الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط من منظور تحليلي

يتناول المنظور التحليلي سبل وطرق الانخراط الصيني في منطقة الشرق الأوسط، وبناء شراكاتها مع مختلف الدول هناك، ويتطرق إلى طبيعة ومستقبل الوجود الصيني في المنطقة.

الكاتب ستراتيجيكس
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٠٧‏/٠٧‏/٢٠٢٢

المقدمة

شــهد عــام 2016 حدثــاً مهمــاً فــي العلاقــات بيــن الصيــن والشــرق الأوسط مــن خلال سلســلة مــن التحــركات  السياســية للصيــن أهمهــا الرحلــة الأولــى للرئيــس الصينــي، شي جين بينغ، إلـى دول الشرق الأوسـط (المملكـة العربيـة الســعودية، وإيران، ومصــر، ومــن ثــم إلــى الإمــارات العربيــة المتحــدة). والتي شــكلّت قــدراً كبيــراً مــن الأهميــة، حيــث أتت بعــد تنامــي كبيــر للانخــراط الاقتصــادي الصينـي فـي المنطقـة، وأرسلت رسـالة واضحـة إلــى دول المنطقــة تعبر فيهــا عــن أهميــتها بالنســبة للصيــن.

بالإضافــة إلــى إصــدار بكيــن لأول ورقــة سياســة عربيــة فــي 13 ينايــر 2016، بعنــوان «وثيقــة سياســة الصيــن تجــاه الـدول العربيـة»؛ والتـي تلخّـص رؤيـة الصيـن للمنطقـة. ومـن الأمـور الأساسـية التـي تضمنتهـا الورقـة هـي تشـكيل معادلـة التعـاون (1+2+3)، إذ يمثـل الرقـم 1 الطاقـة بوصفهـا مصلحـة أساســية، ويمثــل الرقــم 2 البنيــة التحتيــة وكذلــك التجــارة والاسـتثمار، بينمـا يمثـل الرقـم 3 التعـاون فـي مجـالات الطاقـة النوويـة، والأقمـار الصناعيـة، ومصـادر الطاقـة الجديـدة؛ وهـو مــا يدعونــا للتســاؤل حــول أســباب تزايــد الاهتمــام الصينــي بمنطقــة الشــرق الأوســط.

مـن الصحيـح أن التحليـلات السـابقة التـي تطرقـت للحديـث عــن الاســتراتيجية الصينيــة فــي الشــرق الأوســط قليلــة، إذ ركّــزت فقــط علــى المبــادرة الصينيــة فــي «طريــق الحــزام والحريــر» لأســباب مفهومــة، ومنحــت اهتمامــاً أقــل لعلاقــات الصيــن مــع دول الشــرق الأوســط مــن جهــة، وللــدور الصينــي فــي تعقيــدات المنطقــة مــن جهــة أخــرى.

وعليـه؛ يسـعى هـذا المنظـور التحليلـي إلـى التعريـف بالعناصـر المهمـة لاسـتراتيجية الصيـن فـي الشـرق الأوسـط وبالتحديـد سـبل وطـرق الانخـراط الصينـي فـي المنطقـة، وبنـاء شـراكاتها.

استراتيجية الشراكة الصينية

تعــد سياســة الصيــن تجــاه الشــرق الأوســط محــدّدة بالضــرورة فــي سـياق إقليمـي معقّـد ينطـوي علـى العديـد مـن المنافسـات بيـن دول الإقليـم مـن جهـة وبيـن القـوى العظمـى مـن جهـة أخـرى، وعليـه فـإن الاســتراتيجية الصينيــة تُعنــى بالحفــاظ علــى تحقيــق تــوازن دقيــق، بيـن العديـد مـن الأولويـات التـي قـد تتعـارض مـع بعضهـا أحيانـاً.

وبهـذا الصـدد، تنـأى الصيـن بنفسـها عـن أن تكـون طرفاً فـي النزاعات أو الخلافــات الإقليميــة؛ فعلــى ســبيل المثــال، تحــرص علــى تفــادي الانحيـاز إلـى أي طـرف فـي المواجهـة الإيرانيـة السـعودية؛ فالزيـارة الأولــى للرئيــس الصينــي، شــي جيــن بينــغ، إلــى الشــرق الأوســط، شـملت المملكـة العربيـة السـعودية وإيـران، ورفـع خلالهـا مسـتوى العلاقــات الصينيــة مــع الدولتيــن لتصبــح «شــراكة اســتراتيجية شــاملة »، والأمر هو ذاته فيما يتعلق بطريقــة تعاطــي الصيــنّ مـع الخلافـات العربيـة، حيـث تفضـل الصيـن التعاطـي مـع جامعـة الــدول العربيــة كملجئهــا الأساســي للحــوار.

ويمكــن فهــم اســتراتيجية الشــراكة التــي تنتهجهــا الصيــن فــي الشـرق الأوسـط مـن خـلال محوريـن رئيسـيين ذكرهمـا البروفيسـور والباحــث الصينــي، ديجانــج صــن، فــي دراســة بعنــوان «دبلوماســية الشــراكة الصينيــة فــي الشــرق الأوســط »؛ وهمــا:

 المحور الأول:

يركــز علــى التعــاون مــع المنظمــات العربيــة فــي المنطقــة؛ مثــل :مجلــس التعــاون الخليجــي، وجامعــة الــدول العربيــة، واتحــاد المغــرب العربــي.

المحور الثاني:

يركــز علــى شــكل العلاقــات الصينيــة الثنائيــة مــع دول المنطقــة، حيــث تقيــم الصيــن علاقــات اســتراتيجية شــاملة مــع كل مــن: الجزائــر، ومصــر، والمملكــة العربيــة الســعودية، وإيــران، والإمــارات، وتقيـم تعاونـا اسـتراتيجيا مـع تركيـا، وشـراكة شـاملة مـع إسـرائيل، وعلاقات اسـتراتيجية مع كل من: قطر، والأردن، والعراق، والمغرب، وعُمــان والكويــت، وجيبوتــي، والســودان.

ويتضــح ممــا ســبق، أن الاســتراتيجية الصينيــة تقــوم علــى بنــاء علاقــات فرديــة دون توفّــر رؤيــة اســتراتيجية إقليميــة، إذ تســعى الصيــن إلــى بنــاء شــراكات اســتراتيجية مــع الحــد بشــكل كبيــر مــن الالتزامــات الأمنيــة أو المواقــف السياســية بُغيــة الحفــاظ علــى مصالحهـا الإقليميـة، وتسـعى أيضـا إلـى الحفـاظ علـى علاقـات ثنائيـة مميــزة مــع الــدول المختلفــة، المدفوعــة بالأهـداف بـدلا مـن التهديـد؛ وفقـا لمـا أشـار إليـه الباحـث، جـورج ســتروفر، فــي دراســة منشــورة فــي المجلــة الصينيــة للسياســة الدوليـة عـام 2017 بعنـوان «دبلوماسـية الشـراكة الصينيـة: التوافـق الدولــي القائــم علــى المصالــح أو الأيديولوجيــة» وذلــك مــن خــلال اتفــاق الصيــن مــع الأطــراف المختلفــة علــى التعــاون ضمــن حــدود المصالــح المشــتركة مــع إدارة مجــالات التنافــس المحتملــة.

ومـن جهتـه أشار الباحـث، جـون ب ألترمـان، فـي دراسة له بعنوان: «نمـوذج الصيـن فـي الشـرق الأوسـط» والمنشـورة عـام 2019 مـن قبـل مركـز الدراسـات الاسـتراتيجية والدوليـة CSIS إلـى أن الاسـتراتيجية الصينية في الشـرق الأوسـط هي ليسـت اسـتراتيجية إقليميــة واحــدة بقــدر مــا هــي محفظــة للاســتثمارات تركــز مــن خلالهـا الطموحـات الوطنيـة للصيـن علـى العلاقـات الاقتصاديـة مـع كل دولـة.

تركيــزُ الصيــن علــى التنمية وليــس السياســة

تنعكــس محوريــة التعــاون الصينــي مــع دول الشــرق الأوســط فــي الوثيقــة الحكوميــة (وثيقــة سياســة الصيــن تجــاه الــدول العربيــة) سالفة الذكر، والتــي تنــص علــى التــزام الصيــن بتطويـر علاقاتهـا مـع الـدول العربيـة علـى أسـاس المبـادئ الخمسـة المتمثلــة فــي الاحتــرام المتبــادل للســيادة ووحــدة الأراضــي؛ وعــدم الاعتـداء؛ وعـدم التدخـل فـي الشـؤون الداخليـة؛ والمسـاواة والمنفعـة المتبادلــة؛ والتعايــش الســلمي.

وبنـاء علـى مـا سـبق، تسـعى الصيـن إلـى حمايـة مصالحهـا الاقتصاديـة فــي الشــرق الأوســط بعيــدا ًعــن الخلافــات الإقليميــة، ولهــذا «فهــي تتجنــب الإعــلان عــن أي اســتراتيجية خاصــة بالشــرق الأوســط»؛ وفقــا لدراســة أصدرهــا مركــز «رانــد» للأبحــاث بعنــوان «الصيــن فــي الشـرق الأوسـط: التنيـن الحـذر»، بحيـث تركـز الصيـن علـى الاعتبـارات الاقتصاديــة، ومعالجــة المخــاوف علــى المســتوى المحلــي لــكل مــن الصيــن ودول منطقــة الشــرق الأوســط.

ويمكن تلخيص مبادئ الصين في المنطقة بالنقاط التالية:

1.  يعـد عـدم التدخـل هـو أحـد المبـادئ الشـاملة لسياسـة الصين الخارجيــة، حيــث تحــرص الصيــن علــى ألا يُنظــر إليهــا وكأنهــا تتدخـل فـي الشـؤون المحليـة لـدول الشـرق الأوسـط، أو أنهـا تتخـذ موقفـا واضحـا بشـأن بعـض المسـائل الإقليميـة المثيـرة للخلافـات.

2.  تدعــم الصيــن اســتقرار البنيــة السياســية لــدول الشــرق الأوسـط، وهـو درس تعلمتـه الصيـن بعد أن تعرضت مصالحها الاقتصاديـة فـي ليبيـا للخطـر؛ إثر سـماحها لقـرار مجلس الأمن الدولــي رقــم 1970 بالمــرور، ممّــا أفســح المجــال للتدخــل الغربــي الــذي انتهــى بتغييــر نظــام الرئيــس الليبــي الأســبق، معمّــر القذافــي.

3.  لا تهتــم الصيــن بطبيعــة الأنظمــة السياســية الحاكمــة فــي المنطقــة، وبترويــج أيديولوجيتهــا فــي الخــارج، وتتفــق مــع العديـد مـن دول المنطقـة فـي نظرتهـا إلـى الدعـوات الليبراليـة والديمقراطيــة مــن حيــث اعتبارهــا أدوات تخــص الــدول الغربيــة.

وأخيـراً؛ فـإن مـا يهـم الصيـن فـي المنطقـة هـو تأميـن أكبـر قـدر مـن الاســتقرار الأمنــي، كمتطلــب رئيســي للتنميــة الاقتصاديــة، بحيــث تتمكـن مـن إطـلاق برامـج الطـرق وسـكك الحديـد والموانـئ وأنظمـة الاتصــالات والمــدن التجاريــة الحــرة فــي ظــل بيئــة أمنيــة مســتقرة، وقــد قدمــت الصيــن مســاعدات اقتصاديــة لتطويــر قــدرات دول المنطقـة علـى ضمـان الاسـتقرار؛ بلغـت قيمتهـا 300 مليـون دولار أمريكـي؛ وفقـا ًلــ «الإعـلان التنفيـذي الصينـي العربـي» الخـاص بمبادرة «الحــزام والطريــق» لعــام 2018.

محوريــةُ التعــاون الاقتصــاديّ والتنمــويّ

لقــد حقــق الاقتصــاد الصينــي النمــوَّ الأكبــر لــه فــي التاريــخ المنظــور خـلال الــ 25 سـنة الماضيـة، ويسـتمر فــي تحقيــق نمـو عــام بشـكل ســنوي، وبالتالــي تنظــر الصيــن إلــى الشــرق الأوســط علــى أنــه ســوق جديــد لدعــم نموهــا الاقتصــادي ومصــدرا لتأميــن احتياجاتهــا مــن الطاقـة، ويمكـن قـراءة التعـاون الاقتصـادي والتنموي لمشـاركة الصين مــع دول الشــرق الأوســط فــي ثــلاث وثائــق صينيــة رســمية؛ وهــي:

 الأولى:  «وثيقــة سياســة الصيــن تجــاه الــدول العربيــة» عــام 2016

الثانية: «خطــة الرؤيــة والإجــراءات» عــام 2015 والتــي تضمنــت مبــادرة «الحــزام والطريــق»، وطريــق الحريــر البحــري للقــرن الــ 21.

 الثالثة: «الإعــلان التنفيــذي الصينــي العربــي» عــام 2018. 

ويركـز إطـار التعـاون الموضـح فـي هـذه الوثائـق علـى مجـالات التجــارة والاســتثمار فــي منطقــة الشــرق الأوســط، والطاقــة، وإقامــة البنــى التحتيــة.

1.  التجارة

نمــت العلاقــات التجاريــة بيــن الصيــن ودول الشــرق الأوســط نمــوا مطـردا خـلال العقـد السـابق؛ الأمـر الـذي شـكل مصـدرا للقلـق لـدى الـدول الصناعيـة، ويعـود هـذا النمـو إلـى أن الصيـن شـريك مرغـوب فيــه لوفــرة بضائعهــا وزهــد أســعارها.

ووفقـا ًلكتـاب «السياسـات الخارجيـة للقـوى الآسـيوية الكبـرى تجـاه المنطقــة العربيــة» لمؤلفــه الدكتــور، عدنــان البدرانــي، فـ "للمـرة الأولـى منــذ عــام 2007 تفـوق حجـم التبـادل التجـاري الصينـي على حجم التبـادل التجـاري الأمريكـي مـع دول المنطقـة".

ويظهــر كلا الجدوليــن (1) و(2) حجــم الــواردات والصــادرات الصينيــة مقارنــة بحجــم الــواردات والصــادرات الأمريكيــة من/إلــى دول مختــارة فــي الشــرق الأوســط لعــام 2018؛ وفقــا ً لبيانــات مشــروع  «China Med » وبيانــات مكتــب «USTR» الــذي ينظــم السياســة التجاريــة فــي الولايــات المتحــدة:

info1-01.jpg

كمــا أن الصيــن هــي الوجهــة الأولــى للصــادرات لعــدة دول فــي المنطقــة؛ كمــا يظهــر فــي الجــدول أدنــاه:

info-2-01.jpg 

2.  الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط

أدت سلســلة مــن المشــاريع والاســتثمارات الصينيــة فــي منطقــة الشـرق الأوسـط إلـى تعزيـز التواجـد الاقتصـادي الصينـي، وجعلـت منـه جـزءا ًرئيسـيا ًفـي اقتصاديـات الشـرق الأوسـط، ووفقـا ًلتقريـر صــادر عــام 2020 لمؤسســة «American Enterprise» والــذي تطــرق للحديــث عــن الاســتثمارات الصينيــة لعــام 2019 فقــد تمكنــت الصيــن مــن زيــادة حجـم اســتثماراتها فــي منطقــة الشـرق الأوســط وشــمال إفريقيــا فــي الفتــرة الممتــدة مــا بيــن (2005 - 2019) إلــى  200مليــار دولار، وتشــارك الصيــن فــي العديــد مــن مشــروعات البُنــى التحتيــة فــي جميــع أنحــاء المنطقــة، ووفقــا لتقديــرات منصــة التحليــل الجيوسياســي «Mena Pacs» فــإن مـا يقـارب مـن 3 أربـاع إجمالـي الاسـتثمارات الصينيـة فـي الشـرق الأوســط موزعــة بيــن ثــلاث دول رئيســية؛ وهــي: مصــر، والمملكــة العربيــة الســعودية، والإمــارات العربيــة المتحــدة.

 3.  الرؤية الكامنة في مبادرة «الحزام والطريق»

فــي عــام 2013 أعلــن الرئيــس الصينــي، شــي جيــن بينــغ، عــن خطــط لبنــاء الحــزام والطريــق الاقتصــادي والحريــر البحــري للقــرن الــ 21 والتــي أصبحــت تعــرف باســم «مبــادرة الحــزام والطريــق«، وترتكـز علـى إنشـاء طـرق تجاريـة تربـط بيـن كل مـن: آسـيا وأوروبـا وإفريقيــا.

وعلـى هـذا النحـو، فـإن منطقـة الشـرق الأوسـط ذات أهميـة كبيـرة بالنســبة للصيــن، حيــث تربــط بيــن أوروبــا وإفريقيــا وأســواق آســيا، إذ يشــير «الحــزام» إلــى عــدّة مشــاريع بريــة تربــط الصيــن بأوروبــا عبــر آســيا الوســطى والشــرق الأوســط، بينمــا يشــير «الطريــق» إلــى مشــاريع مرتبطــة بطــرق بحريــة بحيــث تقــوم هــذه الطــرق بربــط الصيــن مــع إفريقيــا والشــرق الأوســط عبــر جنــوب شــرق آســيا وجنــوب آســيا.

وقـد تزايـدت الاسـتثمارات الصينيـة فـي منطقـة الشـرق الأوسـط بعد إعـلان الرئيـس الصينـي، شـي جيـن بينـغ، عـن إطـلاق مبـادرة «الحـزام والطريــق» فــي عــام 2013 وبنــاء علــى «الإعــلان التنفيــذي الصينــي العربـي» الخـاص ببنـاء «الحـزام والطريـق» والصـادر فـي بكيـن عـام 2018 فقـد وقعـت 9 دول عربيـة علـى وثائـق تعـاون في إطار مبادرة الحـزام والطريـق، إضافـة إلـى توقيـع 5دول عربيـة علـى التعـاون فـي مجـالات الطاقـة الإنتاجيـة، وهنـاك 7 دول فـي المنطقـة العربيـة قـد أصبحـت مـن الأعضاء المؤسسـين في البنك الآسـيوي للاسـتثمار فــي البنيــة التحتيــة، ووفقــا ً لــــموقع « NS Energy Business »  فقــد تضاعفــت مشــاركة الصيــن فــي تطويــر البنــى التحتيــة فــي منطقتــي الشــرق الأوســط وشــمال إفريقيــا، حيــث ارتفــع إجمالــي الإنفـاق السـنوي علـى المشـاريع التـي تضـم مقاوليـن صينييـن مـن 13مليــار دولار خــلال عــام 2014 إلــى 24 مليــار دولار عــام 2018.

 4.  المساعدات الاقتصادية

بخـلاف التجـارة والاسـتثمار؛ فقـد بـدأت الصيـن بتقديـم المسـاعدات الإنســانية والإنمائيــة إلــى دول الشــرق الأوســط وشــمال إفريقيــا، ووفقـا ًللمجلـس الأوروبـي للعلاقـات الخارجيـة  «ECFR»فقـد قدمت الصيـن 100 مليـون دولار لبعثـة الأمـم المتحـدة لحفـظ السـلام فـي الصومـال منـذ عـام 2015.

وفـي عـام 2018 تعهـد الرئيـس الصينـي، تشي جيــن بينــغ بتقديـم نحـو 106مليـون دولار كمسـاعدات لـدول الشـرق الأوسـط؛ منهـا 91 مليون دولار كمساعدات إنسانية وإنشائية لكل من: الأردن، ولبنان، وسوريا، واليمن، بالإضافة إلى 15مليون دولار كمساعدات لفلسطين بهـدف دعـم التنميـة الاقتصاديـة؛ وذلـك وفقـا ًلأرقـام وكالـة رويتـرز.

كمــا وتعهــد الرئيس الصيني، بتقديــم قــروض بقيمـة 20مليـار دولار لبعـض الـدول العربيـة، وتأتـي هـذه القـروض علــى شــكل تســهيلات لتحقيــق التنميــة الاقتصاديــة، إضافــة إلــى التعــاون فــي مجالــي الطاقــة النوويــة والنفــط والغــاز.

وفــي عــام 2019 قدمـت الصيـن لمصـر قرضـا ًبقيمـة 1.2مليار دولار، لمسـاعدتها على إنشـاء قطـار كهربائـي بطـول 68 كيلـو متـرا ًبحيث يصـل إلى العاصمة الإدارية الجديدة؛ وفقا ًلموقع «Global Construction Review».

5.  الطاقة

علــى أثــر النمــو الاقتصــادي الســريع فــي الصيــن، فقــد تزايــدت احتياجاتهــا مــن الطاقــة خاصــة بعــد انتقالهــا فــي عــام 1993 مــن دولــة مكتفيــة بقدراتهــا الإنتاجيــة مــن مصــادر الطاقــة إلــى دولــة مســتوردة لهــذه المصــادر.

وفــي عــام 2017 أصبحــت الصيــن رســميا أكبــر مســتورد عالمــي للنفـط الخـام، بعـد أن تجـاوز إجمالـي إيراداتهـا مـن النفـط إجمالـي إيــرادات الولايــات المتحــدة منــه؛ وفقــا لإدارة معلومــات الطاقــة الأمريكيـة. ولكـون منطقـة الشـرق الأوسـط تتمتـع بوفـرة فـي مصـادر الطاقـة؛ فـإن أحـد أهـم المصالـح الصينيـة فـي المنطقـة يكمـن فـي اسـتمرار حصولهـا علـى تدفـق ثابـت مـن مواردهـا مـن الطاقـة.

وبحســب البيانــات المتوفــرة لعــام 2017، والتــي وردت فــي تقريــر اللجنــة الاقتصاديــة والاجتماعيــة لغربــي آســيا (الإســكوا) فــي عــام 2019، فقـد اسـتوردت الصيـن حوالـي 8.4 مليـون برميـل مـن النفـط فـي اليـوم؛ منهـا 3.9 مليـون برميـل مـن مجلـس التعـاون الخليجـي.

وفــي عــام 2018، بلــغ حجــم صــادرات النفــط العربــي إلــى الصيــن حوالــي 107.7 مليــار دولار، وتأتــي 3 دول عربيــة ضمــن الــدول الخمـس الأولـى التـي اسـتوردت الصيـن منهـا احتياجاتهـا مـن النفـط فــي العــام ذاتــه؛ وهــي: الســعودية (فــي المركــز الثانــي بقيمــة 29.7 مليـار دولار)، والعـراق (فـي المركـز الرابـع بقيمـة 22.4 مليـار دولار)، وســلطنة عُمــان (فــي المركــز الخامــس بقيمــة 17.3 مليــار دولار).

رؤيـةٌ مسـتقبلية: معضلـةُ التـوازنِ بيـن الأمـن والتنميـة فـي المنطقـة

ممـا سـبق يظهـر بشـكل جلـي تركيـز الصيـن علـى التنميـة والعلاقـات المتبادلــة مــع محاولتهــا النــأي بنفســها عــن الخلافــات والنزاعــات الإقليميــة، وبذلــك فقــد تنامــت المشــاركة الاقتصاديــة للصيــن فــي الشـرق الأوسـط بشـكل كبيـر خـلال العقـد الماضـي، لتصبـح شـريكا كبيرا لعدد من دول الشرق الأوسط في مجالات التجارة والاستثمار.

ومـن المنظـور الصينـي، فـإن التنميـة التـي تسـعى إليهـا الصيـن فـي منطقـة الشـرق الأوسـط هـي أحـد الحلـول لضمـان منطقـة مزدهـرة ومسـتقرة أمنيـا، وقـد يكـون ذلـك صحيحـا مـن الناحيـة النظريـة، إلا أن الممارسـة العمليـة لرؤيـة الصيـن فـي منطقـة كالشـرق الأوسـط هـي أكثـر تعقيـداً.

وعليــه، فــإن تزايــد النشــاط الدبلوماســي الصينــي والأمنــي فــي المنطقــة بــات محسوســا بشــكل متزايــد، علــى الرغــم مــن قلــق الصيــن حــول أن يكــون ذلــك علــى حســاب الأرواح والأمــوال، وعلــى حسـاب سـمعتها كدولـة صديقـة للجميـع تحتـرم الشـؤون الداخليـة لـدول المنطقـة، ولا تتدخـل فـي النزاعـات والخلافـات فـي المنطقـة.

وهذا الانخراط يترافق والتطلعات الصينية في المنطقة، فمشاركتها الاقتصاديــة مــع بعــض دول المنطقــة ومصالحهــا المتزايــدة فيهــا، وحجــم رؤيتهــا لمبادرة «الحــزام والطريق» بالإضافــة إلــى ضــرورة ضمــان ســلامة المقيميــن الصينييــن المتواجديــن فــي منطقــة الشـرق الأوسـط، والذيـن تقـدر أعدادهـم بحوالـي 550 ألـف مواطـن صينــي؛ وفقاً لدراسة «The Red Star and the Crescent» الصـادرة عـن جامعـة جـورج تـاون فـي قطـر؛ كل ذلـك يأتـي فـي وقـت تقـل فيـه اعتماديـة الصيـن علـى البنيـة الأمنية التـي تقودها الولايات المتحــدة الأمريكيــة، مــع التحــول الاســتراتيجي للولايــات المتحــدة نحــو شــرق آســيا، وجميــع هــذه العوامــل ســوف تــؤدي إلــى زيــادة المشـاركة الصينية في شـؤون الأمن والسياسـة في الشـرق الأوسـط.

ويمكــن تتبــع مســار التدخــلات السياســية والأمنيــة للصيــن فــي المنطقـة؛ فوفقاً للمجلـس الأوروبـي للعلاقـات الخارجيـة« ECFR»، أبرمــت الصيــن خــلال الأعــوام الماضيــة اتفاقيــات شــراكة مــع 15 دولـة مـن الشـرق الأوسـط، لتشـارك فـي مهمـات مكافحـة القرصنـة والأمــن البحــري فــي كل مــن: بحــر العــرب وخليــج عــدن.

وفـي فبرايـر 2016، أنشـأت الصيـن أولى قواعدها للدعـم اللوجسـتي لجيـش التحريـر الصينـي فـي الخـارج فـي دولـة جيبوتـي، وهـي قاعـدة عسـكرية مجهـزة لاسـتيعاب مـا يقـارب مـن الــ 10 آلاف جنـدي؛ وفقـا لموقــع منتــدى السياســات العربيــة. وتخطــط الصيــن قريبــا لإنشــاء قواعد عسكرية إضافية لها في منطقة الشرق الأوسط؛ وفقا للتقرير السـنوي للكونجـرس حـول القـوة العسـكرية الصينيـة لعـام 2019.

1.jpg

وتـؤدي الصيـن دورا متزايـدا فـي عمليـات حفظ السـلام فـي المنطقة؛ وفقــا لبيانــات عمليــات حفــظ الســلام التابعــة للأمــم المتحــدة؛ فقــد بلــغ عــدد الجنــود الصينييــن عــام 2019 فــي جنــوب الســودان 1,03 جندي، إضافــة إلــى  410 جنديــا فــي لبنــان.

وقـد وصف تقرير «China’s Foreign Policy Experiment in South Sudan»  لعــام 2017، الــدور الصينــي فــي جنــوب الســودان علــى أنــه تغييــر كبيــر فــي نهــج الصيــن بعــدم التدخــل فــي المنطقــة، مــن خــلال الحصــول علــى تفويــض الأمــم المتحــدة للوسـاطة وحمايـة المدنييـن، وعلـى موافقـة مـن الاتحـاد الأفريقـي ودول الجــوار.

وبنــاء علــى مــا ســبق، قــد تجــد الصيــن نفســها مجبــرة علــى أن تــؤدي دوراً أمنيــا فــي الشــرق الأوســط إذا مــا أرادت الحفــاظ علــى أمــن طرقهــا التجاريــة واســتثماراتها، وحينهــا ســتجد نفســها أمــام إشـكالية تناقـض الركيـزة الأساسـية فـي سياسـتها الخارجيـة والتـي أعلنتهــا فــي «وثيقــة سياســة الصيــن تجــاه الــدول العربيــة» لعــام 2016، والمتمثلـة فـي عـدم التدخـل فـي الشـؤون الداخليـة للـدول الأخــرى، وفــي مبــدأ التعايــش السلمي، وغيرهــا مــن المبــادئ الخمســة المذكــورة فــي الوثيقــة.

تأقلم الدور الصيني في المنطقة مع الصدمات

شكّل تفشي جائحة كوفيد-19 أزمة متكاملة على كافة الصعد، ووجدت الدول العربية، كباقي دول العالم، نفسها في مواجهة طارئ صحي، دون توفر بروتوكول معد مسبقاً للتعامل مع هذه الأزمة الناشئة.

ولأن الصين أول دولة حصل فيها التفشي، تشكلت لديها خبرة ودراية متقدمة بسلوك الفيروس، وشاركت هذه المعرفة مع دول عربية سواء بصورة مباشرة أو عبر منظمة الصحة العالمية صاحبة الاختصاص في تنسيق الجهود الدولية للتعامل مع الأوبئة.

كما نجحت الصين في الحد من أزمة سلاسل الإنتاج التي قوّضت المعروض، لا سيما في بعض السلع الطبية والوقائية اللازمة لمواجهة الفيروس، وبذلك صدّرت الصين نموذج لاحتواء الأزمات وليس فقط منتجاتها.

وطوال عام 2020 أوفت الكيانات التجارية الصينية بكامل التزاماتها التعاقدية باستثناء تلك المتصلة بظروف قاهرة، كالضغط على الشحن والإغلاقات، استطاعت تلبية الطلب المتزايد من بعض الدول العربية.

كما نجحت الصين في توريد كميات كافية من لقاحاتها إلى الدول العربية التي طلبت ذلك، إذ أن الصين انخرطت منذ بدايات الأزمة في "سباق جيوسياسي" لتصنيع اللقاحات وتصديرها إلى دول العالم بحكم أنها من أوائل الدول التي واجهت تفشي الفيروس، بالإضافة إلى اعتبارات التنافس المتعدد المجالات مع الولايات المتحدة، حيث انهمكت الدولتين في "دبلوماسية كوفيد 19" ومن ثم في "دبلوماسية اللقاحات" في دلالة على تسييس ما يتعلق بالجائحة.

ولم تُكمل المنطقة العربية تعافيها من الجائحة حتى اندلعت أزمة لا تقل عنها وطأة من حيث التأثيرات الجيوسياسية والاقتصادية، فقد أعلنت موسكو بدء ما سمّتها "عملية خاصة" في أوكرانيا في فبراير 2022، وبالمثل من جائحة كورونا، اتجهت أنظار دول عربية نحو الصين لمراقبة تفاعلها مع الأزمة وتحديد درجة تماسك العلاقات الصينية الروسية.

وأدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، وسط مخاوف من حدوث نقص شديد في المعروض وتوسّع الصراع نحو دول جديدة، وحالة عدم اليقين هذه زادت من الاهتمام الصيني بضمان تدفق النفط من منطقة الخليج العربي، في وقتٍ تباطأت فيه ديناميكيات التنسيق الأمريكي مع حلفائها المصدرين للنفط في المنطقة، وتحديداً السعودية الإمارات اللتان تمسكتا باتفاقيات "OPEC+" في مواجهة المطالب الأمريكية والغربية بزيادة الإنتاج النفطي.

وفي أوج صعود أسعار النفط، ادّعت صحيفة "The Wall Street Journal" في مارس 2022 أن الرياض وجّهت دعوة للرئيس الصيني، تشي جين بينغ، لزيارة الرياض.

2.jpg

يتضح من هاتين الأزمتين - جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية - أن الدور الصيني يوفّر مصدّ لدول المنطقة في وجه أي ضغوط قاسية قد تتعرّض لها، كما يمنح ذلك الدور مساحة للمناورة وتوسيع قائمة الخيارات بعيداً عن الانفراد الأمريكي السابق في التحرك إقليمياً كقوة عظمى وحيدة.

ولكن تدرك بكين ومعها عواصم المنطقة أن واشنطن لا تزال الوحيدة التي تمتلك أصول أمنية وعسكرية تمكّنها من تشكيل الأحداث وتحديد القواعد والخطوط الحمراء، بخلاف الصين التي لا تزال "بديل استراتيجي" يؤسس لوجوده في إقليم مليء بالصراعات والنفوذ الأمريكي الراسخ.

الخلاصة

يتضــح ممــا ســبق أن طموحــات الصيــن تــزداد فــي منطقــة الشــرق الأوســط، وباتــت تــؤدي دورا ًأكبــر فــي منطقــة تولــي لهــا أهميــة اســتراتيجية، ويبــدو أن الرؤيــة الصينيــة واضحــة المعالــم، وتنســجم مــع علاقاتهــا الثنائيــة فــي المنطقــة؛ خاصــة فــي إطــار أولويــات التعــاون الاقتصاديــة.

كمـا يُعتبـر النهـج الصينـي هامـا فـي إطـار فهـم الصيـن لمنطقـة الشـرق الأوسـط، ويتفـق مـع سـلوكها المتمثـل فـي النـأي بالنفـس عـن التدخـل فـي النزاعـات والخلافـات فـي المنطقـة، حيـث تُظهـر الصيـن حرصهـا علـى عـدم التدخـل فـي النظـام الإقليمـي الدقيـق والمتقلـب، وهـي تقيـم أيضـا علاقـات متوازنـة مـع كافـة المتضاديـن فـي المنطقـة دون أن تقـوم بتنفيـر أي طـرف مـن اللاعبيـن الإقليمييـن الرئيسـيين ودون أن يتـم تهديـد المكاسـب التـي حققتهـا.

ومـن نواحـي عديـدة، يتمثـل اهتمـام الصيـن بمنطقـة الشـرق الأوسـط فـي المجـال الاقتصـادي البحـت، إذ تلعـب مبـادرة «الحــزام والطريق» دورا ًرئيسـيا ًفـي سياسـة الصيـن الخارجيـة فـي المنطقـة، بالإضافـة إلـى اعتمـاد الصيـن علـى مـوارد الطاقـة مـن الشـرق الأوسـط بصفتهـا أكبـر دولـة فـي العالـم مـن حيـث عـدد السـكان مـع ثاني أكبـر اقتصـاد فـي العالـم، حيـث إن الصيـن لديهـا متطلبـات هائلـة فيمـا يتعلـق بمجـال الطاقـة.

وأخيـرا؛ فـإن المسـتقبل يوحـي بتغيـرات كبيـرة فـي سياسـات الصيـن تجـاه المنطقـة، ويأتـي ذلـك مـع تزايـد الفـراغ الأمنـي الـذي قـد يخلفـه الانسـحاب الأمريكـي النسبي مـن المنطقـة، وهـذه السياسـات تتمثـل فـي زيـادة تركيـز الصيـن علـى مصالحهـا الحيويـة؛ وهـو مـا يعنـي أن الصيـن سـتكون بحاجـة إلـى تأميـن تجارتهـا واسـتثماراتها فـي الشـرق الأوسـط بنفسـها، وهـذا يوحـي أيضـا ًبـأن عليهـا أن تزيـد مـن مشـاركتها الأمنيـة والعسـكرية والدبلوماسـية فـي تعقيـدات المنطقـة ونزاعاتهـا، بالتـوازي مـع سـعيها للحفـاظ علـى سـلامة مصالحهـا الحيـوية.

ستراتيجيكس

فريق تحليل السياسات