هل تدلل زيارة الملك إلى واشنطن على تنامي "معامل التأثير" الأردني؟

تقدير موقف | يتناول التقدير زيارة الملك عبدالله الثاني إلى الولايات المتحدة مطلع فبراير 2023 ولقائه بالرئيس الأمريكي جو بايدن، وما تلاها من لقاءات مع أعضاء اللجان الرئيسية في الكونغرس الأمريكي، ويتطرق التقدير إلى أهمية هذه الزيارة التي تتزامن مع تطورات هامة في المنطقة، خاصة في الساحتين الفلسطينية والإيرانية، بالإضافة إلى الساحة الإسرائيلية.

الكاتب حازم سالم الضمور
  • تاريخ النشر – ٠٥‏/٠٢‏/٢٠٢٣

بدأ جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، آواخر يناير الماضي جولة عمل شملت دولة قطر وكندا، وبعدها الولايات المتحدة الأمريكية في ختام تلك الجولة المهمة، حيث التقى جلالته بالرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثاني من فبراير، تلاها سلسلة لقاءات مع أعضاء اللجان الرئيسية في الكونغرس الأمريكي بشقيه الشيوخ والنواب.

زيارة جلالة الملك للولايات المتحدة الأمريكية، ولقائه بالرئيس الأمريكي، للمرة الرابعة خلال عام ونصف، تترافق مع تطورات هامة في المنطقة، خاصة في الساحتين الفلسطينية والإيرانية، بالإضافة إلى الساحة الإسرائيلية، وهي القاسم المشترك بين الساحتين السابقتين، لا سيما وأنها ساحة تشهد هي الأخرى مستجدات وتطورات هامة.

فالساحة الفلسطينية تشهد تصعيداً متسارعاً يُهدد بمضاعفة الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية في الضفة الغربية، تحت وقع الإجراءات الإسرائيلية العسكرية والاستيطانية، وسياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه القدس والمسجد الأقصى والتي صلت حداً غير مسبوق. هذا إلى جانب تفعيل مستويات متقدمة من أساليب وتكتيكات الحرب الرمادية ما بين إسرائيل وإيران وبشكل ينذر بامتداد آثارها على كافة دول المنطقة.

ما قبل الزيارة

زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين للولايات المتحدة الأمريكية سبقها العديد من الأحداث والتحركات التي فرضتها حالة التصعيد، وهي تحركات سياسية وأمنية شهدت زيارات مهمة للأراضي الفلسطينية وإسرائيل، قام بها مسؤولون أمنيون كبار من الأردن ومصر والولايات المتحدة، وعلى رأسهم مدير المخابرات العامة الأردنية اللواء أحمد حسني، ورئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ورئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بيل بيرنز.

وبالتزامن مع تلك الزيارات جاء لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في العاصمة عمان في 24 يناير 2023، وهو اللقاء الذي شدد فيه جلالة الملك "على ضرورة احترام الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف وعدم المساس به"، بالإضافة إلى "ضرورة الالتزام بالتهدئة ووقف أعمال العنف لفتح المجال أمام أفق سياسي لعملية السلام، وضرورة وقف أي إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام" كما أشار بيان الديوان الملكي بعد اللقاء.

وليس بعيداً عن ذلك اللقاء، جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن لمصر وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، والتي أكد فيها، خلال لقائه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في رام الله، التزام الولايات المتحدة الأمريكية بحل الدولتين، ومعارضة أي إجراءات أحادية الجانب تحول دون ذلك، خاصة النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، باعتباره عقبة أمام السلام.

 ستراتيجيكس-تنامي-معامل-التأثير-الأردني-in-2.jpg

الزيارة وما بعدها

الأهمية الخاصة التي تتسم بها زيارة جلالة الملك للولايات المتحدة الأمريكية، ولقائه برئيسها وبرئيس مجلس النواب وبأعضاء اللجان الرئيسية في الكونغرس الأمريكي ومسؤولين أمريكيين آخرين، تأتي في ضوء المسؤولية الكبيرة التي يضطلع بها الأردن في المنطقة والإقليم، وإدراك الولايات المتحدة لمكانة الأردن الجيوسياسية ودوره التاريخي كعامل استقرار مركزي في الشرق الأوسط. وهو ما حملته الزيارة المكلية من دلالات على قدرة "معامل التأثير" الأردني في تصويب المسار، والذي تظهر مؤشراته من خلال رسائل واضحة يحملها جلالته، وهي:

أولاً: رسالة عدم السماح بالمساس بالقدس والمقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، وإلزام إسرائيل باحترام الوصاية الهاشمية على القدس ومقدساتها، والتذكير بما تم الاتفاق عليه في معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بهذا الخصوص، خاصة في المادة التاسعة منها والتي نصت على أن "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن"، وهو ما أكد عليه الرئيس الأمريكي عقب لقائه بجلالة الملك، حين أشار إلى "الدور الحيوي للوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس، وتشديده على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الحرم الشريف".

ثانياً: رسالة توازن المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية لحل القضية الفلسطينية، ومركزية الحل السياسي القائم على قرارات الشرعية الدولية، والتحذير من مخاطر السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وهي رسالة تحمل تحفظات على مقترحات تغليب الحل الأمني كما قدمه وزير الخارجية الأمريكية في دعوته للسلطة الفلسطينية لتشكيل "قوة أمنية خاصة" لفرض السيطرة على نابلس وجنين، وهو ما ظهر في تأكيد جلالة الملك على "الدور القيادي للولايات المتحدة في الدفع نحو التهدئة وإيجاد أفق سياسي حقيقي للحفاظ على فرص تحقيق السلام الشامل والعادل القائم على حل الدولتين"، و "ضرورة وقف الخطوات الإسرائيلية التي تقوض حل الدولتين وتدفع باتجاه المزيد من التأزيم"، والتشديد على "أهمية تكثيف الجهود لدعم الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه العادلة والمشروعة، وقيام دولته المستقلة، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل"، وما قابله من تأكيد الرئيس الأمريكي على موقف الولايات المتحدة الداعم بقوة لحل الدولتين.

ثالثاً: رسالة تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة الأردنية الهاشمية على أسس واضحة، على رأسها تقدير دور المملكة في المحافظة على استقرار الشرق الأوسط، وهو ما ظهر في نقاش جلالة الملك والرئيس الأمريكي حول "عمق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والحرص على مواصلة توطيدها في شتى المجالات"، وأعراب جلالة الملك عن "تقديره لعمق علاقات الصداقة التي تجمع البلدين والشعبين، مثمناً الدعم المتواصل الذي تقدمه الولايات المتحدة للمملكة في مختلف المجالات"، وشكر الرئيس الأمريكي لجلالته "الشراكة العميقة بين البلدين، وعلى قيادته للأردن كمحور استقرار في منطقة الشرق الأوسط"، وتأكيده "التزام الولايات المتحدة التام بدعم استقرار المملكة وازدهارها الاقتصادي لمواجهة مختلف التحديات الإقليمية والعالمية"، وهو ما تمت ترجمته عملياً في اجتماع جلالة الملك بمديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور في 2 فبراير 2023 لمناقشة الشراكة المتواصلة بين الوكالة والأردن، والالتزام المشترك بأولويات التنمية الرئيسية في الأردن، بما في ذلك الاستقرار الاقتصادي والاستدامة المائية.

 ستراتيجيكس-تنامي-معامل-التأثير-الأردني-in-3.jpg

رابعاً: رسالة تنامي تأثير الدور الأردني في الإقليم، عبر الجهود التي تبذلها عمان في تعزيز الشراكات الاقتصادية مُتعددة الأطراف، كمدخل لتحقيق الأمن وإرساء الاستقرار في المنطقة، وهو الأمر الذي تدعمه واشنطن منذ استضافتها عام 2019 للقمة الثانية من المحادثات المشتركة بين الأردن والعراق ومصر، بشأن "آلية التعاون الثلاثي"، وقد يكون للزيارة الملكية إلى واشنطن دور في الدفع قدماً بعدد من مشاريع التعاون الاستراتيجي في مجالات الطاقة والنقل.

وأخيرا؛ رغم التحديات التي يمر بها الأردن على المستوى الداخلي، إلا أنّ رسالة المملكة نحو القضايا العربية والإسلامية، وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى، ودور الأردن الفاعل في الشرق الأوسط يزدادان قوة وتأثيراً، وذلك هو العنوان الأبرز لزيارة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعظم المسؤولية بازدياد الأعباء، وحيث ترفع تحديات الاستجابة إلى أعلى مستوياتها.

حازم سالم الضمور

مدير عام المركز/ باحث متخصص في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية‎