السودان الجديد.. يخطو على طريق الازدهار

لطالما كان وضع السودان، الذي يعده كثير من العرب وطناً ثانياً لهم، مقلقاً على امتداد العقد الماضي، وهو يرزح تحت وطأة الدكتاتورية والعزلة الدولية من جهة، والفقر والتنظيمات الإرهابية من جهة ثانية. لقد كان السودان الغني وأهله الطيبون على شفا هاوية.

الكاتب حسن إسميك
  • تاريخ النشر – ١٢‏/٠٢‏/٢٠٢١

يقول العارفون إن الملفات العربية متشابكةٌ حدَّ التعقيد، وإن بدت منفصلةً، وإن مشكلات أي بلد عربي ستنعكس على بلدان عربية أخرى، كما سيُنتج ازدهار دولة عربية بعينها ازدهارا في بقية أنحاء العالم العربي. لذلك وفي الوقت الذي يحاول المراقب فيه تسليط الضوء على إنجازات بعض الدول العربية، لا يستطيع إلا أن يشعر بالقلق حيال أزمات أخرى.

وفي هذا السياق، لطالما كان وضع السودان، الذي يعده كثير من العرب وطناً ثانياً لهم، مقلقاً على امتداد العقد الماضي، وهو يرزح تحت وطأة الدكتاتورية والعزلة الدولية من جهة، والفقر والتنظيمات الإرهابية من جهة ثانية. لقد كان السودان الغني وأهله الطيبون على شفا هاوية.

غير أن تلك المخاوف أخذت تضمحل منذ استلام المجلس العسكري مقاليد الأمور عقب ثورة الشعب السوداني التي اطاحت الرئيس عمر البشير، وبدأ بقيادة الأخ عبدالفتاح البرهان يحقق التقدم الملموس على المستوى السياسي، ومن خلال الزيارات إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية في 24 و25 و26 من شهر مايو (أيار) 2019، وذلك في تحرك دلّ بوضوح على أنه يسير في الطريق الصحيح.

ومن يزر السودان يتبدد القسط الأكبر من مخاوفه حين يعاين الإنجازات التي تحققت والجهود المتواصلة للانتقال بالسودان إلى عهد جديد من الأمن والأمان، والانفتاح والتحرر، والبناء والتنمية. وكل هذا بات حقيقة واقعة في مدة قياسية عجزت قيادات سابقة عن ترجمته إلى واقع في فترات أطول بكثير.

وقريباً سيحتفل السودانيون بالذكرى الثانية لثورتهم، لكنهم لن يكونوا هذه المرة وحدهم، فبلادهم كسرت طوق العزلة التي عانت منه لثلاثة عقود ولم يعد اسمها على قائمة الدول الداعمة للإرهاب.

من جهة ثانية، لا شك أن السلام هو المفتاح لحل أغلب مشكلات بلداننا، علاوة على كونه شرط الاستقرار الذي ترتكز عليه عمليات التنمية. لكن لا يمكن لخيار السلام الحفاظ على جوهره إذا لم تتبعه خطوات تالية لتحقيق أهداف التنمية والتطوير. وعليه فإن اتفاق السلام بين السودان وإسرائيل إنجاز تاريخي مهم، مع التشديد على ضرورة العمل كي لا يكون شبيهاً باتفاق «إسرائيل» مع لبنان عام 1983، أو مع جنوب السودان عام 2011. ولتجنب ذلك يجب أن تلعب الدول الداعمة، العربية في الدرجة الأولى، والغربية أيضاً، أدوارها المطلوبة.

والحق أن السودان يحتاج اليوم إلى ثلاثة حزم رئيسة من الدعم، هي: إعادة هيكلة الديون، والمساعدات الإغاثية والتنموية، والضمانات الحقيقية للاستثمار.

في هذا السياق، مطلوب أولاً من منظمتي صندوق النقد والبنك الدوليين، دعم السودان والتعجيل بإعادة هيكلة ديونه الخارجية والتي تتجاوز الـ 60 مليار دولار أمريكي. وتصفية أكثر من 3 مليارات دولار من المتأخرات. ولا بد من منحه حق الاستفادة من الآلية التي وضعها صندوق النقد والبنك في العام 1996 لإعفاء ديون البلدان الفقيرة. كما تستطيع الدول المانحة أن تخصص حصصاً من موازناتها لتخفيف أعباء ديون السودان، فهو يستحق ذلك وعن جدارة.

ويجدر بالدول الداعمة للسودان أيضاً أن تقدم مساعدات إنسانية إسعافيه تضمن انخفاض أسعار الخبز، لتخفيف المعاناة وتقليص طوابير الوقود، وتوفير الكهرباء... إلخ من الاحتياجات اليومية التي سيثبت توفرها للمواطن السوداني العادي، أن البلاد باتت على طريق الخروج من الأزمة.

كما يحتاج السودان مساعدات أخرى تنموية في مختلف القطاعات، كالصحة، والتعليم والبحث العلمي، والنظام المصرفي، والتأمين الاجتماعي ..، على أن تقترن المعونات المادية بإتاحة المجال أمام السودان للوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة في مختلف المجالات.

أما الاستثمار، وخصوصاً ما يتعلق منه بالطاقة والنقل والمواصلات والبناء، والصناعة من ناحية إعادة تأهيل بناها التحتية وإنشاء بنى جديدة، فهو يتطلب إجراء مؤتمرات على مستوى الدول، بعضها عربي وبعضها الآخر بدعوة أمريكية، بالإضافة إلى إرسال وفود تجارية واستثمارية إلى السودان لتقييم الوضع القائم ودراسة الممكنات والفرص الاستثمارية الكبيرة فيه. 

وإذا أرادت الإدارة الأمريكية الجديدة أن تفي بوعودها المتعلقة باستعادة دور البلاد كقائد عالمي، فإن عليها أن تدعم قضايا الديمقراطية في العالم. ويمكن أن يكون ملف السودان مدخلاً مهماً في هذا السياق إذا ما عمدت الإدارة الجديدة، إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقديم قرض يكفي لتسديد متأخرات ديون السودان للبنك الدولي، فيتمكن بالتالي من الوصول لمصادر تمويل بنحو مليار ونصف المليار دولار سنوياً.

على الولايات المتحدة أيضاً لعب دور حاسم في مفاوضات سد النهضة، خاصة وأن استلام الاتحاد الأفريقي للملف لا يبدو مجدياً، إذ لا تلوح في الأفق أي ملامح لأي اتفاق عادل حول ملء السد وتشغيله، يضمن حقوق السودان ومصر.

من خلال دعم الولايات المتحدة للسودان تعزز عملية الانتقال السلمي للديمقراطية في منطقة القرن الأفريقي وما وراءها، وتشجع على السير في طريق تحقيق السلام الشامل في المنطقة. هكذا فقط تثبت الولايات المتحدة للعالم أن نهج «اللامبالاة» السابق قد انتهى، وأنها تبذل كلّ الجهود لتنشر بالتوازي الاستقرار والديمقراطية، من دون أن تفضل إحداهما على الأخرى.

لكن هناك تحديات وأخطار منها استهداف بعض الدول المتضررة من السلام في المنطقة كإيران مثلاً استقرار السودان وتعمل عبر وكلائها على زعزعته. فبالنسبة إليها، لطالما كان السودان طريق عبور محوري لتهريب الأسلحة، وقد أفادت تقارير أمنية واستخباراتية بأن طهران استفادت من علاقاتها مع قيادات سودانية سابقة لتهريب الأسلحة عبر البلاد وإيصالها إلى أكثر من جهة.

يجب أن تقف الولايات المتحدة ومعها كلّ الدول المحبة للسلام في وجه أي استهدافات للسودان الجديد ومنع حدوث انقسام في البلاد أو نكوص باتجاه الحرب، وتأمين الطريق نحو الديمقراطية التي تلبي تطلعات ملايين السودانيين.

عانى السودان كثيراً رغم كل ما يتمتع به من خصائص وإمكانات، ولم تنجح الدكتاتورية والقمع في ظل قيادات سابقة في خنق المجتمع المدني السوداني، بنقاباته وجمعياته المهنية، بل ظلَّ فاعلاً. وكان المشهد السياسي في البلاد من الأكثر تنوعاً وحيوية في العالم العربي، ويستحق السودان اليوم بكل هذه المقومات، وبعد ثلاثين عاماً من الظلم والإدارة الفاشلة لموارد البلاد، أن يفتح صفحة جديدة من الصداقات.

كما أن الشباب السوداني، الذي تظاهر بوعي لمدة خمسة أشهر في ثورة تاريخية لم تنزلق إلى العنف، وحافظت على بوصلتها واضحة، يستحق حصد ثمار ثورة ديسمبر: حرية.. سلام.. وعدالة.

واخيراً، إن توقيع السودان، وهي الدولة التي حاربت إسرائيل بشكل مباشر، اتفاق سلام، يعني أن بإمكان الجميع أن يصنعوا السلام الذي أعطاه السودان زخماً قد يكفي لدفع عجلته إلى الأمام. ولئن أخذت الدول الداعمة بيد السودان على طريق الازدهار والاستقرار، ستعيد الدول العربية كلها موقفها من السلام وتتحمس لخوض غماره.

حسن إسميك

رئيس مجلس أمناء STRATEGIECS