إسرائيل كساحة جديدة للتنافس الصيني الأمريكي
في ظل العلاقات الأمريكية الصينية التي تزداد توتراً، وفي ظل الظروف الداخلية والخارجية التي تواجهها إسرائيل؛ هل من الممكن أن تكون إسرائيل ساحة جديدة للتنافس الصيني الأمريكي؟ وهل هناك سباق بين بكين وواشنطن لكسب ولاء تل أبيب؟ أم ستقوم الولايات المتحدة باستخدام أسلوب الضغط على حليفها التاريخي والاستراتيجي لتؤثر سلباً على العلاقات الإسرائيلية الصينية؟
الكاتب ستراتيجيكس
- الناشر – STRATEGIECS
- تاريخ النشر – ٠٤/٠٦/٢٠٢٠
بعد مرور 500 يوم وبعد انعقاد 3 انتخابات برلمانية مبكرة، تخللتها حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والتجاذبات السياسية الحادة، تشكلت الحكومة الإسرائيلية الخامسة والثلاثون باتفاق بين خصوم الماضي السياسيين: حزب "الليكود" بقيادة، بنيامين نتنياهو، وحزب "أزرق أبيض" بقيادة، بيني غانتس، على تناوب شغل منصب رئيس الوزراء بحيث يشغله نتنياهو لفترة 18 شهراً، ويتولى غانتس خلال هذه الفترة منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ومن ثم فإنهما يقومان بتبادل المناصب فيما بعد.
وشهد كلا المعسكرين انشقاقات سياسية عبرت عن عدم رضا بعض المكونات على التوجه إلى حكومة ائتلافية، فعلى سبيل المثال أعلن حزب "يمينا" بقيادة، نفتالي بينت، عن عدم تأييده التحالف مع تيار الوسط في الحكومة، إلا أن هذا القرار جرى خرقه من قبل رافي بيرتس الذي انشق عن الحزب المذكور لينضم إلى الحكومة الجديدة وليتسلم بعد ذلك منصبه كوزير لحقيبة القدس والتراث، إلا أن "وطأة" الائتلاف بين تياري اليمين والوسط كانت أقسى على الأخير؛ إذ تفكك تحالف "أزرق - أبيض" بشكل رسمي في تاريخ 29 مارس 2020، عندما انشق حزب "هناك مستقبل" بقيادة، يائير لابيد، وحزب "تيلم" بقيادة، موشيه يعلون، ومن ثم صادق الكنيست على احتفاظ حزب "الحصانة لإسرائيل" - الذي يتزعمه غانتس - باسم التحالف السابق "أزرق - أبيض".
وصلت اللوحة في الكنيست إلى شكلها النهائي؛ فالقائمة العربية، وهي القوة الثالثة من الناحية الكمية، قد خرجت - كما كان متوقعاً - من حسابات تشكيل الحكومة، لتمارس دورها التاريخي كمعارضة برلمانية، ولكن هذه المرة - ويا للمفارقة - إلى جانب حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة، أفغيدور ليبرمان، الذي وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية خلال فترة الأزمة السياسية بأنه وحزبه المكون السياسي الأقدر على إنجاز التفاهمات النهائية لتشكيل أي حكومة مستقبلية، وهذا ما لم يتحقق. وأما بالنسبة لباقي أعضاء المعارضة - غير المنسجمة برامجياً وشعبياً - فقد ضمت حزب "ميرتس" اليساري، بعد التحاق كل من: حزب "العمل" وحزب "غيشر" بالائتلاف الحكومي؛ وقد كانا قد تحالفا مع ميرتس في وقت سابق.
وقد أتى تشكيل الحكومة الإسرائيلية كاستجابة لعدد من التحديات والمتغيرات الداخلية والخارجية؛ فعلى الصعيد المحلي، هناك أزمة "كورونا" التي أثرت اقتصادياً واجتماعياً على إسرائيل كتأثيرها على جميع دول العالم، بالإضافة إلى ظهور الحاجة لإصلاح علاقة المجتمع الإسرائيلي بالنخبة السياسية خاصة بعد أن اهتزت الثقة الشعبية بالسلطة بشكل عام، نتيجة فترة طويلة من الفراغ السياسي.
أما إقليمياً ودولياً، فهناك ملفات بالجملة كان يجب من أجل التعامل معها، تأليف حكومة منسجمة - إلى حد ما - في مكوناتها لتفرض - ولو لفترة قصيرة نسبياً - الاستقرار السياسي على دوائر صنع القرار في تل أبيب، التي هي بصدد التعامل مع بوادر صراع مصلحي أمريكي - صيني مرتبط ببنية الاقتصاد الإسرائيلي ككل.
وقد كثر الحديث مؤخراً عن امتعاض أمريكي من شكل العلاقات الإسرائيلية الصينية التي يُنظر إليها على أنها على مستوى عالٍ من التنسيق، وتعتبر العلاقات بين بكين وتل أبيب من أحد أهم الملفات الحساسة بالنسبة للإدارة الأمريكية، نظراً لمكانة إسرائيل كحليف تاريخي للولايات المتحدة، إلى جانب موقعها الجيوستراتيجي المهم جداً اقتصاديا وأمنياً في حوض المتوسط، بالإضافة إلى غير ذلك من العوامل التي تدعو واشنطن إلى مراقبة التحركات الدبلوماسية عن كثب والتحركات التي لها علاقة بالمصالح الإسرائيلية، بالأخص تلك التي تنشط تجاه الشرق، وتجاه الصين على وجه التحديد.
هل هناك سباق لكسب ولاء تل أبيب؟
يشير تقرير نشرته مؤسسة "راند" في أواخر عام 2019 تحت عنوان "الاستثمارات الصينية في تكنولوجيا إسرائيل وبناها التحتية"، إلى أن العلاقة بدأت بين جمهورية الصين الشعبية وإسرائيل عام 1979 بعد أن كانت منقطعة بسبب أجواء الحرب الباردة، ليتم الإعلان رسمياً عن هذه العلاقات في عام 1992، كما ويشير التقرير إلى أن فاتحة العلاقات الثنائية بين البلدين كانت تقوم على نقل التكنولوجيا الإسرائيلية إلى الصين، وهذا دفع أشكال التعاون والتنسيق بينهما لتتشعب أكثر وتشمل جوانب متعددة؛ مثل: مجال الابتكار، والصحة، والتبادل التجاري، وغيرها.
ومن الممكن اعتبار عام 2015 تاريخاً مفصلياً في العلاقات الصينية الإسرائيلية؛ وذلك عندما فازت مجموعة شنغهاي إنترناشونال بورت غروب "SIPG" بمناقصة لإدارة ميناء حيفا ضمن عقد إيجار لمدة 25 عاماً ابتداء من عام 2021، وسبق ذلك عملية تطوير وتوسعة للميناء من قبل الشركة الصينية المذكورة، كما وقامت وزارة المواصلات الإسرائيلية عام 2014 بتوقيع عقد مع شركة "تشاينا هاربور" يسمح للأخيرة ببناء ميناء في مدينة أسدود جنوباً؛ كل ذلك يأتي في إطار مساعي الصين لتحقيق رؤيتها المرجوة من مبادرة "الحزام والطريق" التي تعتبر الشرق الأوسط إلى جانب آسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا مناطق لربط الصين بأوروبا، ولتحقيق ذلك يتضمن مشروع "الحزام والطريق" إنشاء البنى التحتية وتطويرها في هذه المناطق بما فيها الموانئ، حيث بلغ عدد الموانئ التي شاركت أو عملت الشركات الصينية على إنشائها وإعادة تطويرها وتوسعتها ما مجموعه 42 ميناء في 34 دولة؛ وذلك بحسب تصريح لوزارة النقل الصينية عام 2019.
وتستهدف الحجة الأمريكية أحد الركائز الأساسية في العلاقة الصينية الإسرائيلية، إذ يتخوف الخبراء ومسؤولو الأمن الأمريكيون من أن تتقاطع الاستثمارات الصينية مع مشاريع عسكرية إسرائيلية، أو من أن تكون قريبة جغرافياً من هذه المشاريع وغيرها من المواقع الاستراتيجية؛ فعلى سبيل المثال، يعتبر ميناء حيفا أحد النقاط الاستراتيجية للأسطول السادس التابع للجيش الأمريكي، كما أنه يعد مرفئاً للغواصات النووية الإسرائيلية، وذلك ما يدعو - من وجهة النظر الأمريكية - إلى رفع درجات الحيطة والحذر إلى حدود كبيرة.
وفي ميدان آخر للتنافس بين الولايات المتحدة والصين، يكتسب قطاع الصناعات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي في إسرائيل أهمية كبيرة، إذ أعلنت شركة "إنتل" الأمريكية للتكنولوجيا في يناير 2019 عن استثمار بقيمة 11 مليار دولار؛ وقد اعتبره وزير المالية الإسرائيلي، موشيه كحلون، آنذاك أنه أكبر استثمار أجنبي في تاريخ البلاد، ولم تتوقف الشركة الأمريكية عن إتمام صفقات استحواذ وشراء الشركات التكنولوجية الإسرائيلية التي كان أكبرها صفقة شراء شركة "Mobileye" التي بلغت قيمتها 15.3 مليار دولار، ليتبع ذلك في أبريل 2020 استحواذ شركة "Nvidia" الأمريكية لصنع الرقاقات على شركة "ملانوكس" الإسرائيلية بصفقة بلغت 6.9 مليار دولار.
يوحي سلوك الشركات التكنولوجية الأمريكية بأن هناك - إلى جانب عمليات الاستثمار بحد ذاتها - توجه إلى عدم إخلاء الساحة أمام الاستثمارات الصينية بقيادة كل من شركتي: "هواوي" و"ZTE" اللتين هما من ضمن 54 شركة صينية عاملة في مجالي الاتصالات والذكاء الاصطناعي، بحيث تعمل كل منهما على الاستثمار في إسرائيل؛ فبحسب تقرير مؤسسة "راند" المشار إليه أعلاه، اجتذب قطاع صناعة التكنولوجيا الإسرائيلي ما قيمته 5.7 مليار دولار كاستثمارات صينية في الفترة الممتدة ما بين عامي (2011 – 2018)، وعليه فهناك منافسة محتدمة بين الولايات المتحدة والصين لتوسيع المكاسب في القطاع التكنولوجي الإسرائيلي المربح، فعلى سبيل المثال بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية لمنتجات "الأمن السيبراني" نحو 5 مليارات دولار عام 2018؛ وفقاً لتصريح نتنياهو خلال انعقاد مؤتمر "سايبر تيك".
هذا وتمارس الولايات المتحدة على إسرائيل ضغوطات شبيهة بنظيرتها الواقعة على حلفائها في الاتحاد الأوروبي، لتحذيرهم ولمحاولة منع دخول شركات الاتصالات و"الهايتيك" الصينية إلى إسرائيل، تخوفاً من مزاعم تتعلق بتجسس مثل هذه الشركات على القطاعات المدنية والعسكرية على حد سواء من خلال استغلال التعاون مع عدد من الشركات التكنولوجية الإسرائيلية، وتوقيع العقود الرسمية معها.كما قام عملاق الاتصالات الصيني "هواوي" بالاستحواذ على الشركتين الإسرائيليتين "توجا نتوركس"، و"هكسا تير" في أواخر عام 2016.
وفي نوفمبر 2018 بعد نحو شهر واحد من توقيع الحكومة الإسرائيلية لـ 8 اتفاقيات تعاون مع بكين في مجال الصحة والعلوم والتكنولوجيا والزراعة وغير ذلك، وصفت الصحافة الإسرائيلية ردة الفعل الأمريكية فيما يتعلق بما وصلت إليه الاستثمارات الصينية من تغلغل في بنى الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، بالانفجار في وجه المسؤولين في تل أبيب، وذلك من خلال التشديد على أن شكل العلاقات مع الصين غير مقبول بتاتاً، وهذا ما جرى التعبير عنه خلال زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها، جون بولتون.
وقد استجاب مدير جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، نداف أرغمان، للتحذيرات الأمريكية بتصريحه خلال ندوة مغلقة في جامعة تل أبيب، حول أن الاستثمارات الصينية تشكل خطراً على بلاده - بالأخص تلك المتعلقة بالبنى التحتية والتي من ضمنها قطاع الاتصالات والتكنولوجيا - إلا أن هذا التصريح يمكن أن يتم فهمه كتهدئة للانفعال الأمريكي، لأنه لم يترتب عليه القيام بأية إجراءات تذكر، وما يؤكد ذلك هو تفاخر نتنياهو في يناير 2019 بأن الصادرات الإسرائيلية كانت قد تنامت بنسبة 56%؛ ما يعزز من مكانة الصين كثالث أكبر شريك تجاري بعد كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
إن هذا الضغط الأمريكي الكبير على الحليف الشرق أوسطي المهم، تجدد مع زيارة خاطفة لوزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 13 مايو 2020 إلى تل أبيب، وذلك من خلال مطالبته بالحد من الاستثمارات الصينية، وهذا ما تُرجم مباشرة في تاريخ 26 مايو 2020 عندما قررت لجنة المناقصات التابعة لوزارة المالية الإسرائيلية، تنفيذ مشروع محطة "شوريك B" لتحلية مياه البحر - التي من المقرر أن تكون الأكبر في العالم - بواسطة شركة إسرائيلية، بدلاً من شركة "هاتشيسون" الصينية التي كانت صاحبة الحظ الأوفر في العمل والإشراف على المشروع قبل زيارة بومبيو.
واشنطن تراقب عن كثب
تتوقع الإدارة الأمريكية من المسؤولين في تل أبيب الأخذ بعين الاعتبار المساعدات الأمنية الأمريكية البالغة 3.8 مليار دولار سنوياً، والغطاء السياسي والدبلوماسي الذي توفره الولايات المتحدة لإسرائيل في المحافل الدولية وفي علاقاتها مع الدول الأخرى وفي استراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط، ليتم عكس ذلك على السلوك الإسرائيلي في علاقات إسرائيل مع خصوم الولايات المتحدة على الصعيد العالمي، وهذا ما قد يراه المدافعون عن العلاقات مع الصين - في إسرائيل - تعدياً على السيادة الإسرائيلية أو فهم أمريكي خاطئ للعلاقات البينية بين البلدين؛ فإسرائيل أيضاً تقدم خدمات استخباراتية وأمنية واقتصادية وجيوستراتيجية للولايات المتحدة، وبالتالي - وبحسب هذا الرأي - هناك منفعة متبادلة وليست منفعة إسرائيلية أحادية الجانب.
وبالتأكيد فإن الولايات المتحدة لا تستطيع التخلي عن موقفها تجاه إيران ونفوذها الإقليمي لكي تضغط على إسرائيل فيما يخص علاقاتها مع الصين، لأن هذا الملف لا يتعلق فقط بالعلاقات الإسرائيلية الأمريكية، بل بمجمل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وما يرتبط بذلك من تأمين المجالات الحيوية لحلفائها، إلا أن الولايات المتحدة من الممكن أن تضع العراقيل أمام الحكومة الجديدة أثناء طريقها لتنفيذ بنود الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط المعروفة باسم "صفقة القرن"؛ تحديداً فيما يتعلق بضم المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن، إلا أن الحكومة الإسرائيلية عازمة على تنفيذ ذلك في يوليو 2020.
وقد أظهرت الأزمة السياسية في إسرائيل أن معسكر اليمين بقيادة، بنيامين نتنياهو، هو الفصيل السياسي الوحيد الذي يمكن التعويل عليه من قبل بكين وواشنطن على حد سواء؛ لإقامة توازن دقيق بين مصالح كل منهما في البنية الاقتصادية والاجتماعية الإسرائيلية، وبالتالي من المفترض أن تعي الإدارة الأمريكية أن زيادة الضغط على إسرائيل للحد من علاقاتها مع الصين، قد يفضي إلى أزمة سياسية حقيقية مع تل أبيب، بل وحتى في تل أبيب، بمعنى آخر من الممكن أن تدخل إسرائيل في حالة من الفراغ السياسي كالذي خرجت منها مؤخراً، إذا سعت واشنطن إلى خلق أو دعم نخبة سياسية إسرائيلية جديدة ترعى مصالحها بشكل أكثر وضوحاً واتساقاً، إلا أن هذا السيناريو الأخير من الصعب أن يتحقق حالياً، نظراً للتشظي الشديد الذي أصاب مختلف أطياف الشارع السياسي الإسرائيلي لصالح اليمين الذي يسيطر عليه حزب "الليكود".
كما لا بد من الأخذ بعين الاعتبار قدرة إسرائيل في الضغط على منظمة الآيباك لحث البيت الأبيض على تخفيض درجة رقابته على العلاقات الخارجية الإسرائيلية مقابل التعهد بأن هذه العلاقات لن تخرج عن الفلك الأمريكي، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن هذه العلاقات لا تمتلك خصوصية إسرائيلية؛ لكن السؤال هنا يتمحور حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة على الإبقاء على هذه المعادلة أم لا؟
هناك إدراك رصين لدى صناع القرار في إسرائيل بأنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن الصين أصبحت تحتل مكانة أكبر بل وآخذة في التزايد على الساحة الدولية اقتصادياً وسياسياً، وبأن التعامل مع هذه المكانة في إطار الظرف الإسرائيلي الراهن لا يتوافق مع الأسلوب الحمائي الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية الحالية، بل على العكس تماماً، ستسعى الصين أكثر فأكثر إلى توسيع قاعدة تحالفاتها الدولية والإقليمية مع محاولة عدم خسارة أي من أطراف وعناصر هذه القاعدة.
وتمتلك الصين رؤية اقتصادية واستثمارية تجاه الاقتصاد العالمي، مغايرة لنظيرتها الأمريكية، رؤية تهدف إلى التدويل لا الحمائية، وإلى توزيع احتكار النقد لا إلى مركزة احتكاره، وإلى خلق سلاسل توريد قاريّة وتعزيز دور الإنتاج البضاعي على حساب اقتصاد خدمة الديْن الذي لا يطور العملية الإنتاجية. بين هذه الرؤيتين – أي الرؤية الصينية والأمريكية – لا تأتي إسرائيل كموفق، وإنما كمفاوض براغماتي يعمل على تحقيق أكبر قدر من المكتسبات، فعلى الرغم من اختلاف شكل ومضمون التحالفات الصينية الشرق أوسطية عن التحالفات الإسرائيلية، وبشكل واضح في جزئية العلاقة مع إيران، بالإضافة إلى عدم موافقة - أو في أحسن الأحوال عدم اهتمام - الصين على سير عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إلا أن كلا الطرفين - الصين وإسرائيل - يدركان تماماً بأنه لا غنى عن الشراكة الاقتصادية طويلة الأمد.
يجادل البعض أن العالم يشهد الآن طوراً جديداً لإعادة التشكل وتوزيع القوى في زمن تفشي فيروس "كوفيد-19" المستجد الذي مثل مرحلةً فجرت الخلافات الاقتصادية والسياسية على الصعيد العالمي بين الخصوم والمتنافسين، وهذا ما يتبين من خلال المناكفات والتصريحات الرسمية المتعارضة فيما بينهم - أي بين الخصوم والمتنافسين - وغير المنسجمة مع جهود مكافحة الفيروس على الصعيد العالمي. وتتقدم الخلافات الصينية الأمريكية إلى الواجهة، وتتخذ من مواقع جغرافية عدة حول العالم - منها الشرق الأوسط - ميداناً لتحصين المصالح وتوسيعها.
قد تكون إسرائيل قادرة أكثر من غيرها على التعامل مع هذا التناقض المسيطر على العلاقات الدولية، وذلك لما تملكه من مميزات اقتصادية وجغرافية وعسكرية، إلا أنها لا تواجه فقط هذا التحدي، إذ أنه يوجد هناك عملية السلام المتعثرة مع الفلسطينيين والتي لا يحظى الجانب الإسرائيلي فيها برضى المجتمع الدولي، وهناك معضلات عسكرية يفرضها السياق الإقليمي الذي لم يهدأ أمنياً منذ عقود، إلى جانب وجود بيئة سياسية محلية أصابها الاضطراب، كل هذا وغيره يقلل بل ويضعف من الأدوات اللازمة للموازنة بين مصالح أكبر اقتصادين في العالم يتنافسان في إسرائيل والمنطقة.
ستراتيجيكس
فريق تحليل السياسات