجاوب مع هواجس دول المنطقة

تسعى الولايات المتحدة إلى طمأنة دول المنطقة بشأن الاتفاق المُنتظر مع إيران، ودوره في منع طهران من امتلاك السلاح النووي، وهنا تضيق دائرة المصالح الأمريكية الوطنية، أمام اتساعها بالنسبة لدول المنطقة، لتقتصر عند الأولى على ضمان عدم حصول طهران على ترسانة نووية، بينما تتسع لتشمل على سلوك إيران الإقليمي، وبرنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية عند دول المنطقة.

وبحسب ما يصدر عن طاولة فيينا، فإن المفاوضات لم تتناول تلك القضايا، وقد تُحال إلى مُلحق فرعي، لكن في نهاية المطاف، تستمر هواجس دول المنطقة تجاه برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وسلوكها الإقليمي، نظراً لدورهما السابق في نشوب النزاعات والصراعات في المنطقة.

وبناء على ذلك، ما يُهم الدول الغربية من الاتفاق النووي، معالجة إشكالية إيران النووية، دون التطرق إلى المسائل الإقليمية؛ وخاصة الدعم الإيراني المُقدم إلى العديد من الجماعات المُسلحة، وتدخلاتها في عدد من البلدان العربية، ويُوضح ذلك رسائل الطمأنة التي بثها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال قمة النقب التي عقدت يومي 27 و 28 مارس 2022، وضمت وزراء خارجية الإمارات والبحرين ومصر والمغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية؛ بالتأكيد على أن الاتفاق سيمنع طهران من إمتلاك السلاح النووي. وعليه؛ هناك تباين واضح في النظر إلى إيران بين الغرب ودول المنطقة، وهناك اختلاف صريح في أولويات التعامل معها.

سادساً: موقف إسرائيل

يُعد موقف إسرائيل من أي اتفاق نووي مقبل بين طهران والقوى الدولية، أحد أهم محددات الاستقرار والتوتر في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة. إذ أبدت تل أبيت اعتراضها على مفاوضات فيينا، وعلى التنازلات التي قد تُقدمها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، أن بلاده لن تكون مُلزمة بأي اتفاق نووي.

تستثمر إسرائيل جهدها الحالي، في إعداد خطط لتشكيل طوق حول إيران، من خلال نشاطها في مناطق شمال العراق، وتعميق التعاون العسكري من أذربيجان، وما يُقلق إيران التقارير التي تفيد بإمكانية استخدام سلاح الجو الإسرائيلي قاعدة سيتالشاى العسكرية الجوية الآذرية، التي تبعد 500 كم عن الحدود الإيرانية. حيث ترى فيها تهديداً بشن هجمات جوية تستهدف منشآتها النووية، تنفيذاً لتهديدات إسرائيلية سابقة ومتكررة، ولذلك خصصت إيران نحو 1.5 مليار دولار لاستخدامها في إعداد الجيش لضربة محتملة ضد برنامجها النووي.

in-النظام-الإقليمي-بعد-الاتفاق-النووي-المُتوقع-خطوة-للأمام-أم-للخلف‎‎2.jpg

وهذا الاتجاه، يجعل من المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل حدثاً غير مستبعداً، في ظل تقدير إسرائيلي بأن إيران على مقربة من إمتلاك سلاح نووي، بعد التقدم المُحرز في برنامجها النووي خلال السنوات السابقة، وسط تراجع ثقتها في قدرة الدبلوماسية الأمريكية على منع إيران من امتلاكها، ويتسق الموقف الإسرائيلي مع تقديرات بعض الدول العربية حول ضرورة مواجهة "الخطر الإيراني" المشترك على الجانبين.

سابعاً: تعميق الفراغ الأمني في المنطقة بعد الأزمة الأوكرانية

تتطرق العديد من التحليلات إلى تأثر الدور الروسي المُوازن في المنطقة، جراء عملياتها العسكرية في أوكرانيا، ولربما تؤدي إطالة زمن النزاع بين الدولتين، إلى تغير الأولويات الجيوسياسية والاستراتيجية الروسية، والتي ستؤثر سلباً على دورها في الشرق الأوسط وبشكل خاص في سوريا، حيث تُوازن موسكو هناك بين الغايات الإيرانية والمخاوف الإسرائيلية، ومن شأن الإخلال بهذا الدور أن يزيد من طموحات طهران، مقابل توسع تل أبيب في حملتها العسكرية "الحرب بين الحروب"، وتكثيف ضرباتها التي تستهدف الوجود الإيراني في سوريا.

هذا فضلاً عن توقع تزايد التحركات العربية الساعية لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لمواجهة النفوذ الإيراني فيها في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي المحتمل، ومن شأن ذلك أن يزيد من التوتر العربي- الإيراني، وقد يعيد العلاقات بين الطرفين إلى المُربع الأول.

ثامناً: تشكيل تحالف سياسي وعسكري لمواجهة إيران

ثمة حراك واسع يشهده الإقليم بالتزامن مع التوقع بقرب التوقيع على الاتفاق النووي، حيث تُقرأ هذه التحركات باستعداد دول في المنطقة لمواجهة إيران ما بعد الاتفاق، خاصة وأنها تترافق مع رؤية مُتسقة حول مخاطر توظيف طهران للأموال المُفرج عنها أو لعوائد ما بعد الاتفاق في زيادة دعمها للجماعات المُسلحة التابعة لها، وقد عبر هذا الاتجاه عن نفسه في قمة النقب وأكد بيانها الختامي على "تشكيل لجان أمنية لمواجهة تهديدات إيران في المنطقة، وشبكة أمنية للإنذار المبكر".

وحتى في ظل القراءة السابقة، لتغيرات السياسة في المنطقة، ونزعها للواقعية السياسية المؤدية للتهدئة، تبقى فجوة الثقة بين إيران ودول المنطقة قائمة، نظراً للتجارب السابقة مع الخطاب التصالحي الإيراني في العقود الماضية، سواء في عهد رافسنجاني أو خاتمي أو حتى روحاني، الذي تبين أنه تغير مرحلي، لا يُعبر عن تحول استراتيحي وجوهري في توجهاتها، حيث السياسات الإقليمية الإيرانية، ونزوعها إلى الهيمنة، ثابتة وأصيلة في سياستها الخارجية، بصرف النظر عن طبيعة من هو في موقع الرئاسة، أو طبيعة السياق الدولي والإقليمي الجاري.

في ضوء كل ما سبق، فإن المسار المرجح للتفاعلات في المنطقة بعد الاتفاق النووي المرتقب، هو مسار صراعي أو مسار توتر وعدم استقرار، لكن طبيعة هذا التوتر وحجمه وحدوده سوف تتوقف على اعتبارين:

الأول: هو طبيعة تصرف دول المنطقة تجاه الاتفاق، فإذا ما وجدت أنه لا يأخذ بهواجسها، ولا يرقي بمصالحها وأمنها، فإن معارضة إقليمية واسعة ستواجهها كل من إيران والولايات المتحدة، قد تضغط باتجاه اعتباره صفقة فاشلة.

الثاني: هو طبيعة نظرة إيران إلى الاتفاق وما إذا كانت ستراه مدخلاً للهيمنة الإقليمية أم فرصة عليها استثمارها للتهدئة وتعزيز الاستقرار والتعاون الإقليمي.

*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.

د. شحاتة العربي

باحث مختص في شؤون الشرق الأوسط