استراتيجية "قطع الرؤوس": التأثير والفعالية.. العقال والظواهري نموذجاً

تحليل السياسات| يتناول التحليل واحدة من الاستراتيجيات البارزة في سياق مكافحة الإرهاب، والمعروفة بـ "المطرقة الصلبة" أو "قطع الرؤوس" لقادة الجماعات الإرهابية، وتطورها التاريخي، ومدى فاعلية هذه الاستراتيجية في خلق ثغرات قيادية داخل التنظيمات الإرهابية وأزمات في اختيار الخليفة، تصل حد الانقسامات والانشقاقات، وثم أفول تلك التنظيمات ونهايتها.

الكاتب د. هاني نسيره
  • تاريخ النشر – ١٦‏/٠٨‏/٢٠٢٢

مقدمة

كجزء من الاستراتيجيات الوطنية والدولية لمكافحة الإرهاب، يمثل تكتيك استهداف القيادات الكبرى للتنظيمات الإرهابية أو ما تُعرف باستراتيجية "قطع الرؤوس" انتصاراً رمزيا على هذه التنظيمات، وكسراً معنويا لقواعدها وعناصرها، وسقوطاً لوعودها وشعاراتها، كما تضعها في أزمات تنظيمية حادة، ليس فقط على مستوى خلافة القيادة المستهدفة، ولكن أيضا في شبكات الاتصال والتمويل.

ولربما الأكثر تدليلاً على أهمية هذه الاستراتيجية، ما يحتله القادة من مكانة فاعلة ومؤثرة في التنظيمات الإرهابية وأدوارها وقوتها، والتي يترتب على استهدافهم؛ إرباك لهذه التنظيمات وشبكاتها وفروعها واتصالاتها، بشكل يؤدي إلى أزمات عميقة داخلها، قد تصل لأفولها وانهيارها، أو أن تشهد خلافات وصراعات داخلية بين عناصرها وأجنحتها، وإحدى هذين الاحتمالين هو ما يواجه أغلب التنظيمات العنفية بعد تصفية قادتها البارزين.

ولهذه الأسباب وغيرها، شكلت عمليات استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية، جزء من الاستراتيجيات الوطنية والدولية الفاعلة لمواجهة الإرهاب، وتعتبر ركيزة في إطار جهود ومسارات مُكافحة الإرهاب دولياً، وبالرغم من اختلاف تسمياتها وأوصافها، حيث يدعوها البعض من الباحثين بـ "استراتيجية قطع الرؤوس"، وتسميها الحكومة العراقية "الإرادة الصلبة"، ويسميها البعض الآخر "المطرقة الصلبة"، إلا أن جميعها يأتي في سياق واحد ظهر منذ تصفية قيادات القاعدة قبل وبعد زعيمه أسامة بن لادن الذي قتل عام 2011، وحتى مقتل خليفته أيمن الظواهري مطلع أغسطس 2022، وينطبق الأمر كذلك على تصفية قيادات تنظيم "داعش" المستمرة منذ عام 2016 حتى مقتل أبي بكر البغدادي عام 2019 وصولا لماهر العقال زعيم "داعش" في سوريا، الذي قتل في الثاني عشر من يوليو  2022.

التطور التاريخي لاستراتيجية الإرادة الصلبة وقطع الرؤوس

بدأت استراتيجية الإرادة الصلبة وقطع الرؤوس مع مقتل أبي مصعب الزرقاوي في يونيو 2006، والتوسع الأمريكي في استخدام الطائرات المسيرة والطائرات بدون طيار منذ العام 2007، والتي أصبحت ركيزة أساسية في استهداف قادة تنظيم "القاعدة" وفروعه في اليمن وأفغانستان وباكستان، لما تؤديه من دور بارز في تحديد الأهداف الجبلية، وفي التضاريس الوعرة، وفي جمع البيانات الاستخباراتية، ولما تتمتع به من قدرات عدة؛ تجبر الإرهابيين على اعتماد وسائل اتصال أقل كفاءة وتغيير مواقعهم بشكل مستمر.

وكان من نتائجها القضاء على عدد من قياداتها المركزية ووحدات الاتصال فيها، من أمثال مصطفى أبو اليزيد الرجل الثالث ومسؤول التمويل في القاعدة عام 2008، ومحمد خليل الحكايمة منظّرها المهم في ذات العام والذي يرجح أنه صاحب كتاب إدارة التوحش، وصولاً لاغتيال زعيمها ومؤسسها أسامة بن لادن في مايو 2011 والصف الثاني له.

ومع تزايد العزيمة الدولية في مُكافحة تنظيم "داعش" بعد أن سيطر على مساحات من العراق وسوريا، تضاعف الاهتمام باستراتيجية الإرادة الصلبة، حيث ركزت الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ على استهداف قيادات "داعش"، ليتوالى قطع الرؤوس وضرب قياداته، ومتابعة استهداف القيادات من الأجيال الجديدة التي تخلفها، في محاولة لإعاقة أي نمو للتنظيم الإرهابي وشبكاته وتمويله من جديد، ويلاحظ من استعراض أسماء أبرز قتلى "داعش" عام 2016، على سبيل المثال، أنهم قيادات نوعية يمثل استهدافهم خلخلة قوية لهياكل التنظيم، تهز عناصره وتفقدهم الثقة، وفي المجموع يبدو أن الأكثر أهمية وخطورة من هؤلاء، هم الذين قتلوا بضربات التحالف عام 2015.

قطع-الرؤوسin-2.jpg

ووفق عادة هذه التنظيمات المتطرفة، يتم تصعيد قيادات دنيا وعناصر وسطية مكان القيادات العليا متى تمت تصفيتها، لكن لوحظ أن من تم تصعيدهم من العناصر الوسطية لم يكونوا بنفس كفاءة القيادات العليا السابقة، وكثيرا ما تنشأ صراعات وخلافات بين القيادات الجديدة، وهو ما أدى إلى تراجع التنظيم وأداء عناصره في عدد من المعارك المحورية التي خاضها، وخسرها، واضطر بعدها لتقديم تنازلات لجماعات متطرفة أخرى، أو العمل في إطار من اللامركزية.

والملاحظ أنه في حالة "داعش" لا تحدث تأثيرات تلك الاستراتيجية على مستوى البنى والقيادات التنظيمية فقط، ولكن أيضا على مستوى المنظرين والرموز الفكرية، وكان من نتائج الاستراتيجية الأمريكية أن شهدت فروع وجماعات بايعت "داعش" في السابق، انقسامات وخلافات كبيرة حول استمرار قيادتها، كما في الحالة اليمنية، وفي حالة "بوكو حرام" الناشطة في نيجيريا والساحل الإفريقي، وقد ظهرت بشكل جلي في حالة أبو بكر شيكاو، الذي فجر نفسه في يونيو 2021، بعد حصاره من عناصر تابعة لجماعة خصمه أبو مصعب البرناوي، الذي سيطر فيما بعد على "بوكو حرام".

جزء من استراتيجية التحالف الدولي للحرب على "داعش"

ترسخت استراتيجية الإرادة الصلبة وقطع الرؤوس بعد تأسيس التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش"، مع استضافة مدينة جدة السعودية أولى مؤتمرات التحالف الدولي في أكتوبر 2014، بحضور ممثلين لأربعين دولة آنذاك، وهو ما جاء استجابة للضغوط العربية، بعد تصاعد الأزمات السورية والعراقية حينها، وكذلك مع توالي عمليات الإرهاب في عدد من الدول الغربية.

وقد قام تصور التحالف الدولي للحرب على "داعش" على إدراك ثلاثة أبعاد رئيسية تمثل مقومات هذا التنظيم وأسس فعاليته، كما يلي:

البعد الأول: استهداف معاقل التنظيم ومراكزه في العراق وسوريا (الخلافة المزعومة الزائفة) وهو ما انتهى بسقوطه.

البعد الثاني: الشبكات العالمية (المقاتلون الإرهابيون الأجانب وشبكات التمويل وشبكات التراسل).

البعد الثالث: استهداف فروع التنظيم وخلاياه النائمة عبر العالم، والمنتسبين الدوليين له في مختلف البلدان.

ويدرك التحالف الدولي أنّ أي حملة ناجحة للتصدي لداعش يجب أن تتعامل مع هذه الأبعاد الثلاثة معًا، وتحقيق التكامل بين الجهود المبذولة في استهداف تلك الأبعاد، لكن المواجهة الفكرية والأيدولوجية لتلك التيارات التفكيرية والأفكار المتطرفة لا زالت بحاجة لكثير من الجهد يتوازى مع الجهد الأمني الوقائي منها، وهي المسألة المهمة التي لم تأخذ حقها من الاهتمام والدعم حتى الآن، واقتصرت في أحيان كثيرة على إنشاء منصة تواصلية أو متابعة الأخبار دون النفاذ للقيم والأفكار.

وفي ضوء إدراك أهمية الأبعاد الثلاثة اللوجستية والتنظيمية والتواصلية، تضمنت استراتيجية التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في بؤر الصراع، ثلاثة مسارات أساسية للحرب عليه، كما يلي:

المسار الأول: العزل الخارجي، واستهداف الاتصال بين هياكل التنظيم وفروعه؛ وذلك عبر قطع الاتصال الحيوي بين التنظيم في الساحتين السورية والعراقية بالسيطرة على المعابر والمناطق الحدودية، والعزل الداخلي على الجبهات لتفكيك التنظيم.

المسار الثاني: التطهير القطاعي من الهامش إلى المركز؛ بحيث يتم ضرب مواقع سيطرة التنظيم خارج المركز، ثم الاتجاه صوب المركز لضربه.

المسار الثالث: الإرادة الصلبة أو استراتيجية قطع الرؤوس وتصفية قيادات التنظيم؛ ويقصد بها ضرب رؤوس التنظيم، عبر استهداف القيادات الرئيسية والميدانية فيه، مما يؤدي لارتباكاته وخلخلته وفقدان عناصره الثقة والاتصال في كثير من الأحيان، وكذلك ضرب تجمعات التنظيم وآلياته، ومناطقه المركزية وحلقاته الاستراتيجية.

ماهر العقال واستراتيجية قطع الرؤوس المتجددة

تعي التنظيمات الإرهابية، كداعش والقاعدة، وكذلك الجهود الدولية والحكومية الوطنية المكافحة لها، أزمة الرمز والقيادة لدى هذه التنظيمات، التي تواجه حرباً شرسة في حظر منصاتها الإعلامية، وعجزها عن ترميز أي قيادة جديدة، وأزمة تمويلاتها وقطع الطريق على فرصها في استغلال الأزمات والصراعات المحلية والإقليمية منذ ما عرف بـ "الربيع العربي" عام 2011.

وفي هذا السياق يأتي الإعلان عن مقتل ماهر العقال القيادي البارز في تنظيم "داعش"، في ضربة نفذتها طائرة مسيرة أمريكية -حسب إعلان المتحدث باسم القيادة المركزية في البنتاغون الكولونيل ديف إيستبرن لوكالة فرانس برس- أثناء ركوبه دراجة نارية بالقرب من جندريس في سوريا، كما أصيب أحد كبار مساعديه بجروح خطيرة، وفقا للعقيد جو بوتشينو، المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، والذي أضاف مؤكداً على أهمية هذه الاستراتيجية وبُعد تأثيرها: "إن التخلص من قادة داعش هؤلاء سيعطل قدرة التنظيم الإرهابي على المزيد من التآمر وتنفيذ الهجمات".

قطع-الرؤوسin-3.jpg

ومن المعلومات المتوافرة عن ماهر العقال تشير إلى أنه يعدّ من صقور التنظيم الأكثر تطرفاً، فهو شقيق فايز العقال  "والي الرقة"، الذي قتل في يونيو 2020، ومسؤول اللجنة المفوضة الشرعية، أعلى هيئات تنظيم "داعش"، وقد برز اسمه أثناء سيطرة "داعش" على الرقة قبل سقوط معاقلها هناك عام 2017، ويعد حالياً  مسؤول القيادة العامة لداعش في الشام، المقسمة لتسع ولايات داخل الأراضي السورية، تمتد عبر خلاياها في المدن السورية، وتكمن قياداتها داخل الأراضي القريبة من الحدود التركية، كما عرف عن العقال سعيه لتطوير شبكات "داعش" خارج العراق وسوريا.

وفي الواقع، تحمل عملية القضاء على ماهر العقال دلالات عدة، من أهمها:

أولا: جاءت عملية مقتله قبل يوم واحد من بدء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة ولقائه بعدد من قادتها، حيث أعلن الرئيس الأمريكي يوم 12 يوليو 2022 عن ضربة عسكرية أمريكية تم فيها مقتل ماهر العقال زعيم "داعش" في سوريا، وأحد أكبر خمس قيادات في داعش حالياً، وأصيب معه أحد أبرز مسؤولي "داعش" والمساعدين له، ولم تسفر العملية عن وقوع إصابات بين المدنيين.

ثانيا: تؤكد على استمرار الاهتمام الأمريكي بالمنطقة وبالحرب على الإرهاب وتهديدات الأمن الإقليمي، حيث "تحافظ القيادة المركزية الأمريكية على وجود كاف ومستدام في المنطقة، وتواصل جهودها في مواجهة تهديدات الأمن الإقليمي" حسبما نص بيان القيادة المركزية الأمريكية على حسابها على تويتر.

ثالثا: استمرار خطر وتحدي تنظيم "داعش"، رغم مرور عدة أعوام على سقوط معاقله في سوريا والعراق عام 2017، وإعاقة محاولاته للعودة من خلال توظيف فرص الأزمات والتوترات في سوريا والعراق وليبيا، وكذلك في جنوب آسيا، خاصة بعد صعود حركة "طالبان" وعودتها للحكم في أفغانستان، حيث أعلن تنظيم "داعش" عن تلك العودة عبر عدد من العمليات النوعية في أبريل ومايو 2022  في العراق، فيما عرف بـ"غزوة رمضان" التي استهدفت مقاراً عسكرية ونقاط تفتيش ومدنيين متعاونين مع الأجهزة الأمنية في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك، وشملت الهجمات استهداف دوريات للجيش والشرطة العراقية، ونصب نقاط تفتيش وهمية وهجمات بالعبوات الناسفة ضد دوريات عراقية ومركبات الجنود العائدين إلى منازلهم الذين تنتشر وحداتهم في قضاء الرطبة ومحيطه.

الظواهري الرجل الذي فقد ظله مع داعش

حين ترددت شائعة وفاة الظواهري عام 2021 رأي بعض المراقبين والباحثين أن فترة زعامته وقيادته للقاعدة كانت أكثر ضررا عليها من سواه، وأن بقاءه حيا أضر من صيرورته ميتا، فحسب ورقة اسفنديار مير وكولن ب كلارك التي نشراها في "فورين بوليسي" في 10 سبتمبر 2020، بخصوص الذكرى التاسعة عشر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ذكرا أن الظواهري لن يفكر في عمليات إرهابية شبيهة، فالرجل العجوز المطلوب أمنيا -بمكافأة 25 مليون دولار أمريكي، هي الأعلى بين إرهابيي العالم- ربما كان ضرر بقائه حيا للقاعدة أكثر من موته، حسب بعض المحللين.

وصف أحد نشطاء داعش، أيمن الظواهري في مقال طويل له عام 2015 بأنه "الرجل الذي فقد ظله"، فمن آن لآخر، كانت تثور الشائعات عن مرض أو رحيل زعيم القاعدة أيمن الظواهري ووفاته، وهو الذي تأكد مع ما أعلنته الولايات المتحدة والبيت الأبيض يوم الثلاثاء 2 أغسطس 2022، لتثور معها أزمة خلافته في قيادة القاعدة، وهي التي زادت منذ شهور بعد مقتل الرجل الثاني في القاعدة أبو محمد المصري (اسمه عبد الله أحمد عبد الله الألفي) بتاريخ  7 أغسطس 2020 في العاصمة الإيرانية طهران، وهو أحد المخططين للهجمات على السفارات الأمريكية في إفريقيا عام 1998 وكذلك في التخطيط لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

نهاية القاعدة المحتملة

يأتي مقتل الظواهري وأزمة خلافته في تنظيم القاعدة، ليفتح الأسئلة حول "مستقبل القاعدة" التنظيم الأم "للجهادية" المعولمة، خاصة مع ما يراه بعض المراقبين من أن "القاعدة" لم تعد تمثل خطرا على العالم كما كانت في السابق، وأن الظواهري قبل وبعد مقتله قد سُحب البساط من تحته لصالح "داعش"، وأن الاستراتيجية الصلبة التي انتهجتها الولايات المتحدة وحلفائها -عبر الطائرات بدون طيار- في اصطياد كبار قيادات التنظيم، من جيله الأول المؤسس أو جيله الثاني الفاعل، في المركز والفروع قد أدت لاحتضار التنظيم وأزمته وقرب نهايته.

لكن يرى البعض أن التنظيم الذي يحاول العودة إعلاميا عبر بعض المواقع في سوريا والعراق واليمن، وعبر بعض الأسماء التي يتم تسويقها وتنطرح من آن لآخر، ولكن يتم استهدافها سريعا مثل عطية الله الليبي الذي قتل عام 2011 أو إبراهيم الربيش منظر القاعدة في اليمن، والذي قتل أيضا عام 2015، ثم مقتل عدد من قادة الفروع الكبار مثل حمزة بن لادن الذي قتل في 31 يوليو 2020، ثم أبو محمد المصري الرجل الثاني في التنظيم الذي قتل في أغسطس 2020، لينفتح من جديد سؤال زعامة القاعدة، كون المصري كان أحد أبرز المرشحين لخلافة الظواهري، بعد ما يبدو من اعتزال أو اختفاء لسيف العدل.

كان حمزة بن لادن -بالخصوص- أملا لحياة القاعدة، وكان من الممكن اجتماع عناصر التنظيم عليه، وعد أبرز المرشحين بعد الظواهري وأبي محمد المصري، ورغم كل التأويلات يبدو تنظيم القاعدة في أزمة كبيرة فقدت فيها القيادة المركزية تأثيرها واتصالاتها، كما تبدو أزمة الخلافة حاضرة بقوة، لتأتي أجابة السؤال من حجمه وأن المجهول هو من قد يقود القاعدة بعد رحيل الظواهري. 

الغياب هو الأصل للظواهري

قبل وفاة أسامة بن لادن، وحين كان الظواهري الرجل الثاني في التنظيم كان ظهوره وحضوره  أكثر منه عند توليه زعامة التنظيم وكونه الرجل الأول فيه، وهو ما يعكس صعود أزمة التنظيم الأم للجهادية المعولمة، وانكشافه، حيث توالت ضربات عدد من أبرز قياداته الكبرى مثل عطية الله الليبي وأبو يحيى الليبي وآدام غادان وغيرهم، ثم ظهرت داعش عام 2013 التي انفصلت بالجزء الأكبر من فروع التنظيم وعناصره، وزاد هاجس الظواهري الأمني فالرجل لم يعد يظهر ولا يحمل هاتفا محمولا منذ سنوات، كما زادت إجراءاته في الاختفاء ولا يثق إلا في مجموعة قليلة تحيط به.

هكذا نرى أن مقتل الظواهري، الذي لم ينل قبول وكاريزمية أسامة بن لادن بين التكفيريين، وكان يتأخر ظهوره ويخرج ليفاجئ أنصاره ومتابعيه أنه لا يعلق على أحداث كثيرة كان منتظرا أن يذكرها، فهو لم يعلق مثلا على مقتل أبو محمد المصري أو إعدام الإرهابي المصري هشام عشماوي في 4 مارس 2020، أو يعلق على الصراع الصاعد والمحتدم بين حراس الدين (تنظيم تابع للقاعدة في سوريا تأسس في فبراير 2018) وهيئة تحرير الشام" التي كانت تتبعه حين كانت تسمى "جبهة النصرة".

ولعل أبرز المرشحين لخلافة الظواهري هو سيف العدل القيادي المصري والعسكري بالتنظيم، والمختفي بإيران، والذي قيل أنه عاد لأفغانستان قبل سنوات، ولكن نتوقع استمرار الأزمة وصعوبة التوافق على خليفة للظواهري بين بقايا القاعدة، فروعا وعناصر، وأن النهاية المحتملة هي التي تلوح بالأفق كإعلان لوفاة القاعدة خلال سنوات بعد وفاة زعيميه الأبرزين ورحيل كثير من الفاعلين في قيادته المركزية منذ عام 2008 و2011 بالخصوص، ومغادرة بعضهم الآخر لها وللفكر المتطرف أو السياسة منذ سنوات.

وختاماً؛ يبدو أن تركيز الولايات المتحدة على استهداف وتصفية قيادات التنظيمات الإرهابية والشخصيات المُتمرسة فيها، يخلق حالة من الفراغ في السلطة، تتزايد مع تراكم عمليات القتل لتقود في نهاية المطاف تلك التنظيمات إلى الفوضى، خاصة وأن القيادات الجديدة الأقل خبرة، تجد نفسها مُجبرة على تغيير مواقعها باستمرار، وتقليل شبكة اتصالاتها، واعتمادها على تقنيات اتصال بدائية، ويُمكن تلخيص استراتيجية الولايات المتحدة في شقين: الأول في استهداف القيادات الهامة، والثاني في تعقيد مسائل الخلافة لما كان لتلك القيادات من دور وتأثير ونفوذ على كافة الصعد داخل مُنظماتهم.

 

 

 

 

 

 

د. هاني نسيره

كاتب وخبير سياسي