*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.
الانتخابات التشريعية في تونس: قراءة تقييمية
تتناول هذه الورقة بعض المسائل الرئيسية التي من شأنها أن تُعرف بالانتخابات التشريعية القادمة في تونس، كأهم التغييرات التي تضمنها القانون الانتخابي الجديد، وطبيعة الترشحات وأهم ما يميزها، وسير الحملات الانتخابية، والتركيبة المتوقعة للمجلس التشريعي القادم.
الكاتب د. عبد الكريم براهمي
- تاريخ النشر – ١٤/١٢/٢٠٢٢
تعتبر الانتخابات التشريعية التي ستُجرى في تونس يوم 17 ديسمبر 2022 هي الرابعة منذ أحداث عام 2011، والأولى منذ أن اعتمد الدستور التونسي الجديد في 25 يوليو 2022، وهي الانتخابات التي تشرف على تنظيمها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتأتي وسط أزمة سياسية تعيشها البلاد منذ سنوات. وتختلف انتخابات هذا العام عن الانتخابات الثلاث السابقة في عدد من المستويات؛ أهمها طريقة الانتخاب التي ينظمها القانون الانتخابي الجديد، وصلاحيات المجلس التشريعي التي يُحددها الدستور الجديد.
وعليه تتناول هذه الورقة بعض المسائل الرئيسية التي من شأنها أن تُعرف بالانتخابات التشريعية القادمة في تونس، منها أهم التغييرات التي تضمنها القانون الانتخابي الجديد، وطبيعة الترشحات وأهم ما يميزها، وسير الحملات الانتخابية، والتركيبة المتوقعة للمجلس التشريعي القادم.
مستجدات القانون الانتخابي
في 14 سبتمبر عام 2022، جرت العديد من التعديلات على القانون الانتخابي التونسي (القانون الأساسي) رقم 16 لعام 2014، حيث غيرت تلك التعديلات من سير العملية الانتخابية لما أضافته من مستجدات على القانون من أهمها:
أولاً: تقليل عدد النواب إلى 161 نائبا، 151 مقعدا مخصصة للدوائر الانتخابية داخل تونس، و10 مقاعد مخصصة للدوائر الانتخابية في الخارج. وهو عدد أقل بكثير من عدد مقاعد البرلمان السابق 217 مقعدا (فصل 106- ثالثا).
ثانياً: التصويت على الأفراد وليس على القوائم التي كانت معمولا بها في الانتخابات السابقة، وإمكانية إجرائها في دورتين عند الاقتضاء، أي في حالة عجز أي من المرشحين على الحصول على الأغلبية المطلقة تعاد دورة ثانية تهم المرشحيْن الذي حصلوا على أكثر الأصوات (الفصل 107 جديد، والفصل 110 جديد).
ثالثاً: اعتماد المرشحين في تمويل حملاتهم الانتخابية على التمويل الذاتي والتمويل الخاص دون سواه (الفصل 75 جديد).
رابعاً: إقامة المرشح في الدائرة الانتخابية المترشح عنها (الفصل 19 جديد).
الترشحات
تتسم الترشحات للانتخابات التشريعية 17 ديسمبر 2022 بعدد من السمات أهمها:
1- قلة عدد طلبات الترشح المقبولة للانتخابات التشريعية، والتي بلغت 1058 طلب ترشح، مقارنة بـ 15737 طلب في انتخابات 2019 موزعين على 572 قائمة حزبية ومستقلة. ورغم الاختلاف بين التصويت على القوائم والتصويت على الأفراد وصعوبة المقارنة بينها فإن عدد المرشحين للانتخابات المقبلة يبدو قليلا جدا في حدود 6.7 %.
2- تفاوت التوزع الجغرافي للمرشحين في الولايات أو المحافظات التي يقطنها عدد كبير من السكان مثل سوسة الممثلة بـ 9 مقاعد وعدد المرشحين فيها 51 مترشحا، في حين أن ولايات أخرى عدد سكانها أقل من سوسة وممثلة بـ 6 مقاعد، فيما شهدت محافظات أخرى لعدد كبير من المرشحين مثل محافظة القصرين 73 مرشحا، ومحافظة سيدي بوزيد 71 مرشح.
3- تمكن 10 مرشحين من الفوز بمقاعد في المجلس التشريعي القادم قبل خوض الانتخابات، منها 7 مقاعد تخص دوائر انتخابية داخلية، وثلاثة مقاعد تخص دوائر انتخابية خارجية لأنها دوائر سجلت ترشحا وحيدا. ولأول مرة يفوز مجموعة من المرشحين بمقاعدهم بمجرد قبول ترشحاتهم من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
4- شغور سبعة مقاعد في المجلس التشريعي القادم لعدم ترشح أحد في سبع دوائر انتخابية بالخارج، ما سيجعل التمثيل النيابي للمغتربين ضعيفا جدا بواقع ثلاثة ممثلين من أصل عشرة نواب. وتكشف ظاهرة الفوز بالمقاعد قبل خوض غمار الانتخابات، وشغور مقاعد أخرى في المجلس التشريعي القادم العزوف عن الترشح للانتخابات.
5- مقاطعة عدد من الأحزاب التي كانت فاعلة في الانتخابات السابقة مثل حزب النهضة، وائتلاف الكرامة، والحزب الدستوري الحر، وبعض الأحزاب الأخرى الأقل تمثيلاً في المجالس السابقة مثل حزب العمال، وبعض الأحزاب التي شكلت جبهة الخلاص الوطني مثل بقايا حزب قلب تونس، والأمل، وحراك تونس الإرادة، ، وعدد من المنظمات والجمعيات، إضافة إلى أحزاب أخرى مثل آفاق تونس والحزب الاشتراكي.
6- مشاركة تنسيقيات 25 يوليو، وبعض الأحزاب الأخرى، والتي من المحتمل فوزها بعدد محدود من المقاعد مثل حركة الشعب والتيار الشعبي، والتحالف من أجل تونس، وحركة تونس إلى الأمام.
التركيبة المتوقعة للمجلس التشريعي القادم
يبدو من دراسة المشهد السياسي التونسي في الفترة الأخيرة أن أغلب المرشحين للانتخابات التشريعية ينتمون إلى التنسيقيات والأحزاب المساندة لمسار 25 يوليو 2022. ومن خلال دراسة توزع المرشحين حسب انتماءاتهم المهنية يتوقع أن التركيبة للمجلس التشريعي الذي سينبثق عن الانتخابات القادمة ستكون كالآتي:
1- هيمنة موظفو الدولة على البرلمان: بينت احصائيات نشرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على موقعها على شبكة الأنترنت أن نسبة موظفي الدولة المرشحين في حدود 50% حوالي نصفهم من منسبي وزارة التربية.
2- ضعف نسبة الأكاديميين والجامعيين المرشحين للانتخابات حيث تُقدر نسبتهم بحوالي 2.8%، وظاهرة عدم اهتمام النخبة الجامعية بالشأن العام، يمكن ملاحظته منذ أحداث عام 2011، فنسبة كبيرة منهم لم يشاركوا فيها ولم يعملوا على الكتابة حولها.
3- تراجع نسبة المرشحين من أصحاب المهن الحرة وخاصة المحامون والحقوقيون والمحاسبون والتجار الذين بلغت نسبتهم 14% من مجموع المرشحين، رغم أنهم مثلوا 18% من المجلس التشريعي السابق، مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة المرشحين لا تعني نسبة التمثيل الفعلي في المجلس التشريعي.
4- غياب المرأة أو تمثيلها الضعيف في المجلس الانتخابي القادم، حيث يبلغ عدد النساء المرشحات 122 امرأة، أي حوالي 12% من مجموع المرشحين. على العكس من المجالس التمثيلية السابقة، ففي المجلس التأسيسي لعام 2011 مثلت المرأة حوالي ثلث المقاعد بواقع 29% من المقاعد، و31% في البرلمان عام 2014. الذي عُد أنذاك أعلى تمثيل نسائي برلماني في الشرق الأوسط وشمال افريقيا؛ فالقانون الانتخابي الجديد ألغى أحكام التناصف الجندري الذي كان معمولا به في القوانين الانتخابية السابقة، والذي يعد من أهم المكاسب التي تحصلت عليها المرأة بعد أحداث عام 2011.
وتفضل الإشارة كذلك في هذا السياق إلى أن بعض الشروط التي تضمنها القانون الانتخابي الجديد صعبت على النساء الترشح لهذه الانتخابات ومن أهمها وجوب الحصول على 400 تزكية من الناخبين من الدائرة الانتخابية التابعين لها، وخاصة شرط التمويل الذاتي والخاص للحملة الانتخابية، لأن أغلبهن لا يملكن شبكة علاقات تمكنهن من تأمين العدد الكبير من التزكيات، ولا يتمتعن بالقدرات المالية لأغلبية الرجال.
الحملات الانتخابية
تتواصل الحملات الانتخابية للمرشحين حتى يوم 15 ديسمبر 2022، ويكون يوم 16 ديسمبر يوم الصمت الانتخابي، وتجرى الانتخابات يوم 17 ديسمبر داخل البلاد، وأيام 15 و16 و17 ديسمبر في الخارج. وبالاستناد إلى ما نشر وينشر عن هذه الحملات، يمكن ملاحظة الآتي:
أولاً: غياب المنافسة بين المرشحين على خلاف الحملات الانتخابية في التشريعيات السابقة التي كانت المنافسة على أشدها بين القوائم المستقلة، وخاصة بين القوائم الحزبية.
وتبدو برودة الحملات الانتخابية من خلال غياب الاجتماعات الشعبية المبرمجة مسبقا، والخيم الدعائية، والاعتماد على اللافتات والمعلقات الدعائية. واقتصرت الحملات الانتخابية للنواب على حضور بعض الاجتماعات غير المبرمجة مع جماعات قليلة العدد أغلبها في المقاهي الشعبية، وتوزيع بيانات انتخابية أيام الأسواق الأسبوعية في العديد من المدن والأرياف ، وتعليق صور المرشحين وبياناتهم الانتخابية على بعض السيارات، والحضور المحدود زمنيا في بعض وسائل الإعلام التقليدية، واعتماد وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن أهم الأسباب التي تفسر غياب الحماس والتنافس في الحملات الانتخابية افتقار العديد من المرشحين للإمكانات المادية واللوجستية والبشرية لإدارة حملاتهم الانتخابية، وعزوف الشعب عن مواكبة الحملات الانتخابية، وتقليص صلاحيات المجلس التشريعي، وتردي الأوضاع المعيشية لأغلب السكان وخاصة الفئات الشعبية والفئات التي كانت تنتمي للطبقة المتوسطة وتدحرجت نحو الطبقة الشعبية.
ثانياً: الدعاية التي اعتمدت الفضاء السيبراني وتحديدا مواقع وصفحات الفيسبوك التي تضمنت عدداً من الشعارات ومقاطع الفيديو والتي يسعى بعضها لعكس صورة سلبية عن المرشحين، بهدف التقليل من إقبال الناخبين على التصويت في الاستحقاق الانتخابي التشريعي، وهو ما جعل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تُصدر بلاغا في 5 ديسمبر 2022 توضح فيه للناخبين ولوسائل الإعلام أن أغلب مقاطع الفيديو والصور التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية لا تتعلق بمرشحين لانتخابات أعضاء مجلس الشعب وتأتي في سياق حملة ممنهجة لتشويه العملية الانتخابية.
ثالثاُ: برامج المرشحين وحيث تتسم الانتخابات التشريعية القادمة ببعدها الجغرافي والمحلي والجهوي أكثر من بعدها السياسي، اهتمت أغلب البرامج الانتخابية للمترشحين بالشأن المحلي والجهوي وتعلق أغلبها بالتنمية، ومحاربة التهميش، وتحسين البنية التحتية المهترئة، والاهتمام بالصحة والتعليم والأمن. ويبدو أن أغلب الوعود الانتخابية تتجاوز صلاحيات المجلس التشريعي المحددة في الدستور الجديد.
حيث لم يمنح الدستور الجديد أعضاء المجلس التشريعي القادم صلاحيات كبيرة على المستوى الوطني، فالفصل 68 من الدستور الجديد تمنح الرئيس الحق في تقديم مشروعات القوانين والمعاهدات والقوانين المالية على مجلس النواب، وتمنح الأولوية عن مشروعات القوانين الأخرى ، وبمقتضى الفصل 69 يمكن لرئيس الدولة والحكومة رفض مقترحات النواب وتنقيحاتهم إذا أخلت بالتوازنات المالية للدولة. وفقدت السلطة التشريعية صلاحيات مراقبة رئيس الدولة والحكومة ومحاسبتهم. وبمفعول الدستور الجديد ستقتصر صلاحيات السلطة التشريعية على مناقشة المشاريع المحلية، وأغلبها مشاريع صغرى، ويبقى تنفيذها رهين موافقة الرئيس على توفير الاعتمادات اللازمة خاصة وأنه الوحيد الذي يستأثر بالقوانين المالية.
ختاماً؛ تبدو الاختلافات بين الدستور الجديد والدستور الذي سبقه واضحة في تحديد نظام الحكم في تونس، وبين القانون الانتخابي الجديد والقانون الانتخابي الذي سبقه في تحديد كيفية الاقتراع، ففيما يتعلق بنظام الحكم، فالدستور الجديد كرس النظام الرئاسي وحدَّ كثيرا من صلاحيات المجلس التشريعي، في حين تبنى الدستور السابق نظاما سياسيا هجينا جمع بين الرئاسي والبرلماني. أما بالنسبة إلى القانون الانتخابي الجديد فقد اعتمد الاقتراع على الأفراد وليس على القوائم التي كان معمولا بها في القانون الانتخابي السابق. ويرى مسار 25 يوليو 2021، في الدستور والقانون الانتخابي الجديدان حلاً للمشاكل التي كانت تعانيها التجربة الناشئة في تونس، فالدستور الجديد حدَّ كثيرا من نفوذ السلطة التشريعية، والقانون الانتخابي الجديد حدَّ من نفوذ الأحزاب. ويرى البعض في تلك الخطوات الحل لما تُعرف في تونس بفترة الأزمة التي عاشتها خلال العقد الماضي والتي حكم فيها حزب النهضة البلاد.
د. عبد الكريم براهمي
استاذ الانثروبولوجيا في الجامعة التونسية