العلاقات السعودية الصينية من منظور الاقتصاد السياسي وجيوبولتيك الطاقة
يتناول التحليل العلاقات السعودية الصينية من منظور الاقتصاد السياسي وجيوبولتيك الطاقة، ويتطرق إلى النمو المتسارع للعلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات والتي كان آخرها استضافة الرياض لمؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر، بعد قرابة الـ 6 أشهر على عقد القمم الثلاث للرئيس الصيني مع السعودية ودول الخليج والدول العربية.
الكاتب ستراتيجيكس
- تاريخ النشر – ١٦/٠٧/٢٠٢٣
شكّل مؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض يومي 11-12 يونيو 2023، خطوة أخرى متقدمة في مسار العلاقات السعودية الصينية، منذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى السعودية في ديسمبر 2022، والتي شهدت عقد ثلاث قمم صينية مع قادة السعودية ومجلس التعاون الخليجي والدول العربية، ووصفتها وزارة الخارجية الصينية بأنها "أكبر نشاط دبلوماسي بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية".
شهد المؤتمر مشاركة أكثر من 4500 شخصية من رواد الأعمال والخبراء والمستثمرين من القطاعين العام والخاص في 26 دولة، وتضمن العديد من اللقاءات والفعاليات الهادفة لتعميق التعاون الاقتصادي بين العالم العربي والصين، كما نتج عنه توقيع اتفاقيات بأكثر من عشرة مليارات دولار، وكان لافتاً فيه إعلان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح عن إطلاق "طريق حرير" عصري جديد بين الصين والعالم العربي.
لكن دلالات المؤتمر لا تتوقف عند ذلك، وتأتي استكمالاً لتوقيع الرياض وبكين اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وإطلاق خطة المواءمة بين رؤية السعودية 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية، أثناء زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى السعودية.
دلالات وأبعاد تطور العلاقات السعودية الصينية
تتأسس قراءة دلالات العلاقات السعودية الصينية وأبعاد تطورها المستقبلية، على مقاربة "الاقتصاد السياسي" كأداة تحليلية تُعنى بدراسة علاقات القوة والصراعات السياسية في شبكة تفاعلاتها وقاعدتها الاقتصادية باعتبار السياسة "تعبيراً مكثفاً عن الاقتصاد"، وباعتبار الاقتصاد السياسي للطاقة "مدخلاً إجرائياً لذلك التحليل"، وهو ما يتطلب دراسة أهم عناصر تلك المقاربة في حالة العلاقات السعودية الصينية، والمتمثلة بـرؤية السعودية 2030، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والمواءمة بينهما.
فقد جاءت خطة المواءمة ما بين الرؤية السعودية والمبادرة الصينية كنتيجة طبيعية للقواسم المشتركة ما بين البلدين في مشروعهما الاقتصادي وما يمكن أن تحققه تلك القواسم من مصالح استراتيجية لهما، فالسعودية تمتلك رؤية طموحة تحتاج للكثير من إنشاءات البنية التحتية وتطوير صناعات الطاقة غير التقليدية والذكاء الصناعي والتكنولوجيا الحيوية التي تستطيع الصين توفيرها بكفاءة عالية وشروط تنافسية، بدرجة لا تقل عن احتياج الصين لمصادر الطاقة والمواد الأولية السعودية بشكل خاص، والخليجية والعربية بشكل عام، وحاجتها للسعودية والدول الخليجية والعربية كأسواق لمنتجاتها أو الاستثمارات في أسواقها.
وفي الواقع؛ تُعبّر رؤية 2030 السعودية عن لحظة تحوّل في سياساتها الداخلية والخارجية، ودورها العربي والإقليمي والدولي، حيث أسست لسياسة خارجية جديدة قائمة على تعدد الشراكات وتنويع الخيارات وتبني الأدوات السلمية في مواجهة الأزمات، وكان ذلك واضحاً في الإعلان عن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية في 10 مارس 2023 بضمانة صينية، ومساعيها للوصول إلى اتفاق شامل يؤدي إلى وقف إطلاق النار بشكل دائم في اليمن، والدور السعودي في إجلاء الرعايا العرب والأجانب والبعثات الدبلوماسية من السودان، بالإضافة إلى الجهود المستمرة للتوصل إلى حل سلمي يُنهي الأزمة السودانية وهو ما ظهر في مبادرات جدة الثلاث بمشاركة أمريكية.
وبالتالي؛ فإن السعودية تسعى إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال رفع مستويات دورها السياسي والدبلوماسي، وذلك مرتبط بشكل وثيق مع طموحاتها الاقتصادية التي تتطلب بيئة إقليمية مُستقرة يتوفر لدى دولها أدوات ووسائل تحل بها النزاعات والصراعات سلمياً.
في الجانب الآخر؛ تبرز مبادرة الحزام والطريق التي تأسست على تعاظم الدور الدولي الصيني خاصة على الصعيد الاقتصادي، وهو ما عبّرت عنه كلمات الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة بكين 2013 في الدعوة إلى بناء "اقتصاد عالمي مفتوح" وتنمية حرة وبناء أنظمة تتبع "قوانين تجارة واستثمار نزيهة وعقلانية وشفافة"، وتحتل منطقة الشرق الأوسط مساحة مهمة في هذه المبادرة.
بالتالي يُمكن قراءة تنامي الروابط في العلاقات السعودية الصينية من مدخل الاقتصاد السياسي وجيوبوليتك الطاقة كما يلي:
أولاً: تعد السعودية من أكبر منتجي النفط في العالم، والصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم. وهذا ما أسس لشراكة استراتيجية شاملة، حيث تعتبر السعودية أكبر موردي النفط للصين، ومصدراً لـ 18 % من إجمالي مشترياتها من النفط الخام، وبلغت إجمالي الواردات النفطية الصينية من السعودية في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022 حوالي 55.5 مليار دولار. ويرتبط البلدان في استثمارات مشتركة بقطاع البتروكيماويات، إذ تقوم شركة (أرامكو) السعودية بمشروع بناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات في شمال شرق الصين والذي من المتوقع أن يبدأ تشغيلها في عام 2024. فضلاً عن استحواذها على حصة 10% في شركة رونغشنغ للبتروكيماويات المحدودة والمُدرَجة في بورصة شنجن (رونغشنغ).
ثانياً: يشمل التعاون المشترك بين بكين والرياض، بالإضافة إلى الطاقة والنفط، تجارة بينية واستثمارات مشتركة، إذ بلغت قيمة التجارة العربية الصينية 430 مليار دولار عام 2022، منها حوالي 106 مليار دولار مع السعودية، كما بلغت الاستثمارات الصينية في العالم العربي 23 مليار دولار عام 2021، منها 3.5 مليار دولار في السعودية.
ثالثاً: تسعى الدولتان لتعزيز علاقاتهما العسكرية والدفاعية، فقد أظهر البيان الختامي لقمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية في ديسمبر 2022، عن "تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية" وخاصة في مجالات مكافحة الجرائم المنظمة والإرهاب، وتبادل الخبرات في مجالات "الإنذار الاستخباراتي المبكر وتقييم المخاطر الأمنية"، وترتبط الدولتين في اتفاقيات دفاعية منها الشراكة ما بين الشركة السعودية لأنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية لتصنيع أنظمة حمولات الطائرات المسيرة في السعودية.
رابعاً: أصبحت السعودية تحمل صفة "شريك للحوار" في منظمة شنغهاي للتعاون منذ 29 مارس 2023، وهي المنظمة التي تقودها الصين ويقع مقرها في بكين، ما يعكس التطور في العلاقات ما بين الدولتين. وتُشير تقارير متعددة أن ثمة احتمالات كبيرة لانضمام السعودية إلى كتلة "بريكس" الاقتصادية، وهو ما قد يتضح خلال انعقاد قمة بريكس في جنوب أفريقيا المقررة بين 22 و24 أغسطس القادم.
خامساً: يشكل إعلان وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح عن إطلاق "طريق حرير" عصري جديد بين الصين والعالم العربي؛ محطة متقدمة من العلاقات السعودية الصينية، وتطبيقاً عملياً للمواءمة ما بين رؤية 2030 السعودية ومبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث حمل ذلك الإعلان جملة من المحددات المهمة، في مقدمتها وضع السعودية بمكانة محورية كجسر يربط الصين مع الدول العربية من جهة، ومع أفريقيا وأوروبا من جهة أخرى.
سادساً: تضمنت الدورة العاشرة لمؤتمر الأعمال العربي الصيني إطلاق "إعلان الرياض"، والذي يهدف إلى "تعزيز الشراكات الاقتصادية، واستكشاف فرص جديدة للتعاون، ودعم ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتبادل البحوث والابتكارات العلمية، وتنظيم برامج التأهيل والتدريب لتعزيز رأس المال البشري، وتفعيل التعاون لتحقيق استقرار السوق، والتصدي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وتعظيم مصادر الطاقة المتجددة". بالإضافة إلى ما نتج عن المؤتمر من صفقات نوعية الصفقات تجاوزت قيمتها عشرة مليارات دولار منها:
1- وقعت شركة أمار الأولى ومجموعة زهونغهوان الدولية المحدودة صفقة بقيمة 533 مليون دولار، لإنشاء مصنع لمعالجة الحديد الخام، وتصنيع كريات الحديد لمعامل الصهر.
2- وقعت وزارة الاستثمار السعودية اتفاقية مع شركة "هيومن هورايزن" (Human Horizons) الصينية المتخصصة في تطوير تقنيات القيادة الذاتية وتصنيع السيارات الكهربائية، صفقة بقيمة 5.6 مليارات دولار، لتأسيس مشروع مشترك لتصنيع وبيع المركبات الكهربائية.
3- وقعت مجموعة ASK وشركة التعدين والجيولوجيا الوطنية الصينية، اتفاقية بقيمة 500 مليون دولار لتطوير وتمويل وإنشاء وتشغيل مشروعٍ لتعدين النحاس في منطقة الدرع العربي.
4- وقعت شركة مباني الصفوة المحدودة وشركة مجموعة غيزهوبا للهندسة الدولية المحدودة، ومؤسسة توب العربية للهندسة الدولية المحدودة اتفاقية إطارية بقيمة 266 مليون دولار، لتشييد المباني المتقدمة في السعودية.
5- وقعت وزارة الاستثمار السعودية وشركة هيبوبي للتكنولوجيا المحدودة، اتفاقية بقيمة 266 مليون دولار، لتطوير تطبيقات في مجال السياحة.
وأخيراً، فمن خلال ما تقدم يمكن استخلاص معالم رئيسة في مسار العلاقات السعودية الصينية، حيث:
أولاً: تتأسس تلك العلاقات على قواعد ثابتة من مبادئ الاقتصاد السياسي بشكل عام، والاقتصاد السياسي للطاقة بشكل خاص، حيث تشكّل القوة الاقتصادية بنية أساسية للدور السياسي للدولة، وعاملاً مركزياً في رسم سياساتها وتحديد نفوذها وشبكة علاقاتها، في ظل حالة من التأثير المتبادل ما بين عناصر القوة الاقتصادية والدور السياسي، أو بين السوق والسياسة الخارجية، حيث لا تنفصل الأهداف السياسية عن الأهداف الاقتصادية، وبحيث يتعزز الدور السياسي بزيادة القوة الاقتصادية، وتتعزز القوة الاقتصادية بزيادة النفوذ السياسي، والعكس صحيح.
ثانياً: تسير العلاقات السعودية الصينية في مسار براغماتي تقدمي يتسم بالتعمق والتطور الهادئ في ظل تحولات كبيرة يشهدها المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً، وهو ما يصبّ في المصالح الاستراتيجية للدولتين، ويتوقع أن يشهد مسار تلك العلاقات تطورات متسارعة في الشهور والسنوات القادمة، خاصة بعد موافقة السعودية على الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون بصفة "شريك حوار"، وفي حالة انضمامها لكتلة "بريكس" الاقتصادية، وحجزها مكانة جيوسياسية مفصلية في مشروع "الحزام والطريق".
ثالثاً: رغم أنّ تطور العلاقات السعودية الصينية ينظر أنه يأتي بناءً على تقارب مواقفهما تجاه الولايات المتحدة، إذ أظهرت السعودية مؤخراً أن مواقفها تتناسب وطبيعة مصالحها، كما في مواقفها الأقرب للحياد من الأزمة الأوكرانية، وفي الموقف السعودي الداعم لخفض الإنتاج النفطي في منظمة أوبك+ رغم الاعتراضات الأمريكية، إلا أنّ ذلك لا يعني التحرر من استراتيجية العلاقات السعودية الأمريكية بقدر ما يعني دخول تلك العلاقات مرحلة جديدة أكثر توازناً بالنسبة للسعودية. في حين أن الصين تسعى لتجاوز الطابع التنافسي والضغوط الاقتصادية الغربية تجاه مصالحها الحيوية.
رابعاً: يعتبر التوجه الصيني لتطوير العلاقات مع السعودية ودول الخليج والشرق الأوسط توجه استراتيجي يحكمه طابع التعاون المفقود في المجال الغربي المحكوم بطابعه التنافسي تجاه الصين، وفي ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية ومشكلات أمن الطاقة والأمن الغذائي التي تشكل تحدياً مشتركاً للدولتين، وهذا ما يقتضي تأسيس بيئة حاضنة آمنة للاستثمارات الصينية الضخمة في المنطقة، ويستلزم ترتيبات سياسية جديدة قائمة على تهدئة بؤر التوتر وحل النزاعات بالطرق السلمية، وهو ما بدأ يتحقق باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية بضمانه صينية.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات