أهمية أن تتحمل القوى الإقليمية مسؤوليتها التاريخية في تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط

مقال رأي للدبلوماسي والسفير الفلسطيني السابق، نبيل معروف، يطرح فيه مبادرة جديدة لتحسين واقع الشرق الأوسط وتحييد الصراعات الناتجة عن التدخلات الدولية والوزن المنخفض للمنطقة في النظام الدولي، وترتكز وجهة نظره في المبادرة على التحولات التي شهدتها القارة الأوروبية خلال عصورها المظلمة.

الكاتب نبيل معروف
  • تاريخ النشر – ١٣‏/٠٩‏/٢٠٢٤

يشهد الشرق الأوسط تحولات جذرية في سمة العلاقات الثنائية بين دوله، وفي شكل التحالفات متعددة الأطراف، وتحديداً منذ أن أبرمت واحدة من أبرز المصالحات في المنطقة منذ عقود، إن لم يكن منذ قرون، باستئناف السعودية وإيران علاقتهما في مارس 2023 برعاية صينية، وهو الحدث الذي لم يتردد صداه في مختلف العلاقات العربية الثنائية مع إيران، لا سيما من جهة مصر فحسب، بل أطّر أيضاً لأسس جديدة حول الشكل الذي يُفترض أن تكون عليه العلاقات بين الدول الوازنة والمركزية في المنطقة، فبعد عقود من الصراعات والمنافسات السلبية التي حكمت تفاعلاتها، عادت تلك الدول لمراجعة مواقفها وتغليب مصالحها الوطنية وحاجة الإقليم إلى مرحلة جديدة من الاستقرار تُركز على تحقيق التنمية الشاملة وتُحيّد عوامل الصراع والمنازعات، وقد فتح ذلك الباب واسعاً أمام الجميع لطرح المبادرات وتقديمها والإسهاب بها، طالما ذلك يُحقق تلك المصلحة المشتركة.

مع ذلك؛ فإنّ حل الصراعات في الشرق الأوسط أو إدارتها، مسألة شديدة التعقيد لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، إلا أنّ أحد العوامل الرئيسة فيها والتي تغفل عنها الأدبيات، يتمثل في اختلاف النظام الإقليمي الفرعي للمنطقة عنه في أي إقليم آخر حول العالم، وتحديداً في طبيعة العلاقة ما بين الدول المركزية فيه، وتلك التي تجمعها قواسم وتاريخ مشترك ومصير واحد، إذ تميل هذه الدول إلى إدارة علاقاتها مع بعضها الآخر وفق مبادئ المنافسة وعدم الثقة، ما يُغذي من الصراعات القائمة ويُعقّد تسويتها، ويقف حائلاً دون انتقال المنطقة من العمل الفردي إلى الجماعي، الذي حتماً سيصنع التنمية والازدهار.

دلالة ذلك، تتضح بالنظر إلى تاريخ القارة الأوروبية، التي يرتبط تاريخ الحرب والسلام فيها بطبيعة العلاقات بين دولها الرئيسة، وتحديداً بريطانيا وفرنسا وألمانيا، فعندما كانت تلك الدول أو بعضها تتنافس على الهيمنة والقوة السياسية أو الدينية، عاشت القارة وسط سلسلة من الصراعات والمعارك والانقسامات، ومن بينها: ("حرب الـ100 عام" بين فرنسا وإنجلترا بين 1337 و1453 ، والحرب الأنجلو-فرنسية بين فرنسا وبريطانيا خلال الفترة 1778 و 1783، والحرب الفرنسية الألمانية "1870-1871"، ووصولاً إلى الحربين العالميتين، الأولى 1914-1918، والثانية 1939-1945 واللتان شكّلت أوروبا مسرحهما الرئيس). لكنّ ذلك المشهد اختلف كليّاً عندما شعرت الدول الأوروبية -التي تجمعها جذور من الكراهية والصراع-بالمسؤولية التاريخية لإنقاذ أوروبا، واختارت الوحدة والتكامل بدلاً من التدمير الذاتي للأمم الأوروبية، وقد توصلت إلى عبثية الحروب والصراعات وعدم جدواها. وعلى المنوال نفسه، فإنّ الشرق الأوسط سيبقى ساحة صراع بين دوله، والقوى الكُبرى، طالما أنّ القوى الإقليمية فيه لم تتخذ قرارها بالعمل على إنقاذه، ونقصد هنا بتلك القوى كل من السعودية ومصر وتركيا وإيران، وأفضل الخيارات المُتاحة أمام هذه الدول لتغيير الواقع ومواجهة القوى المُهيمنة هو دراسة فكرة التحالف، والتي سيقدمها هذا المقال كمبادرة تستحق النظر، مع الإدراك بأنّ طرح هكذا مبادرة في  ظل الوضع القائم، يعتبر تفكيراً خارج الصندوق، وستواجه الفكرة بمشككين ومنتقدين، من دول وجماعات، ومن مثقفين وأكاديميين، وممن يستفيد من واقع الصراع ومجريات الحروب، ومن قوى الغرب وأطراف الهيمنة التي تستخدم ما تمتلك من أساليب ووسائل ممكنة، لإبقاء الشرق الأوسط ساحة حصرية لنفوذها وإدارة صراعاتها.

الشرق الأوسط كميدان رئيس للقوى الكُبرى

تقدم هذه المبادرة ذاتها كفكرة تصحيحية لمسار تاريخي استعماري حكم المنطقة دون أن يأخذ بعين الاعتبار مصالح شعوبها ودولها، فمنذ بدايات التاريخ كانت القبائل أو الكيانات أو الدول تعتمد مبدأ التوسع جغرافياً على حساب كيانات أخرى مجاورة، بهدف تحقيق الهيمنة والسيطرة، إضافة الى تحسين وتطوير الوضع الاقتصادي الذي يساعدها بتحقيق المزيد من النفوذ والتوسع، إلّا أنّ العامل الأهم وراء أي توسع كان دائماً اعتبار الغزو رادعًا للقوى الأخرى لمنعها من أن تقوم بالشيء نفسه، وربما نستطيع القول إنّ هذه الغزوات في الأصل هي حروب وقائية تشنّها كيانات ضد من يمكن أن يمتلك من عوامل القوة والاقتصاد لمنافستها أو السيطرة عليها، وبعبارة أخرى لمنع الآخر من امتلاك القوة والاقتصاد حتى لا يكون عدواً محتملًا في المستقبل.

ولطالما كان الشرق الأوسط هدفاً لتوسّع الامبراطوريات وميدان أساس في مواجهات القوى العظمى، وذلك لموقعه الاستراتيجي الذي يطل على الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، ويضمّ أهم المضائق الدولية، مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس، ويعمل كحلقة وصل أو جسر بين بلدان وقارات العالم، ويكتسب أهمية في الاقتصاد العالمي منذ اكتشاف النفط الذي يقدر احتياطيه بـ 66 بالمئة من احتياطي النفط العالمي. ولأن الشرق الأوسط وصف مُتحرك وغير ثابت في أبعاده الجغرافية، فإنّ المقصود به هنا وصف المنطقة التي تشمل بلدان العالم العربي، الواقعة في كل من شبه الجزيرة العربية ومنطقة الهلال الخصيب، من العراق شرقًا الى بلاد الشام غربًا، ووادي النيل وشمال أفريقيا، إضافة إلى ثلاث دول غير عربية، وهي تركيا وإيران وقبرص.

وبعد ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، دخل بعد جديد للصراع، خاصة بعدما انتشر إلى بقية منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت الأغلبية العظمى لشعوب هذه المنطقة تدين بالإسلام الذي انتشر حتى وصل إلى أبواب فيينا، وتوسع في كل الاتجاهات، بما فيها إقامة الخلافة الإسلامية في الأندلس، مقرونة بالحركة العلمية والثقافية المزدهرة التي قدمها المسلمون إلى بلاد الغرب، إذ رأى فيه الغرب المسيحي تهديدًا وجوديًا للحضارة الغربية المسيحية، فخاض حروب الاسترداد حتى تمكّن من إنهاء الخلافة الإسلامية في أوروبا، وانطلق بعدها في هجوم مضاد، ولكن هذه المرة في عقر دار الإسلام في منطقة الشرق الأوسط.

فمنذ بدايات القرن التاسع عشر بدأت تأثيرات الدول الغربية الكبرى وتدخلاتها تظهر على مسار الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، وكانت بمثابة حرب وقائية تهدف أولاً إلى منع عودة الإسلام إلى أوروبا، وتحجيمه داخل حدوده في منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى إعادة رسم خريطتها بما يلبي طموحات الغرب وأطماعه بالسيطرة على مقدراتها وإمكانياتها، وبما يضمن عدم إتاحة الفرصة لهذه المنطقة للتقدم والتطور، وبالتالي عدم التمكّن من منافسة الدول الغربية على قيادة العالم.

map-أهمية-أن-تتحمل-القوى-الإقليمية-مسؤوليتها-التاريخية-في-تحقيق-الاستقرار-في-الشرق-الأوسط.jpg

ولتحقيق ذلك ركزت الدول العظمى الأوروبية على الدول الإقليمية الثلاثة في المنطقة حينذاك، وهي الدولة العثمانية والامبراطورية الفارسية والدولة المصرية، ففرّقت بينها وساندت بعضها على البعض الآخر، وقد أيدت الدولة العثمانية ضد مصر ليس حباً في العثمانيين، ولكن لمنع امتداد المصريين إلى بلاد الشام، وبعد أن نجحت في ذلك انقضت على الدولة العثمانية وأسقطتها، وأعادت الأتراك إلى حدودهم. كذلك تحالفت بريطانيا مع روسيا وتمكنت من إخراج النفوذ الفارسي من القوقاز وإعادته الى حدود إيران الحالية، كما تم منع مصر في عام 1840 من تحقيق التواصل بين عرب آسيا وعرب أفريقيا عندما أجبر جيش محمد علي باشا على الانسحاب من بلاد الشام إلى مصر بموجب معاهدة لندن، ثم احتلال بلاد الشام في بداية القرن العشرين (ما عدا اليمن والسعودية). وقد ساهمت تلك الوقائع الاستعمارية في إقامة إسرائيل على أراضي فلسطين، وانتداب معظم بلدان المنطقة، وبعد انهيار الإمبراطوريات الأوروبية وظهور هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، مضت في مسار السياسات الأوروبية ذاتها، وقررت إدارة الصراع العربي -الإسرائيلي والامتناع عن حله أو السماح بحسمه لإبقاء المنطقة على صفيح ساخن باستمرار.

مقدمات التحالف

شكلت تركيا ومصر وإيران تاريخياً، نقاط ارتكاز استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، ولكن منذ ظهور الإسلام وبعد توحيد المملكة العربية السعودية، اكتسبت البلاد مكانة واحتراماً إقليمياً ودولياً، وبدأت تُعزز من حضورها الإقليمي لسدّ الفراغ الناتج عن تراجع الدول العربية كسوريا والعراق، وهذا يجعل منها عضواً رئيساً في أي تحالف قوى تشهده المنطقة، إلّا أنّ تلك المبادرة تواجه بتحديات مُركبة ومُعقدة؛ إذ إنّ الدول الإقليمية الأربعة تعاني اليوم من علاقاتها مع العامل الدولي المسيطر على المنطقة، حيث إيران محاصرة دولياً، وفي نفس الوقت تنعدم ثقة دول المنطقة بها، وتركيا متحالفة مع الغرب بحكم عضويتها في حلف الناتو، إلا أنها تنظر بحذر لتحركات الغرب وسياساته تجاهها إلى درجة التنسيق مع روسيا الخصم اللدود للناتو، أما مصر، ورغم معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل، الا أنّ الغرب حريص بطريقة أو بأخرى على الحيلولة دون استعادتها لدورها المركزي في المنطقة، وذلك حرصًا على إسرائيل التي يتعامل معها الغرب وكأنها الدولة الإقليمية الثالثة الى جانب تركيا وإيران، أما السعودية التي فرضت نفسها كقوة إقليمية، فإنها، وعلى خلاف تموضعها خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تعيد ترتيب أوراقها وتتوازن في علاقاتها بين القوى العظمى لتكون على مسافة واحدة من الجميع.

على صعيد آخر؛ فإنّ العلاقات الثنائية بين الدول الأربعة ليست دائماً على ما يُرام، وهناك اختلافات بينها وتعارض في مصالحها، ولكن أحد العوامل الأساسية في هذه الخلافات ومصدرها هو تأثير علاقات ومصالح ونفوذ العامل الدولي في المنطقة، والذي يحرص دائماً على توسيع الخلافات بين دولها، ومن تداعيات ذلك التباينات المذهبية ومدى الاحترام لحرية التعبير وحقوق الإنسان، والتي أدت في بعض الأحيان إلى حرمان المواطن من التمتع بحقوقه الأساسية في بلده، تحت ذريعة العرق أو المذهب، فتهتز درجة ولائه لوطنه لصالح دولة المذهب الذي ينتمي إليه، الأمر الذي يفتح المجال لدولة ما أن تتدخل في شؤون دولة أخرى بحجة حماية اتباع هذا المذهب أو ذاك، أو أن ترى جماعة عرقية هنا أو هناك أنها مهمشة ومظلومة، فتحاول الانفصال عن الوطن الأم.

وذلك يدفعنا لسؤال: ما هي درجة حدة الخلافات بين هذه الدول؟ وهل هناك إمكانية لأن تتجاوز هذه القوى الإقليمية الأربعة خلافاتها؟ وهل هناك مصلحة لهذه الدول في تأسيس تحالفات بينية لإضعاف تأثير التدخلات الخارجية؟ أعتقد أنّ ترسيخ العلاقات بين هذه الدول الأربعة عملية صعبة معقدة، ولكنها ليست بالمستحيلة، بالرغم من معارضة الدول الكبرى لتشكّل كيان قوي في الشرق الأوسط، قد يأتي على حساب نفوذها في المنطقة وتصوراتها بأن يبقى الشرق الأوسط بؤرة للصراع والاختلاف.

إلا أنّ إحساس كل من الدول الأربعة بحجمها الإقليمي، وشعورها بالمسؤولية نحو المنطقة، أوجد بالضرورة هامشاً أو مسافة بين كل منها وبين القوى العظمى، وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية، التي تصنف دول العالم إما معها أو ضدها، ومن الواضح أنّ عمق هذه المسافات بدأ يتغير وفقاً لمصالح هذه القوى الإقليمية وموقعها المرتقب في النظام العالمي الجديد، والذي بدأت ترسم ملامحه بعد حرب أوكرانيا، والذي سيكون حتماً متعدد الأقطاب، وقد يفرض على الغرب الأوروبي أو بعضه، وخاصة دوله الكبرى، إعادة التموضع الاستراتيجي لأوروبا في أن تكون مستقلة كقوة عظمى، أو أن تظل تابعة للولايات المتحدة الأمريكية عبر حلف شمال الأطلسي.

وأصبح يُمكن ملاحظة الكثير من القواسم المشتركة بين هذه القوى الإقليمية الأربعة التي تمهّد لحوار صريح يؤدي إلى تضييق مساحة الخلافات بالتدريج، وصولاً إلى مرحلة يُمكن فيها دراسة تأسيس مُبادرة تجمع تلك القوى الأربعة في تحالف واحد، يحدّ من التدخلات الخارجية في المنطقة، وبالتأكيد سيساهم في حل الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي المدار دوليًا منذ أكثر من مئة عام، ويفتح الباب على مصراعيه لتحقيق الأمن والاستقرار وتوسيع دائرة المشاريع التنموية والتعليمية والاقتصادية، ويُمكن مشاهدة التطورات الأخيرة في العلاقات بين السعودية وإيران من جهة، وبين مصر وتركيا من جهة أخرى، إضافة إلى العلاقات الجيدة بين السعودية وكل من مصر وتركيا، بوصفها تعكس ضمنًا رغبة القوى الأربعة ونواياها في التنسيق والتعاون بينها، وذلك في الأساس ما يدفعنا لاقتراح هكذا مبادرة.

أهمية-أن-تتحمل-القوى-الإقليمية-مسؤوليتها-التاريخية-في-تحقيق-الاستقرار-في-الشرق-الأوسطin-3.jpg

متطلبات نضوج مبادرة التحالف

ما هو مطلوب وضروري هو ابتداع الوسيلة التي تمهد الطريق لتعزيز هذا التعاون وتعميقه، إلا أنه من المؤكد أنه لا يمكن تحقيقه بشكل فجائي وسريع، إنما يحتاج الأمر إلى متسع من الوقت يتيح عرض الفكرة، وعبر سلسلة من الندوات الدورية التي تجمع ثلة من المفكرين والمثقفين والمؤرخين من منطقة الشرق الأوسط، بهدف نقد الفكرة وبلورتها وتعزيزها بإضافات تزيد من فرص نجاحها وقبولها لدى المؤسسات السياسية، ووضع الأسس التي تمهّد لحوار حقيقي وهادف لتحقيق هده المبادرة، والذي قد ينتج عنه تشكيل (المفوضية العليا لدول الشرق الأوسط) على شاكلة المفوضية الأوروبية.

ومن المبادئ والمفاهيم والأسس التي لا بد من تناولها والبحث فيها، وتعميم ممارستها في الدول الأربعة، لتكون هي القاعدة التي تجعل أنظمتها متشابهة، وتقلّص الفوارق بينها، وتجعل العلاقات بينها قائمة على أرضية واضحة وشفافة، وتكون منطلقاً للبحث دائمًا في تنمية وتطوير المنطقة، وتوفير الأمن والاستقرار والرقي لشعوبها:

أولاً: يجب أن يتضمن التحالف بين الدول الأربعة مبادئ منصوصة توضح أنّ الانفتاح والتعاون غير المحدود بينها لا يجب أن يُوظّف للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، واحترام سيادة كل دولة على جميع مواطنيها، لا سيما منهم الأقليات العرقية والدينية والمذهبية، يُقابل ذلك تأكيد الدول على المساواة بين جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتمائهم العرقي والديني والمذهبي، وهذا كفيل إلى حد كبير بمعالجة جذور الخلافات المذهبية على مُستوى الدول والأفراد، إذ يكفل للأفراد حقوقهم بممارسة شعائرهم الدينية، والاندماج في مجتمعاهم وأوطانهم، دون تدخل أو اختراق من أطراف خارجية.

ثانياً: متابعة الوضع الاقتصادي في كل دولة من دول المنطقة، وتقديم المساعدات الجماعية لضمان:

1- سلامة البنية التحتية التي توفر الخدمات الأساسية للجميع وبنفس النوعية.

2- مساعدة الدول الأقل نموًا لتطوير قدراتها من خلال إشراكها في المشاريع التنموية والصناعية والزراعية، بطريقة تكاملية، ودعمها لتطوير قدراتها التكنولوجية.

3- الحرص على رفع مستوى الفرد بما يفتح المجال لحماية الطبقة الوسطى في كل دولة من دول المنطقة.

ثالثاً: وضع استراتيجية موحدة ومتفق عليها تستعيد بموجبها القوى الإقليمية الأربعة السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، والتعامل مع الدور الدولي بموقف إقليمي موحد يراعي مصالح شعوب المنطقة، وتوظيف طاقاتها ومصادرها وثرواتها لتحقيق مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

رابعاً: الاتفاق أنّ المكوّن المسيحي في الشرق الأوسط مكوّن أساس في التركيبة السكانية للمنطقة، على أن يتمتع المواطنون المسيحيون بكامل الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين بشكل كامل، والعمل على إيقاف الهجرة المسيحية من المنطقة.

خامساً: وضع الخطط العلمية والتربوية والتوعوية لإعادة بناء الإنسان الفرد، ومعالجة الآفات التي لازمت إنسان العالم الثالث وكانت عاملًا أساساً في اختراق الغرب الاستعماري لمجتمعاتنا، فأفسد وفرّق وجنّد وحرّض، حتى أصبح التآمر والاقتتال والخيانة والظلم أمرًا شائعًا يمارسه بعضنا ضد أبناء جلدتهم لخدمة أهداف وأجندات خارجية.

سادساً: دراسة أفضل السبل لانضمام بقية دول المنطقة للمبادرة استنادًا إلى الأسس التي قامت عليها، وتفاهمت على مضمونها، على أن تضبط عملية الانضمام لوائح وقوانين وأنظمة تراعي ظروف المنطقة وموروثها الثقافي والديني، ويمكن الاستفادة من دفتر شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي لتحقيق تنمية في جميع المجالات الثقافية والاقتصادية وغيرها وبشكل متواز.

سابعاً: من الممكن الاتفاق على تشكيل "المفوضية العليا لدول الشرق الأوسط" كجسم سياسي دولي يمثل المنطقة بأكملها.

ماذا لو تحققت المبادرة؟

بينما يتم تحضير المسرح الدولي لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، فإنّ المبادرة تهدف لحجز مكان وحضور لدولها في فضاء ذلك النظام، وبالتالي لدول الشرق الأوسط، ثُمّ الحضارتين العربية والإسلامية؛ على طاولة النظام الدولي الجديد كقوة موحدة، وذلك أصبح أمرًا ملحًا وضروريًا، ويستحق فرصة للنظر فيها وتطويرها، لأنها فكرة واعدة، وستجعل من منطقة الشرق الأوسط قوة عالمية أساسها الحضارة الإسلامية البعيدة عن التطرف بكافة أشكاله، وأنّ المنطقة، بإمكاناتها وطاقاتها ووحدتها، ستتمكن من أن تكون قطبًا دوليًا، وينحسر تأثير العامل الدولي في تقرير مصير المنطقة، ويتم التعامل مع القوى العظمى معاملة الندّ للندّ.

كما تستحق هذه المبادرة فرصتها من استحضارها للتاريخ وتجارب الماضي، على أمل أن ينتصر قادة هذه الدول وصناع القرار فيها لمبدأ توحيد المنطقة وتنميتها وتطويرها، بما ينهي استغلال الغرب لخيراتها وثرواتها، وأن تتمكن من أن تحكم نفسها استناداً إلى ما تمليه مصالح شعوبها بعيداً عن إملاءات الدول الغربية التي تهدف لتحقيق مصالح الغرب على حساب الأمم الأخرى.

 وفيما يتعلق بتجاهل إسرائيل من هذا التحالف في الوقت الذي تعدّ فيه دولة إقليمية، ويتعامل معها المجتمع الدولي وفقاً لذلك، فإنّ فكرة المبادرة وتوقيت طرحها يرتبط أساساً بمعالجة الوضع الناتج عن السياسات الإسرائيلية الرافضة للسلام، ودور تلك السياسات في استمرار حالة عدم الاستقرار والتوترات الأمنية، إذ لا تزال قوة تحتل أراضٍ عربية وفلسطينية، وتمارس الفصل العنصري ضد مواطنيها الفلسطينيين، وكذلك ضد الفلسطينيين أصحاب الأراضي التي احتلت عام 1967، وتمعن في مصادرة الأراضي الفلسطينية وزيادة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس، بهدف قتل حل الدولتين وإنهاء أي بارقة أمل لتحقيق سلام في المنطقة.

أهمية-أن-تتحمل-القوى-الإقليمية-مسؤوليتها-التاريخية-في-تحقيق-الاستقرار-في-الشرق-الأوسطin-2.jpg

بخلاف ذلك فإنّ المبادرة تُبقي الخيار مفتوحاً لإسرائيل إذا ما فضّلت هي أولاً الاندماج في المنطقة، وأن تصبح شريكًا حقيقيًا في السلام العادل والشامل والنهائي، الذي يلزم لتحقيقه أن تقوم إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وأولها إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على كامل أراضيه المحتلة عام 1967، وذلك يعتبر الحد الأدنى المطلوب من إسرائيل تنفيذه، وهو ما أقرته الشرعية الدولية ونصت عليه القرارات الأممية، وهي نفسها المطالب التي تشترطها القوى الإقليمية الأربعة (السعودية، ومصر، وتركيا، وإيران)، حيث لن يكون الشرق الأوسط أوروبا الجديدة، ولن يكون الشرق الأوسط مستقرًا وامنًا، طالما أنّ إسرائيل متمردة على الشرعية الدولية وتتجاهل الحاجات الضرورية لأهل المنطقة.

وأخيراً؛ لطالما نهضت الأمم والحضارات بالأفكار والإبداع والتطوير، وشقّت طريقها بالعلم والمعرفة والثقافة، وبداية المسار لبلورة هذه المبادرة يتم عبر تكليف مجموعة من مراكز الأبحاث بتنظيم جلسات عصف فكري لمجموعة من مؤرخي المنطقة وباحثيها ومثقفيها ومفكريها، وبخاصة من الدول الأربعة، إضافة إلى غيرهم، للبحث في العلاقات بين الدول الأربعة، وتحديد الإيجابيات الموجودة وتقديم الاقتراحات لتطويرها، وتشخيص التوترات بين كل دولة وأخرى، والبحث في أسبابها وطرق التخفيف من درجات توترها تمهيداً لاحتوائها، وأن تتعمق في البحث لمحاولة الإجابة على السؤال: هل هناك فرص لتطوير هذه المبادرة؟ وإذا كانت المعوقات الخارجية معروفة، فما هي المعوقات الداخلية المحتملة؟ وما هي السبل لإبطال مفعول هذه المعيقات؟ وفي ضوء نتائج تلك الأبحاث والدراسات، تبدأ عملية التخطيط لتنظيم سلسلة من المؤتمرات تبحث وتدرس "أهمية تحالف القوى الإقليمية لإطلاق الشرق الأوسط الموحد والمستقل كأحد أقطاب نادي الكبار". 

* يُعبّر هذا المحتوى عن وجهة نظر كاتبه، ولا يتحمل معهد ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبه بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ولا يعكس المحتوى بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المعهد.

نبيل معروف

دبلوماسي وسفير فلسطيني سابق