الطريق الصعب لاستئناف العلاقات المصرية الإيرانية
تقدم الورقة قراءة في مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية، في ضوء العديد من المؤشرات والمستجدات في سياق من الحوار والمحادثات الثنائية والإقليمية، وما هي فرص نجاحها في ظل المعوقات الهيكلية الكامنة في علاقات الدولتين والتي أبقتها مقطوعة منذ عام 1979؟
الكاتب د. شحاتة العربي
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٢٧/٠٣/٢٠٢٢
المقدمة
ثمة أسباب عديدة تجعل من العلاقات المصرية-الإيرانية موضوعاً مهماً لدى دوائر البحث والسياسة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها على الدوام، أولها أهمية كل من مصر وإيران في منطقة الشرق الأوسط سواء فيما يتعلق بالثقل السياسي أو الحجم السكاني أو التجربة الممتدة في أعماق التاريخ، ثانيها موقع البلدين الأساسي والمؤثر في معادلة التوازن الإقليمي من ناحية والسياسة الدولية تجاه المنطقة من ناحية أخرى، ثالثها أن العلاقة بين مصر وإيران كانت وما زالت وستظل أحد المحددات المهمة لحركة التحالفات والاصطفافات الإقليمية.
الخلفية التاريخية للعلاقات المصرية- الإيرانية
تمتد العلاقات المصرية-الإيرانية إلى عمق التاريخ، حيث تتحدث المصادر التاريخية المختلفة عن أنها تعود إلى عصر قورش الكبير الذي حكم إيران خلال الفترة من 558-529 قبل الميلاد، حيث جرت اتصالات بينه وبين الفراعنة، ثم كانت مصر مجالا للصراع بين الفرس واليونانيين ثم بين الفرس والرومان ثم بين الدولتين الصفوية والعثمانية إبان "العصر الإسلامي".
وفي عام 1939 عرفت مصر وإيران علاقة مصاهرة ملكية من خلال زواج نجل الشاه في ذلك الوقت، محمد رضا بهلوي، من الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق الأول، ملك مصر والسودان، لكن ما لبث الزواج أن انتهى بالطلاق في عام 1948 مما أدى إلى بعض التوتر في العلاقة بين البلدين.
وعلى الرغم من أن علاقات طهران بالقاهرة قد شهدت بعض التحسن خلال فترة قصيرة بعد ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، وهي الفترة التي تواجدت فيها حكومة مصدق في إيران التي سحبت اعتراف بلادها بإسرائيل، فإنها سرعان ما عادت إلى الخلاف والتوتر، بعد الإطاحة بمصدق عام 1953.
لكن وفاة جمال عبد الناصر في مصر ومجيء أنور السادات إلى الحكم في 1970 ساهم في تحسين العلاقات بينهما وأخرجها من مرحلة التوتر والصراع السابقة. لكن أعاد نجاح "الثورة الإيرانية" عام 1979 العلاقات إلى التوتر والقطيعة مرة أخرى، إذ اتخذ السادات موقفا عدائيا من الثورة بسبب صداقته للشاه الذي استضافته مصر وظل فيها حتى وفاته. فضلا عن ذلك فإن الثورة الإيرانية جاءت بتوجهات معادية للغرب والولايات المتحدة الأمريكية ولم يعد البلدان مرتبطان بحليف دولي واحد. وزاد من حدة التوتر إبرام اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979، إذ قطعت إيران على إثرها علاقاتها الدبلوماسية مع مصر.
واستمرت حالة القطيعة في ظل فترة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي سار على سياسات السادات سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الموقف من التوجهات السياسية الدينية، وفاقم من التوتر بين البلدين اتهام مصر لطهران بالتورط في دعم الجماعات الإرهابية المصرية.
لكن حالة القطيعة الدبلوماسية لم تحل دون بعض مظاهر التواصل التي كانت إيران هي المبادرة بها والساعية إليها، خاصة في ظل ما لحق سياستها الخارجية تجاه المنطقة العربية من مراجعات بعد وفاة الخميني وانتهاء الحرب مع العراق ومجيء هاشمي رافسنجاني (1989-1997) ومن بعده محمد خاتمي (1997-2005) إلى سدة الرئاسة بتوجهاتهما البراجماتية.
لكن تعامل مصر مع ملف العلاقات مع إيران بشكل عام ومبادرات طهران بشأنها في عهد حسني مبارك، اتسم بالتردد والتحفظ، واستمرت العلاقات بين الجانبين في حالة قطيعة دبلوماسية حتى فبراير 2011.
حيث اتجهت القاهرة الى "مراجعة" سياستها تجاه إيران، وهذا ما ظهر من تصريحات وزير الخارجية الأول بعد أحداث 25 يناير؛ نبيل العربي، بأن مصر لا تعتبر أن إيران دولة عدوة وأنها مستعدة لفتح صفحة جديدة معها، وسمحت كذلك بمرور سفن حربية إيرانية في قناة السويس، لأول مرة منذ العام 1979. ثم جاءت زيارة الرئيس المصري السابق محمد مرسي إلى ايران في أغسطس 2012 لحضور مؤتمر قمة عدم الانحياز لتمثل حدثا كبيرا في مسار العلاقة بين البلدين باعتبارها كانت الزيارة الأولى لرئيس مصري إلى طهران منذ "الثورة الإيرانية".
لكن الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013، أعادت العلاقات إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، خاصة مع حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المتكرر حول أمن الخليج العربي وكونه امتداد لأمن مصر، فضلاً عن اتساع التوتر بين إيران والسعودية.
تأثير المتغيرات والمحددات الجديدة
ثمة مؤشرات ومتغيرات عدة ظهرت خلال الفترة الماضية، تدعو لطرح السؤال التالي: هل تتجه العلاقات بين مصر وإيران إلى التقارب بعد عقود طويلة من القطيعة؟
ولعل أهم هذه المتغيرات والمؤشرات هي:
أولاً: التطورات التي جرت في مسار علاقات إيران مع دول الخليج العربي، وخاصة حليفتي مصر الرئيسيتين في الخليج، دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ وذلك في ضوء زيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران في ديسمبر 2021، ودخول السعودية وطهران في أربع جولات من المحادثات التي استضافتها بغداد، وثمة حديث عن جولة خامسة قريباً. وهو ما دعا البعض إلى مطالبة القاهرة بإعادة النظر في علاقاتها مع طهران. وتنبع أهمية هذه التطورات من اعتبارين:
- أن المتغير الخليجي هو أحد المحددات الرئيسية للعلاقات بين مصر وإيران؛ حيث تدرك الأخيرة أن أي محاولة للتقارب مع القاهرة في ظل التوتر مع الرياض وأبوظبي لن يُكتب لها النجاح. وقد عبر المدير العام للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الإيرانية مير مسعود حسينيان، في أكتوبر 2021، عن هذا المعنى بقوله " إننا نعمل على تحسين العلاقات مع مصر، وإن حل المشاكل بين طهران والرياض قد يكون له تأثير على هذه القضية".
- أن مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعطي العلاقات مع دول الخليج العربي، خاصة الإمارات والسعودية، أهمية استثنائية، في ظل العلاقات الاقتصادية المُتقدمة بين الطرفين.
ثانياً: التحولات التي تجري في نمط التفاعلات الإقليمية في المنطقة، وذلك لجهة مراجعة السياسات السابقة لمصلحة سياسات أكثر براجماتية وجنوحاً إلى التعاون والتفاهم لأسباب كثيرة أهمها: التغير الذي لحق بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة العربية لجهة تراجع اهتمامها بها لمصلحة التركيز على منطقة المحيط الهادي في مواجهة الصين التي تعتبرها الخطر والتهديد الرئيسي على قيادتها العالمية، إضافة إلى الدروس التي قدمتها الصراعات في المنطقة خلال العقد الماضي.
ثالثاً: التحالفات "المرنة" والتفاعلات الإقليمية "السائلة"، والتي أصبحت تميز التفاعلات السياسية في المنطقة، وتُركز على التعاون بين الدول في القضايا والملفات محل الاتفاق، على الرغم من وجود خلافات في وجهات النظر والمواقف حول قضايا وملفات أخرى. وهذا يتيح لدول بينها خلافات وربما صراعات في مناطق أو موضوعات معينة، التعاون بشأن قضايا تتعلق بمصالحها العليا واعتبارات أمنها الوطني، وينطبق ذلك على كل من مصر وإيران.
رابعاً: الإشارات التي ظهرت على السطح خلال الفترة الماضية في إطار العلاقات بين البلدين، وأهمها لقاء وزير الخارجية الإيراني وزراء خارجية ومسؤولين رفيعي المستوى من السعودية والأردن والكويت ومصر وقطر وتركيا على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2021، وتأكيد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في أكتوبر 2021 أن "التقدم في العلاقات بين القاهرة وطهران إلى الأمام يصب في مصلحة المنطقة"، وما أثير بعدها من حديث عن لقاءات استكشافية أجريت على مستوى خبراء ومتخصصين مصريين وإيرانيين. وفي أغسطس 2021، أعلن زادة، عن محادثات جرت بين وزيري الخارجية المصري والإيراني، على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة.
كما تحدثت مصادر مصرية أن القاهرة نقلت رسائل لطهران ترفض من خلالها وجود الجماعات المُسلحة المدعومة من إيران في العراق، وحذرت من عواقب أي تهديد لأمن البحر الأحمر، وطالبتها بوقف التدخل في الشؤون الداخلية العربية.
خامساً: اهتمام مصر بتعزيز العلاقات مع العراق ولبنان وسوريا، وهذا ربما يمثل عاملاً لدفع القاهرة إلى إعادة النظر في علاقاتها مع طهران. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى:
- انخراط مصر مع العراق والأردن في شراكة تنموية ثلاثية منذ عام 2019.
- مشروع إيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.
- التطور المتوقع في علاقات القاهرة ودمشق؛ حيث إن مصر من الدول العربية التي تؤيد عودة سوريا إلى الجامعة العربية والصف العربي.
سادساً: رغبة مصر في الحفاظ على الهدوء في غزة في ضوء ارتباط طهران بعلاقات وثيقة مع العديد من الفصائل المسلحة في قطاع غزة ومنها حركتي حماس والجهاد وغيرهما. وفي الوقت نفسه فإن القاهرة يهمها الحفاظ على الاستقرار في القطاع وعدم تصعيد الصراع العسكري مع إسرائيل، إضافة إلى دورها في ملف المصالحة الفلسطينية. وهذا يجعل مصر في حاجة إلى التواصل مع إيران، بشكل أو بآخر، في إطار السعي للحفاظ على الاستقرار في غزة وعدم استخدامها كورقة إيرانية لمواجهة إسرائيل.
سابعاً: اهتمام مصر بأمن الملاحة في ظل التهديد الحوثي المتواصل على أمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لما لذلك من تأثير كبير على حركة الملاحة في قناة السويس. وبالنظر إلى علاقة إيران الوثيقة بالحوثيين في اليمن الذين بمقدورهم التأثير سلباً على الملاحة في البحر الأحمر، فإن هذا عامل آخر من العوامل التي يمكن أن تقرب بين القاهرة وطهران.
وأخيراً، فإن حرب أوكرانيا وما أدت إليه من استقطاب دولي وإقليمي، يمكن أن تؤثر، بشكل أو بآخر، على علاقات مصر وإيران، على اعتبار أن البلدين قريبين من روسيا، واتخذا مواقف تعد أقرب إليها في الحرب. وهذا ربما يدفع موسكو خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا تطورت الأمور نحو استقطاب دولي حاد، إلى العمل على التقريب بين حلفائها في المنطقة ومنهم طهران والقاهرة.
معوقات وعقبات
لكن على الرغم مما سبق، فإن مصر وإيران لم تنخرطا في حوار سياسي مثلما حدث بين إيران والسعودية أو بينها وبين الإمارات، وما لبثت الأخبار عن اتصالات بين الجانبين تتوارى حتى اختفت تماماً.
وهذا يقودنا للحديث عن المعوقات الهيكلية الكامنة في علاقات البلدين والتي أبقتها مقطوعة منذ عام 1979، حتى على الرغم من الفترات التي كانت فيها علاقات إيران مع جوارها الخليجي تتسم بالإيجابية كما جرى في عهد الرئيس محمد خاتمي (1997- 2005).
ولعل أهم هذه المعوقات هي:
أولاً: بالنظر إلى أن الدولتين كبيرتين ولهما طموحات إقليمية، فنجد أن التنافس هي السمة الرئيسية والممتدة للعلاقة المصرية الإيرانية عبر التاريخ، وهذا ما يحول دون اقامة "تحالف" مستقر بينهما، باعتبار أن خلافات الجانبين حول ملفات رئيسية في المنطقة ليست طارئة أو عرضية وإنما ذات امتدادات عميقة وتقع في صلب العلاقات فيما بينهما، ومن أهم ملفات الخلاف المُعاصرة تكمن في أمن الخليج، والعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، والسلوك الإقليمي الإيراني وغيرها.
ثانياً: ثمة مؤشرات تُفضي بإمكانية نجاح مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني، في الوصول إلى اتفاق قريب. الذي سيتحدد الموقف المصري والخليجي منه بناءً على طبيعته؛ وهل سيشمل ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية وسلوكها الإقليمي، وهي المخاوف التي طالبت دول الخليج بمعالجتها في أي اتفاق قادم. ولهذا إذا ما أغفل الاتفاق حسابات الدول الإقليمية ومخاوفها، فربما يمثل عائقاً أمام علاقات القاهرة وطهران. بل قد يؤدي إلى تدهور العلاقات المصرية الإيرانية، إذا ما أخذنا في الحُسبان أن الاتفاق النووي عام 2015، أتاح لطهران المزيد من الأموال لتعزيز حضورها العسكري والسياسي في المنطقة.
ثالثاً: حسابات العامل والموقف الأمريكي من أي تحرك تجاه إيران، خاصة بالنظر إلى طبيعة التعاون بين المؤسسة العسكرية المصرية والأمريكية، وهي العلاقة التي يحرص الطرفان على استمرارها.
رابعاً: تمثل إسرائيل محدداً أساسياً من محددات العلاقات المصرية-الإيرانية، ربما يفوق غيره من المحددات الأخرى، وذلك في ظل التوترات الشديدة بين إيران وإسرائيل والتي يمكن أن تقود إلى مواجهة عسكرية في أي وقت. وهذا يجعل القاهرة مترددة في اتخاذ خطوات جادة تجاه علاقاتها مع طهران، لسببين: أولهما لضمان عدم التأثير على التطور في العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد أن استضافت شرم الشيخ اللقاء الثلاثي بين الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي وولي عهد أبو ظبي، إلى جانب اجتماع النقب الذي ضم وزراء خارجية الولايات المتحدة إسرائيل والمغرب ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وثانيهما؛ لتفادي الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها في حال أي صدام عسكري بين تل أبيب وطهران.
خامساً: قلق إيران من علاقات مصر مع العراق وسوريا ولبنان، فعلى الرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قال، إن بلاده ترحب بمشروع الشراكة بين العراق والأردن ومصر، فإن طهران نظرت إلى التقارب الثلاثي باعتباره مصدر تهديد وخطر على علاقاتها مع العراق، ولذلك أعلنت عزمها على إجراء مباحثات مع العراق بهدف التوصل إلى اتفاق استراتيجي بين البلدين.
فضلاً عن ذلك تنظر طهران إلى مشروع نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا على أنه موجه للضغط عليها، خاصة مع سعيها إلى تزويد وإرسال شحنات من نفطها إلى لبنان.
كما تدرك إيران أن أي تقارب عربي مع سوريا سوف يؤثر على العلاقات بين طهران ودمشق بشكل أو بآخر، خاصة وأنها محل مساومة متوقعة في كل تحرك عربي تجاه دمشق.
سادساً: تقلبات العلاقة الإيرانية مع دول الخليج العربي، فعلى الرغم من بعض الإشارات الإيجابية في مسار العلاقات بين إيران وكل من السعودية والإمارات، كما سبقت الإشارة، فإن العلاقات الخليجية-الإيرانية تتسم بالتقلب والتحول السريع بسبب فقدان الثقة بين الجانبين إضافة إلى الخبرات السلبية السابقة.
وفي هذا السياق لا يزال التقارب الخليجي الإيراني في طور المحادثات، ولم ينعكس بشكل ملموس على القضايا الخلافية، إذ يستمر تصعيد جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن، في مواجهة التحالف العربي لدعم الشرعية، حيث تٌصر إيران على حصر الحوار في العلاقات الثنائية دون التطرق إلى القضايا الإقليمية التي تعد محل الخلاف الأكبر والأكثر تعقيداً، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الإيراني بقوله " السعودية ترغب بالحوار بشأن ملفات إقليمية، لكنه حوار يركز على العلاقات الثنائية"، مطالباً بـ "حوار إقليمي واسع يشمل السعودية ومصر وتركيا لحل مشاكل المنطقة"، وهذا يجعل المحادثات بين الجانبين معرضة للتدهور والتوقف في أي وقت.
سابعاً: بصرف النظر عن أي تطورات، فإن مصر حريصة على إبقاء العلاقة مع إيران ورقة استراتيجية في يدها في علاقاتها مع دول المنطقة، خاصة أنها تطرح نفسها كقوة عربية في مواجهة الخطر الإيراني. وهذا يجعل القاهرة في حالة تردد فيما يتعلق بإعادة علاقاتها مع طهران، حتى في الفترات التي كانت فيها العلاقات بين طهران ودول الخليج العربية إيجابية أو هادئة خاصة في عهدي خاتمي ورافسنجاني، كما سبقت الإشارة، حتى إن البعض تحدث عن "عقدة مصر" في العلاقات الإيرانية-العربية منذ الثورة.
وفي هذا السياق فإن مصر، لأسباب عديدة، ربما لا ترى حاجة ملحة لتطبيع العلاقات مع إيران في ظل الظروف الحالية، سواء بسبب البعد الجغرافي، أو بسبب ضعف أو انتفاء العلاقات التجارية والاقتصادية؛ فوفقاً لرئيس التمثيل التجاري المصري، "لا توجد علاقة تجارية مباشرة بين الطرفين وإنما عن طريق طرف ثالث".
ثامناً: قلق مصر من العلاقة بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، حيث تعتبر القاهرة الجماعة خطراً رئيسياً على الاستقرار، ومن هنا فإن الموقف منها يُعد محدداً أساسياً في علاقاتها الخارجية، وعلى الرغم من التباين بين مشروعي إيران والإخوان المسلمين السياسي، فإن هذا لم يمنع من إقامة العلاقات فيما بينهما؛ فقد كان مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا من أكثر المتحمسين لحركة التقريب بين السنة والشيعة التي ظهرت في الأربعينيات، وتأثر قائد الثورة الإيرانية الخميني، بشكل أو بآخر، في رؤيته لـ "الحكومة الإسلامية" بفكرة "الحاكمية" لسيد قطب، أحد قادة الإخوان، وقد ترجم المرشد الإيراني علي خامنئي كتاب قطب "المستقبل لهذا الدين" إلى الفارسية في عام 1966، وبعد قيام "الثورة الإيرانية" عام 1979 أرسلت الجماعة وفدا إلى طهران للتهنئة بها، وبعد وفاة الخميني عام 1989 أصدرت الجماعة نعياً وصفت فيه الخميني بأنه "فقيد الإسلام" و "القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة".
وإبان حكم الإخوان لمصر بعد 2011، نشرت التايمز البريطانية تقريراً تحدث عن سعي طهران لتقديم مساعدة أمنية واستخباراتية للحكم "الإسلامي" في مصر لتمكينه من بناء أجهزته الأمنية والاستخباراتية، وأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني، زار القاهرة بشكل سري لهذا الغرض، وأن أعضاء في مجلس الارشاد في جماعة الإخوان المسلمين المصرية قد أكدوا حدوث هذه الزيارة.
وفي ضوء كل ما سبق، يُتوقع أن تظل مصر، كما كانت خلال العقود الماضية، "عقدة" في مسار العلاقات العربية-الإيرانية في المدى المتوسط أو المنظور، لأن العوامل التي تتحكم في العلاقات بين البلدين على درجة كبيرة من التعقيد والتداخل، فضلاً عن عدم وجود حاجة مصرية ملحة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لإعادة العلاقات مع طهران، لاعتبارات كثيرة، وأخيراً لأن هذه العلاقات ترتبط، بعوامل عربية وإقليمية ودولية. هذا فضلاً عن أن جُل الاهتمامات المصرية فيما يتعلق بالعلاقة مع طهران هي اهتمامات أمنية تتعلق بدور إيران في غزة وعلاقاتها مع الإخوان المسلمين وارتباطها بأمن البحر الأحمر، وهذه كلها أمور يمكن التنسيق بشأنها ضمن الإطار الأمني والاستخباراتي دون حاجة ملحة لخطوات كبيرة على المستوى السياسي.
*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.
د. شحاتة العربي
باحث مختص في شؤون الشرق الأوسط