المشاريع التنموية الإقليمية المشتركة ودورها في تشابك المصالح وتحقيق التنمية
تسعى الدول العربية لإرساء نهج جديد في علاقاتها، من خلال تشبيك مصالحها والتعاون في المجالات الاستراتيجية، عبر العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية، من قبيل الشراكة الثلاثية ومشاريع الربط الكهربائي، وعليه تستعرض هذه الورقة الكيفية التي تُغير فيها المشاريع العربية المشتركة؛ الخارطة السياسية والاقتصادية للمنطقة العربية.
الكاتب سمر عادل
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ١٢/٠١/٢٠٢٢
مقدمة
تتغير خارطة المنطقة العربية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي عبر إقامة مشاريع اقتصادية ذات بعد سياسي وأمني، فمشروع "الشراكة الثلاثية" والذي يبدأ بمد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق وصولاً إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم إلى نويبع في مصر، سيسهم في فتح أسواق جديدة للطاقة بالمنطقة، ويغير من الخارطة الخاصة بهذا المجال، حيث سيخلق ممرًا بديلًا لنقل النفط والغاز من بلاد الشام والخليج إلى أوروبا بدلًا من مضيق هرمز الاستراتيجي. وينص المشروع على قيام مصر والأردن باستيراد النفط مقابل 16 دولار لسعر البرميل الواحد.
وفي المقابل إمداد العراق بالكهرباء، حيث إن الربط الكهربائي بين الأردن ومصر من جهة وصولًا للعراق من الجهة الثانية سيعمل على مد العراق بـ 360 جيجاوات من التيار الكهربائي، بالمقابل ستتمكن مصر من تكرير جزء من النفط العراقي على أراضيها، عن طريق والاستفادة من إمكانيات الأردن الضخمة في مجال النقل.
إن الدول العربية تَعقد آمالًا على مشروعات الربط الكهربائي لتحقيق استقرار الطاقة وتأمين التغذية الكهربائية، فمنذ عشرات السنين برزت جهود كبيرة لتنفيذ مشروعات عديدة، أهمها: الربط الكهربائي الثُماني، و الربط الكهربائي الخليجي، والربط الكهربائي بين مصر والسعودية، حيث تأتي هذه الجهود ضمن خطة كبرى من أجل إقامة سوق عربية مشتركة للطاقة الكهربائية، تضم خبرات جميع الدول العربية وتؤمّن جميع الاحتياجات.
اتفقت مصر والسعودية على تنفيذ مشروع للربط الكهربائي بين البلدين لتبادل قدرات كهربائية تبلغ 3 آلاف ميجاوات. ولهذا المشروع -والذي يلحقه تكامل في تحقيق سوق أكبر للطاقة متضمنًا على خط الغاز العربي- فوائد ضخمة إذ توفر الإمدادات الكهربائية لجميع الدول بصورة أكثر تنظيمًا وكفاءة، لا سيما أن مزيج القدرات الكهربائية يعتمد على النفط والغاز والطاقة المتجددة والوقود الحيوي في إنتاج الكهرباء.
أولًا: الشراكة الثلاثية واقع الاقتصاد واحتمالاته
كانت هناك أربع قمم بين مصر والعراق والأردن منذ عام 2019، في إطار مشروع الشراكة الثلاثية، الذي يقوم على أساس مجموعة من التفاهمات والمصالح، وفي مقدمتها المنافع الاقتصادية، اقتداء بنسق الاتحاد الأوروبي، من أجل تسهيل تدفق رأس المال والتكنولوجيا بين البلدان الثلاثة بشكل أكثر انسيابية، وهو ما يمكن اعتباره صياغة جديدة في إقليم مضطرب ويعاني من النفوذ الإيراني، ومشاكل مصر مع أثيوبيا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة.
وتتطلع الدول الثلاث من خلال هذا المشروع إلى زيادة حجم التعاون والتبادل الاقتصادي، والمساهمة بشكل فعال في الارتقاء وتقدم الاقتصاد، وتحقيق منفعة متبادلة، حيث يُعد المشروع بمثابة تحالف يرتكز على الشراكة الاستراتيجية نحو تكامل اقتصادي قد يعقبه تنسيق سياسي وحتي أمني، فالتنسيق الاقتصادي يقود إلى جذب المشاريع الاستثمارية، والعمل على زيادة التبادل التجاري، وهو ما سيساهم في زيادة الإنتاج، وزيادة حجم النمو الاقصادى لكل دولة، وتوفير المزيد من فرص العمل.
كما أن العمل على إزالة كافة العقبات بين موانيء مصر والأردن يُسهل من نقل المنتجات المصرية إلى الأردن ومنها إلى العراق، والعكس صحيح، ومن خلال تطوير شركة "الجسر العربي" المملوكة للدول الثلاث، سيعمل ذلك إلى فتح أسواق جديدة، وتقديم خدمات، وزيادة التعاون في مجالات البترول والغاز، بما في ذلك إنشاء شركات مشتركة للصناعات الكيماوية، وهو ما يؤدي إلى تعظيم مصادر الدخل وزيادة موارد هذه الدول، فهذه الشركة تُعد بوابة تجارية هامة واستراتيجية للربط بين الدول العربية في أفريقيا، والدول العربية في آسيا، وهو ما يعمل على تعزيز التجارة والتكامل بين هذه الدول.
تتسم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والعراق بتعدد مجالاتها، وفي ظل امتلاك البلدين وفرة الإمكانات الخاصة بتطويرها، من الممكن أن يكون لذلك أثرًا في العلاقات المستقبلية في مشروع الشراكة الثلاثية([1])، الذي يقوم بالأساس على التعاون الاقتصادي ذو الأبعاد السياسية، وفي ضوء التحولات الجيوسياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، يهدف المشروع إلى إعادة إنتاج الدور الريادي في المنطقة من خلال الاستفادة من المردود الاقتصادي، ومن ثم تعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية وتفعيل الآليات الدبلوماسية لحل الأزمات الإقليمية.
وفي الواقع بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى العراق حوالي 421.75 مليون دولار أمريكي([2]) خلال عام 2020، ويُذكر أن التبادل التجاري بين البلدين بدأ بشكل أكثر تنظيمًا ومؤسسية من خلال بعض الاتفاقيات والبروتوكولات لإقامة منطقة التجارة الحرة بين البلدين منذ عام 2001، وبلغ رقماً قياساً عام 2018 بحوالي 1.65 مليار دولار.
وبوجه عام يؤدي التبادل التجاري إلى تقوية العلاقات الاقتصادية الدولية، وهو ما يشجع الشركات والمصانع على رفع مستوى إنتاجها الأمر الذي يساعد في دعم الاقتصاد وتنميته للدولتين، وذلك عن طريق خلق محفزات استثمارية جديدة وبالتالي فرص عمل جديدة ومتنوعة.
يتضح أن العلاقات التجارية بين مصر والعراق قد مرت بمراحل صعود ومراحل تراجع، ويؤشر الشكل السابق إلى أن صادرات مصر إلى العراق ما زالت ضعيفة ومتأرجحة عند مقارنتها بدول أخرى، بالرغم من امتلاك مصر فرص تصديرية تساعدها في زيادة النفاذ للأسواق العراقية، ووفقاً للمجلس التصديرى للحاصلات الزراعية فإن العراق استوردت 3% من إجمالي الصادرات الزراعية المصرية، وذلك فى الفترة من سبتمبر 2018 حتى نهاية يونيو 2019 ([4])، وهو ما يعكس الفرص التصديرية الكبيرة للقطاع الزراعي المصري في ظل ضعف الإنتاج الزراعي والصناعات المتعلقة بها في العراق فضلًا عن الاحتياج المتزايد للسوق المحلي العراقي من هذه المنتجات، كما أن هناك فرصًا في العديد من القطاعات كالملابس والأجهزة الكهربائية والأثاث والسيرامك وغيرها.
يجدر الإشارة إلى أن الواردات المصرية من العراق خلال الفترة من (2010 - 2020) كانت هي الأخرى متذبذبة، وهو ما انعكس على الميزان التجاري للبلدين، فلم يصب الميزان التجاري بين مصر والعراق في صالح أي منهما بشكل دائم طوال نفس الفترة.
أما على مستوى التبادل التجاري بين مصر والأردن فبلغ خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر2020 ما يقرب من 514 مليون دولار، حسب بيان صادر عن وزارة الصناعة والتجارة والتموين الأردنية، بتراجع قدره 23.5% عند المقارنة بنفس الفترة خلال عام 2019.
ووفقًا لقاعدة بيانات التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة، تعد من أهم الصادرات المصرية للسوق الأردنية المنتجات الغذائية والفاكهة والسيراميك وحديد التسليح بينما تضمنت أهم بنود الورادات المصرية الأدوية والمخصبات الزراعية والسجاد والأسمدة.
تسعى مصر لتأسيس تكتل سياسي كان أم اقتصادي، مع الأردن والعراق، ووجود الأردن في منتدى شرق المتوسط للغاز ومقره القاهرة، يجعل الطرفان محققان منفعة متبادلة، حيث تحتاج الأردن إلى مصادر متنوعة من الطاقة كالغاز من مصر، بالإضافة إلى دعمها لرغبة الأردن باتجاه توطيد العلاقات مع الدول النفطية كالعراق، ومن ثّم يعد هذا المشروع تحالفًا استراتيجيًا يشكل أساسًا لحدوث استقرارًا لهذه المنطقة في ظل التغيرات التي تحاول بعض الدول في الإقليم إحداثها، كما أن العراق تحتاج إلى استقرار أمني إقليمي في ظل التوترات والفراغ السياسي التي لحق بها منذ عام 2003.
إذن يمثل مشروع الشراكة الثلاثية فرصة نوعية للدول الثلاث، فمن المتوقع له أن يساهم في تعزيز الدور الإقليمي للدول الثلاث مرتكزًا على عناصر القوة لديهم وتوظيفها بشكل يحقق الاستفادة لجميع الأطراف، فمصر تمتلك خبرات في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى موقعها على البحرين المتوسط والأحمر، وامتلاكها كتلة بشرية كبيرة، والعراق يمتلك موارد نفطية هائلة، والأردن لديها موقع استراتيجي مميز يتوسط آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، بالإضافة إلى بعض المزايا الاقتصادية الجيدة، وبالتالي يُعد المشروع خطوة مهمة نحو التكامل في الموارد والطاقات العربية، وهو ما يعد بتغيير المعادلات والأوزان في صراعات المنطقة، ولعل وجود استراتيجيات سياسية، واقتصادية، وأمنية يساعد في ذلك.
وبالتالي لن تصبح العلاقة بين هذه الدول في إطار التبادل التجاري والاستثمارات فقط، بل ستكون هناك علاقات استراتيجية قوية، قادرة على مواجهة تحديات المنطقة، وأخطار تمدد القوى الإقليمية الأخرى غير العربية، التي تستغل حالة الوهن والضعف في الإقليم العربي بهدف خلق واقع جديد في المنطقة.
ثانيًا: آفاق الشراكة من أجل التنمية في الربط الكهربائي وخط الغاز العربي
تعد الطاقة الكهربائية ذات علاقة وثيقة ومباشرة بالنمو الاقتصادي والاجتماعي في المجتمعات الحديثة، حيث يعد توفير الكهرباء من الضروريات على كافة المستويات ابتداءً من الاستخدام الفردي وانتهاءً بعمليات الإنتاج التي تقوم بها الكيانات الاقتصادية الكبرى، وما يمثله ربط شبكات بين الدول كأداه هامة من أدوات التكامل الاقتصادي([5]).
لذا تسعى مؤخرًا الدول العربية بشكل مكثف لتنفيذ مشاريع الربط الكهربائي. وهذا يجنب بعض الدول الانقطاعات الدائمة للكهرباء أو حتى الجزئية، حيث تنتقل الطاقة المطلوبة بشكل مباشر، وينتج عن ذلك قيمة مضافة للاقتصاد، وربما ذلك يقود في المستقبل على المديين المتوسط والطويل إلى قيام سوق مشترك في مجال الطاقة، ليتبعه سوق مشترك في مجالات اقتصادية وتجارية أخرى.
وتتمثل الفائدة الأساسية لربط عدة شبكات كهربائية في تقليل القدرة الاحتياطية المركبة في كل شبكة، ومن ثّم تخفيض الاستثمارات الرأسمالية اللازمة التي تلبي الطلب على القدرة دون المساس بدرجة الأمان والاعتمادية في الشبكات المرتبطة، بالاضافة إلى الاستفادة من إقامة محطات التوليد في المواقع الأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، والتي تتناسب مع المتطلبات البيئية ([6])، وهو ما تحتاج إليه البيئة الآن في ظل التغيرات المناخية. ويستعرض الجدول التالي بيانات أساسية عن قطاع الكهرباء في الدول العربية.
يتضح أن قدرة منظومة التوليد العربية نمت بسرعة خلال الفترة من 2004 وحتى عام 2012، حيث بلغ معدل النمو السنوي 6.5%، ويعد ذلك معدل مرتفع، إلا أنه انخفض بنسبة 5.3% خلال الفترة من 2012 وحتى عام 2018.
تمتلك السعودية ومصر أكبر مجموعتي لتوليد الكهرباء، حيث تبلغ قدرة التوليد 57.3 جيجاواط، و45.3 جيجاواط على التوالي ، أي ما يمثل 39.8% من القدرة المركبة في الدول العربية([7]).
لذا عند النظر إلى مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، الذي يعد نواة وخطوة جادة للسوق العربية المشتركة لنقل الطاقة بشكل عام، فالسعودية مرتبطة بدول الخليج العربي من خلال الربط الكهربائي، الذي تم من خلال هيئة الربط الكهربائي الخليجية. ومن خلال الربط بين مصر والسعودية؛ سترتبط الأولى بكل دول الخليج، ويجعل المصالح في شبكة متداخلة وواحدة، وقد يخلق ذلك نوعًا من التوحد تجاه مختلف القضايا السياسية والاقتصادية. وبالطبع هذا الربط سيؤدي إلى تفادي تكاليف إنشاء محطات جديدة، وتخفيض تكلفة الإنتاج، وتحقيق الفائض من الكهرباء.
كما أن هناك ربط كهربائي بين مصر وليبيا والأردن والسودان، وهو ما سينعكس على السعودية التي ستصبح في ربط كهربائي مع هذه الدول أيضًا، من خلال الربط مع مصر، فضلًا عن خطة مصر للربط الكهربائي مع أوروبا عبر دولتي قبرص واليونان، ومع هذا الربط المصري الأوروبي، ستصبح دول الخليج مرتبطة بالشبكة الكهربائية الأوروبية أيضًا.
إن ما سبق، يعمل على تحقيق مشروع متكامل اقتصاديًا، ولهذا الربط الكهربائي فائدة على الناتج المحلي للدول، ويعزز من حركة التبادل التجاري وتبادل الطاقة بينهما، وكذلك سيكون دعمًا وحافزًا لاستمرارية المشروعات المشتركة في القطاعات الأخرى.
استفادت الدول في مشروع الربط الكهربائي ولكن بمستويات مختلفة، إذ بعض الدول استطاعت تصدير جزء مما تحقق لديها من فوائض([8])، لكن توقف المشروع بعد أحداث ما يُعرف بـ"الربيع العربي" عام 2011، نتيجة للخلافات السياسية بين بعض الدول، كما أن الوضع الداخلي لبعض الدول أصبح غير مستقرًا على المستويين السياسي والأمني ومن ثّم الاقتصادي.
وقد تمت العودة إلى مشروع الربط الكهربائي الثماني، في إطار محاولات إرساء الاستقرار في المنطقة مرة أخرى، وبشكل أكثر اتساقًا مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الإقليمية، فنجد أن الربط الكهربائي بين مصر والأردن، شهد اتفاقًا على رفع القدرة الكهربائية إلى 1000 ميجاوات أو 2000 ميجاوات بدلا من 500 ميجاوات، وقد تمتد تلك الوضعية بين دول أخرى في الإقليم وربطها ببعضها ومن المحتمل أن يصل الربط الكهربائي إلى أوروبا، أو إلى القارة الأفريقية من خلال مصر([9])، ما يساعد على تشجيع وتعزيز التعاون بين الأردن ومصر في شتي المجالات.
ومن ناحية أخرى سيتم نقل الكهرباء من الأردن إلى سوريا وصولاً للبنان عبر الغاز المصري، وهذا يعد تطورًا هامًا، وبما إن الخط سيمر عبر سوريا قامت الأردن بالتواصل مع الولايات المتحدة لمنحه استثناءات للعقوبات على سوريا، والعمل على إيجاد حل للوضع السوري الذي يحارب فيه أطراف عدة، وبالفعل نجحت الأردن في دور الوسيط لمد الغاز إلى لبنان.
وهنا يمكن القول أن المصلحة مزدوجة فسوريا ربما بعد ذلك تشهد عودة إلى الوطن العربي بالمفهوم التقليدي للدولة، وتلجم بعض القوى التي تتصارع على أرضها، ومن ثّم فتح قنوات للتواصل على المستويات المختلفة مع الوطن العربي والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الأخيرة ستسفيد من استقرار المنطقة والحيلولة دون جرها إلى المعسكر الإيراني، واستقرار سوريا يساعد من ناحية أخرى الأردن اقتصاديًا، وبالطبع أيضًا لبنان سيستفيد من النقل الكهربائي إليها والذي يسهم في معالجة العديد من أزماته.
وفي هذا السياق اتفقت مصر وسوريا والأردن ولبنان على وضع خطة لمد لبنان بالغاز المصري، حيث يبلغ الطول الإجمالي لخط 1200 كيلو متر بتكلفة 1.2 مليار دولار، وينقل سنويًا 10.3 مليار متر مكعب من الغاز.
وليس الهدف اقتصاديًا فحسب، بل أيضًا يحمل أهدافًا جيوسياسية، وهو ما قد يغير من المعادلة الإقليمية ويرسخ لتوازنات جديدة، لأن هذا المد إلى لبنان سيحد من التلويح بورقة النفط الإيراني، ويكمن في هذا الاتفاق تحقيق منافع اقتصادية لجميع الأطراف، فسوريا عبر وجودها في هذا الخط، سيصبح الأمر بمثابة خطوة هام في سلسلة من الخطوات لعودتها مرة ثانية إلى جامعة الدول العربية، وقد تنضم لاحقًا إلى مشروع الشراكة الثلاثية، ومصر تستفيد في إطار تحولها إلى مركز إقليمي للطاقة، حيث تصدر فائض الغاز لديها وهو ما يدر إليها عملة صعبة ومن ثّم زيادة في الاحتياطي النقدي، والأردن أيضًا عبر هذه المشاريع التي تلعب فيها دورًا محوريًا ستجني رسومًا للعبور، وكذلك سوريا أيضًا ستحقق عوائد من رسوم العبور.
فضلًا عن المكاسب السياسية التي ربما تلحق بها، حيث تستفيد كلا من سوريا ولبنان بشكل دائم بفائض الغاز المصري، ولا سيما في ظل بحث مصر عن أسواق في دول الجوار في المقام الأول، كل ذلك يجعل هناك التفاف عربي حول القضايا العربية والإقليمية بعد أن أصابها الكثير من التصدعات خلال السنوات الماضية، وهو ما ينعكس على بناء أسس اقتصادية ذات روابط قوية تحت مظلة سياسية.
خاتمة
يدخل الوطن العربي مرحلة جديدة من التحالفات التي قد تجعله في المستقبل أكثر تكاملًا وتوحدًا، فخارطة الطريق للاتحاد العربي للكهرباء، من أجل اعتماد استراتيجيات لتمكن مؤسسات الكهرباء العربية من تنويع واستثمار أكبر لمصادر الطاقة المتوفرة من النفط والغاز ولمصادر الطاقة المتجددة المتاحة فيه، سينمي الصلات بين دول الربط الكهربائي ويطورها في القطاعات الإنتاجية المختلفة، كما أن نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية سيكون بمثابة خطوة هامة نحو مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها الدول العربية حالياً، حيث إن الطاقة الكهربائية تلعب دورا كبيراً في تحريك عجلة الاقتصاد، وبخاصة أن اقتصاديات الدول العربية لا يعتمد فيها استخدام الطاقات الاستراتيجية البديلة مثل الطاقة النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية والطاقات الجديدة والمتجددة، التي تحتاج إلى استثمارات ضخمة ومؤهلات تشغيلية متطورة لا تتوافر عند الكثير من الدول العربية، فضلًا عن أن التعاون بين دول خط الغاز العربي سيكون خطوة فعالة ومؤثرة في دعم المشاريع الاستراتيجية وتعزيز المصالح المشتركة والتي من شانها الانعكاس إيجاباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول.
وأخيرًا فإن اتجاه الدول العربية إلى قيام هذه التحالفات يعني محاولة البحث عن استراتيجيات جديدة وفتح آفاق تساعد على تعظيم الأهمية السياسية لتلك الدول في ظل سياسة المحاور الإقليمية. ومن المهم أن تتوافر الإرادة السياسية لإنجاز هذا التحالفات، وأن تستطيع الدول تجنب المحاولات التي يتوقع أن يواجهها المشروع، من قوى متعددة من خلال إدارة سياسية عقلانية ورشيدة.
[1] - الهيئة العامة للاستعلامات: العلاقات المصرية العراقية (مصر: الهيئة العامة للاستعلامات، 2021).
https://www.sis.gov.eg/section/127/14654?lang=ar
[2] - Egypt exports to Iraq: https://tradingeconomics.com/egypt/exports/ira
[3] - الهيئة العامة للاستعلامات: مرجع سبق ذكره.
[4] - المجلس التصديري للحاصلات الزراعية. https://www.aecegypt.com
[5] - محمد فرحات: "مصادر الطاقات المتجددة في العالم العربي واستخداماتها في التوليد الكهربائي"، مجلة النفط والتعاون العربي (الكويت: منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول - الأمانة العامة، 2019) ص 90.
[6] - الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي: الربط الكهربائي (الكويت: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي
والاجتماعي، 2020). https://www.arabfund.org/
[7] - سمير قطب: "دور شبكات الربط الكهربائي العربي في تعظيم استغلال الطاقات المولدة في وحدات الطاقات المتجددة غير المبرمجة"، مجلة النفط والتعاون العربي (الكويت: منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول - الأمانة العامة، 2019) ص40.
[8]- الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي: "التعاون العربي في مجال الربط الكهربائي نظرة تحليلية"، مجلة النفط والتعاون العربي (الكويت: الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، 2010) ص115.
[9] - https://al-ain.com/article/jordan-egypt-agreement-strengthen-electrical
*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.
سمر عادل
باحثة في الاقتصاد الدولي