أزمة الفكر والممارسة عند الإسلام السياسي

يناقش مقال الرأي هذا، أن سلسلة الانهيارات التي واجهت تجارب جماعات الإسلام السياسي في السلطة بعد العام 2011، تُمثل حتمية سياسية لها مؤشراتها ودلالاتها في جذور تلك الجماعات الفكرية وممارساتها التاريخية.

الكاتب د. حسان أبو عرقوب
  • الناشر – STRATEGIECS
  • تاريخ النشر – ٠٩‏/٠١‏/٢٠٢٢

مقال رأي ضمن سلسلة: الإسلام السياسي تحت المجهر 

تمهيد

شكل صعود جماعات الإسلام السياسي وانهيارها في المرحلة اللاحقة لما يُعرف بـ"الربيع العربي"، تساؤلات وجدالات عدة، تمحورت حول الأسباب التي أدت إلى أفول نجمها بعد أن اقتصرت تجاربهم في الحكم على فترات زمنية وجيزة نسبياً، شهدت خلالها سلسلة من الاخفاقات وواجهت مجموعة من الانتفاضات الجماهيرية والإجراءات التنفيذية والسقطات الانتخابية.

ويفسر طيف واسع من الباحثين والمختصين ظاهرة السقوط تلك إلى حالة الانفصال الواضحة ما بين هذه التيارات والمجتمعات التي وُلت عليها، حيث لم تُمعن جماعات الإسلام السياسي أن إدارة الدولة شأن مختلف تماماً عن إدارة الجماعة، خاصة وأن خصائص الدولة أكثر شمولاً واتساعاً من التحكم في هيكل جماعي يحمل الأفكار ذاتها.

وانطلاقاً من هنا، تجادل هذه المقالة أن سقوط الإسلام السياسي يمثل حتمية سياسية، ذلك أن مؤشرات ودلالات هذا الفشل يكمن بصورة أساسية في الجذور الفكرية عند مجموعات الإسلام السياسي وممارساتها التاريخية، حيث يسعى هذا المقال لإلقاء الضوء على طبيعتها في الاحتكار والاستعلاء والخصوصية التي تمنحها تلك الجماعات لأفرادها وأفكارها على حساب غيرها من المكونات الاجتماعية والسياسية.

مسألة الحكم عند الإخوان المسلمين

ينطلق الإخوان المسلمون من نقطة مفادها أنّ مسألة الحكم من المسائل الاعتقادية، أي أنها من أصول الدين لا فروعه، يقول مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا في رسائله ص149: " والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع" ومعلوم أن الأمر ليس كذلك عند أهل السنة؛ لأنّ مباحث الحكم تعتبر من المسائل الفقهية الخالصة، وإنما ذكرها علماء الكلام عندنا ليردّوا على الشيعة والخوارج، لا لأنها من مباحث علم الكلام، فهي مسألة فقهية فرعية، وليست مسألة كلامية من الأصول، يقول الإمام إبراهيم الباجوري الشافعي شيخ الأزهر الشريف في شرحه على العقائد النَّسَفيّة ص21: "فإن قيل: جعْلُ الإمامة من مقاصد الكلام ينافي جعلها من الفقهيات، أجيب: بأنها إنما جعلت من مقاصد الكلام مع كونها من الفقهيات حقيقة؛ لدفع ما شاع في مبحث الإمامة من الاعتقادات الفاسدة، والاختلافات الباردة، سيما من الروافض والخوارج".

in-2-(4).jpg

كما أنّ مجموعات الإسلام السياسي تتفق على الرغبة في الوصول إلى الحكم، إمّا بطريق الانتخابات، أو الانقلابات أو القتال، يقول حسن البنا في رسائله: "فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله". وتأمّل قوله: "الحُكم من مناهجهم"، وقوله: "وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله"، وخلاصة ذلك أن هناك رغبة دائمة وهدف رئيسي لدى الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة.

الدمج بين الإسلام والنظام الإسلامي

ثمّ لا نجد عند مجموعات الإسلام السياسي تمييزًا بين الإسلام والنظام الإسلامي في خطابه، فكلّ ما ينتقده هؤلاء على الدول الإسلامية التي يعيشون فيها لا يعدو عن كونه إخلالا ببعض مفردات النظام الإٍسلامي لكنه لا يبلغ إلى الإخلال في الإسلام نفسه، فالإخلال بنظام الإسلام من الفرد أو الدولة يوقع صاحبه في المعصية فقط، أما الإخلال في الإسلام نفسه أركانا وعقائد فهو الطريق الذي قد يوصل صاحبه إلى الكفر، والخلط بينهما هو ما أوقع فئة من مجموعات الإسلام السياسي في تكفير الحكومات والدول واستباحة قتالها.

وإذا ناقشنا المقولة السابقة لحسن البنا حيث يرسم منهج الإخوان المسلمين بقوله: "وسيعملون لاستخلاصه -يعني الحكم- من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله". الأمر الذي يطرح تساؤلات جوهرية في منهاج الإسلام السياسي حول ماهية الحكومات التي تُنفذ أوامر الله وهل كانت على امتداد التاريخ الإسلامي؟ إذ قد لا ينطبق ذلك إلا على الخلافة الراشدة وبعض المراحل القصيرة في حياة الأمة.

وهل الحلّ في الإصلاح والنصيحة كما ورد في الكتاب والسنة أو باستخلاص الحكم من أيدي الحكومة كما يريد حسن البنا بدعوى أنّها تخالف أوامر الله؟ وهل الإصلاح والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكون إلا عند المخالفة؟

أمّا استخلاص الحكم فيكون عند هدم أحد أركان الإسلام أو عقائده، وهذا معنى "إقامة الصلاة" في قول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم: «وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ».

الخلط بين الدعوة والسياسة

قامت مجموعات الإسلام السياسي بالخلط بين الدعوة والسياسة، هذا الخلط تولّدت عنه أخطاء كثيرة وأهمّها، استغلال هذا التيار للمنابر والمحاريب بحجة أنهم دعاة، بينما هم يمارسون من خلالها سياستهم أو تحريضهم أو أفكارهم الخاصة، مما يجعل لهم قيمة مضافة عن غيرهم من مختلف الاتجاهات السياسية المنافسة، الأمر الذي يُسهم في ترجيح كفتهم في الانتخابات، ثم يدخلون المجالس البرلمانية كدعاة لا كسياسيين، فيمارسون الدعوة بدل السياسة، أي هم في المسجد أهل سياسة وفي البرلمان أهل دعوة، فلا نجحوا هنا ولا هناك.

وربّما كان الخلط بين الأشياء طلبا للكمال، لكنه في حقيقة الأمر خلط لا يأتي بخير، وهو عنوان النقص وعدم التمييز بين الأشياء، حيث يحجب الرؤية الواضحة، والهدف المحدد، ويوقع صاحبه في التّيه وضياع الهويّة، ويجسد كلام حسن البنا عن الإخوان صورة مصغرة لفقدان البوصلة حيث يقول في هوية الإخوان المسلمين في مجموع رسائله ص110: " إنها دعوة سلفية، طريقة سنية، حقيقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شراكة اقتصادية، وفكرة اجتماعية"، كيف والدعوة مبنية على التسامح والتناصح والتلطف بالآخرين، بينما الحزبية مبنية على التنافس السياسي والحزبي، والتي قد لا تعرف النزاهة غالبا!

التوحد والتماهي مع الإسلام

ومن أعظم المشكلات التي وقع فيه أبناء الإسلام السياسي التماهي مع الإسلام أو التّوحّد بحيث أصبح في أذهانهم -وهْمًا- أنهم هم الإسلام والإسلام هم، على طريقة الحلول والاتحاد، فالكلام عنهم كلام عن الإسلام، والمساس بهم مساس بالإسلام، ونقد فهمهم لمسألة فرعية لا يعني إلا طعنا في الإسلام، فأفكارهم هي الإسلام، وآراؤهم هي الإسلام، وتوجهاتهم هي الإسلام، قال حسن البنّا عام 1945 في مؤتمر رؤساء المناطق: "نحن الإسلام أيّها الناس، فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا كما يعرف نفسه " إذن يعتبرون أنفسهم الحق المطلق الذي لا حق سواه.

ومما نتج عن هذا أنّهم قاموا بإلغاء الآخر وتجاوزوه وكأنه غير موجود؛ لأنه يخالفهم أي يخالف الإسلام، بل إنّ تجاهل الآخرين صار واجبا شرعًا، كي لا نقع في مخالفة الإسلام التي هي مخالفة رأي الحزب أو الجماعة، مما جعل هذه المجموعات إقصائية، لا تستطيع أن تضع يدها بيد أحد من المسلمين إلا في حالة المصلحة الراجحة. ويشير حسن البنا إلى ذلك في رسائله ص 110 بقوله: " فالإخوان المسلمون أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال، فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود، ويتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة". تأمل قوله: "فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان وتسود".

فإن سألتَ: لمَ لمْ يقل: "مبادئ الإسلام" التي تنتشر بدل "مبادئ الإخوان"؟ لأجابوك: هما شيء واحد، وقصد بمبادئ الإخوان مبادئ الإسلام.

ومن أخطر ما ينتج عن ذلك أنّ الفشل الذي أصاب مجموعات الإسلام السياسي صار ينسب ظلما إلى الإسلام، بسبب تلك الحالة الواهمة التي عاشها هؤلاء وأدخلوا الناس فيها رغما عنهم، فصار الفشل ينسب إلى تجربة الإسلام لا إلى تجربة هؤلاء، وهذا ظلم عظيم سببه هؤلاء لدينهم. ومما نتج عن ذلك ما قام به فريق من أبناء الإسلام السياسي من استباحة القتل والاغتيال، ولا ننسى في مصر تلك الحوادث الدامية التي راح ضحيتها: القاضي الخازندار، محمود النقراشي باشا رئيس وزراء مصر، الشيخ محمد الذهبي وزير الأوقاف المصري، الكاتب فرج فودة، السيد رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب وغيرهم، حيث أبيحت دماؤهم لأنهم خالفوا الإسلام أي خالفوا ما تراه الجماعة أو الحزب.

وليس ذلك فحسب، بل هناك اغتيال الشخصية، بمعنى الإساءة إلى الشخصيات البارزة والوازنة ومحاولة تشويه سمعتها، كما فعل أبناء هذه التيارات مع الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، وكما فعلوا مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق.

ثم وجّهوا سهامهم في الاغتيال للشخصية إلى العاملين في المؤسسات الدينية بوصف أبنائها بأنهم علماء السلاطين في محاولة للإساءة لهم، ثم انتقل الأمر للمؤسسات نفسها فطعنوا في الأزهر ومرجعيته، وفي دار الفتوى ومرجعيتها؛ بحجة أنّ أبناء الإسلام السياسي هم وحدهم من يمثلون الإسلام فقط، واعتبروا المؤسسات وغالب من فيها من العلماء الفضلاء أحد أذرع الاستبداد السياسي، والتخلف العلمي، بسبب عدم خروجهم على الحاكم وتمسكهم بمسطور الفقه التقليدي القديم.

in-1-(5).jpg

 وهذا ما يشرح معنى أحد شعاراتهم المعروفة (الإسلام هو الحلّ) أي وجودنا نحن في الحكم؛ لأننا والإسلام شيء واحد هو الحلّ لمشكلاتكم، وهيهات، فمن حيث الظاهر يقولون لك: إن سبب تخلّفنا هو بعدنا عن الإسلام، فبالعودة إليه يصلح حالنا، وهنا ينبغي أن نسأل عن أمرين:

الأول: هل كان تقدم أوروبا وأمريكا لأنهم اتخذوا الإسلام منهجا ودينا أم هو الأخذ بالأسباب الدنيوية التي ربط الله بها نتائجها ربطا عاديا عند أهل الحق؟

الثاني: هل معنى ذلك الشعار أننا لسنا مسلمين ولا نعيش الإسلام؟ فإن كان هذا غير مراد، فما قيمة قولكم؟ وإن كان مرادا، فهل نحن نعيش بالكفر ولا نعرف الإسلام؟ فلنا أن نسأل هل تكفروننا؟ فإن قلتم: لا، قلنا لكم: فنحن على الإسلام فما فائدة دعواكم؟ ثم أيّ إسلام تقصدون؟

الجواب: الإسلام يعني هم وما يرونه، إنه ضرب من الكبر والغطرسة التي مارسها فرعون على رعيته حيث قال لهم: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29] فكان هذا الشعار وأمثاله ثوبا يسترون به غياب الرؤية والاستراتيجية والبرامج المرتبة المحكمة المدروسة، كما يظهرون بتلك الشعارات الرنانة تسطيحًا للأمور وتبسيطا لها، مما يكشف عن غياب تام للوعي السياسي والاقتصادي، والاجتماعي والإداري وغيرها.

لغة الاستعلاء عند الإخوان المسلمين

ورث الإخوان المسلمين من أدوارهم السابقة لغة استعلائية فيها من الغرور والاستكبار على الآخرين، ومن نماذج ذلك ما خاطب به حسن البنا فضيلة الشيخ يوسف الدجوي العالم الفقيه وأحد أعضاء هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، وكان يكبر حسن البنّا وقتها بـ 36 سنة عندما طلب منه الدجوي أن يعمل قدر الاستطاعة ويترك النتائج لله، فأجاب البنّا بما ينقله في (مذكرات الدعوة والداعية): "يا أستاذ! إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنيا وللرغيف الذي تأكلون، فإنه إذا ضاع الإسلام في هذه الأمة ضاع الأزهر، وضاع العلماء، فلا تجدون ما تأكلون، ولا ما تنفقون، فدافعوا عن كيانكم إن لم تدافعوا عن كيان الإسلام، واعملوا للدنيا إن لم تريدوا أن تعملوا للآخرة، وإلا فقد ضاعت دنياكم وآخرتكم على السواء". وكنت أتكلم في حماسة وتأثر وشدة، من قلب محترق مكلوم، فانبرى بعض العلماء الجالسين يرد علي في قسوة كذلك، ويتهمني بأنني أسأت إلى الشيخ وخاطبته بما لا يليق، وأسأتَ إلى العلماء والأزهر".

لذلك انعكس هذا المرض (الاستعلاء) على علاقة أبناء الإسلام السياسي مع غيرهم من العاملين في ذات الحقل، فبدل أن يتعاونوا على البِرّ والتقوى، تجد العداوة والبغضاء تمتد نيرانهما بين أبناء هذا الاتجاه، فيكتوي بعضهم بنار الآخر. فحزب التحرير والإخوان المسلمين على طرفي نقيض، والإخوان فيما بينهم انقسامات كثيرة، على سبيل المثال ظهرت جمعية الإخوان المسلمين في الأردن لتطعن في وجود جماعة الإخوان المسلمين، وظهرت بـمبادرة زمزم كمشروع بديل عن الجماعة، وغير ذلك من أحزاب وتجمعات، حيث لم يستطع الإخوان توحيد كلمتهم وصفهم، فكيف سيوحدون مجتمعًا وأمة؟ إنه التنافس الذي يطغى على العلاقات بسبب الحزبية والسياسة، حين أغفِلتْ الدعوةُ وأخلاقها وآدابها.

وإن كانت هذه الجماعات والأحزاب لا تستطيع أن تمارس الشورى والديموقراطية في كيانها الداخلي، فكيف ستمارسه في الخارج، فهي تفصل وتجمد عضوية كل من خالف رأيها، وكأنه يُمنع على الفرد أن يفكر أو أن يكون مختلفا، فإن قيل: فماذا تقولون في مشاركتهم في الانتخابات الديموقراطية؟ الجواب: الديموقراطية وانتخاباتها ليست إلا حذاء يلبسونه متى شاءوا، ويخلعونه متى شاءوا، لا أكثر من ذلك ولا أقلّ، وفي ذلك يقول حسن البنا في "رسالة التعاليم" :(ولو أخذنا بالحزم وأعلناها صريحة واضحة: أننا معشر أمم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شيء من هذا الذي يزعمون) ويقول في حديث الثلاثاء :(هذه هي دعوتنا ليس لها منهاج إلا الكتاب الكريم، ولا جنود إلا أنتم ولا زعيم إلا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فأين من نظامنا هذه النظم التافهة المتداعية؟ هذه الديمقراطية، والشيوعية، والديكتاتورية) لكن الديموقراطية ستكون أمرا حضاريا عندما تكون سبيلا للوصول إلى الحكم، وهذه هي النفعية والبرغماتية والوصولية بأوضح صورها.

كما شكلت القضية الفلسطينية ورقة رابحة لمجموعات الإسلام السياسي، حيث كانت شعاراتهم تتناولها بمناسبة وبغير مناسبة، لتلمز في الأنظمة الحاكمة من جهة، ولتحقق مكاسب شعبية وانتخابية من جهة أخرى، وإذا تأملنا سنرى أن وصول هذه الجماعات إلى السلطة لم يحرّك حجرا واحدا في اتجاه حلّ القضية الفلسطينية. فالقضية ليست إلا سلّما يصعدون عليه للوصول إلى السلطة والحكم، كما فعلوا مع الدّين الإسلامي نفسه من قبل.

وخلاصة ما سبق، إنّ جماعات الإسلام السياسي جعلت من الدين الإسلاميّ غطاء تستَتِر وراءه؛ كي تتسوّل تعاطف الناس والناخبين على وجه التحديد، فهو وسيلة للتربح والكسب غير المشروع للأصوات الانتخابية، لأنّ عالمنا العربي معروف بعاطفته الدينية الجارفة التي يستغلونها، ولكن هذا الغطاء لن يستمرّ حيث سينكشف أبناء الإسلام السياسي مجرّدين عن أي فكر سياسي أو دبلوماسي سليم، أو خطط اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية أو حتى دينية، وعندها سيستيقظ مجموعة من الناس من أثر الجرعات التخديرية التي كان يُعطاها على شكل شعارات وهتافات تجعل الإسلام طوق النجاة للدولة ويطالب بإزاحة أبناء الإسلام السياسي عن الحكم، بينما سيظلّ فريق آخر تحت سطوة هذه المخدّرات مطالبا ببقائهم وإعطائهم مزيدا من الفرص والوقت، وبينما سنرى فريقا آخر يراقب وينتظر الفرج، وهكذا ينقسم المجتمع، وتظل الأمة مقسّمة، مُحطمَة مقصدا هامًّا من مقاصد الشريعة الإسلامية ألا وهو مقصد وحدة الأمة.

 

 

*تُعبر هذه الدراسة عن وجهة نظر كاتبها، ولا يتحمل مركز ستراتيجيكس أي مسؤولية ناتجة عن موقف أو رأي كاتبها بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخرى، ولا تعكس بالضرورة موقف و/أو وجهة نظر المركز.

د. حسان أبو عرقوب

دكتوراه في الفقه وأصوله/ إعلامي